أكد الإمام الاكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أن الجهاد لا يجوز إعلانه إلا لولي الأمر وليس لأفراد أو جماعات وبهدف الدفاع عن النفس والدين والوطن ،وذلك لحماية المجتمع من مستنقع الفوضى. وقال إنَّ الأزهرَ الشريفَ يبذلُ جُهدًا مُتواصِلًا في سبيلِ صِياغةِ خِطابٍ دِينيٍّ واعٍ رشيدٍ يتَأسَّسُ بُنيانُه على القُرآن الكريمِ والسُّنَّةِ النبويَّةِ الشريفةِ والاجتهاداتِ التي تلقَّتها الأُمَّةُ بالقبولِ. جاء ذلك في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر"الأزهر لمواجهة التطرف والإرهاب" بحضور 700 عالم من 120 دولة ورؤساء الكنائس الشرقية وممثلي الطوائف المختلفة والبابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وعدد من الوزراء الحاليين والسابقين والسفراء الشخصيات العامة. أشار شيخ الأزهر إلى أن هناك عدة أسباب لظهور التنظيمات المسلحة في الدول العربية،داعيا إلى تأمل سبب قوى وراءها وهو مؤامرة من الأعداء ، لصالحِ دولةِ إسرائيلَ ومَصالِحِها، وبقائِها الدولةَ الأقوى والأغنى في المنطقة، وشدد على أنه لا سلامَ للعالمِ إلا بحلِّ القضية الفلسطينية حلًّا جذريًّا وعادلًا. تناولت كلمة شيخ الأزهر قضايا التكفير والخلافة مؤكدا أنه لا يجوز تكفير المسلم بسبب الذنوب لأن الكفر معناه خلو القلب وجحده وإنكاره لله تعالى وملائكته وكتبه ورسله .وأشارإلى أن التنظيمات الإرهابية قتلت المسلمين بعد أن حكمت بكفرهم وفيما يتعلق بموضوع الخلافة فأكد أنه من المقرر عند أهل السنة أن الخلافة من مسائل الفروع لا الأصول،ومن هنا احتَملت الرأيَ والرأيَ الآخَر، وأن أصغَرُ طالبٍ في كُليَّةِ أصولِ الدِّينِ في جامعةِ الأزهرِ يَحفَظُ من كتاب شرح المواقف المُقرَّر في علمِ العقيدةِ وهو أحدُ أعمدةِ كتبِ المذهب الأشعري، يقولُ فيه المؤلفُ: الإمامة "ليست من أصول الدِّياناتِ والعقائدِ عندنا، بل هي عندنا من الفُروع. قال الإمام الأكبر إن داعش تحاول تصدير صُورةٍ لإسلامِهم المَغشوشِ بحُسبانِه دينًا جاءَ للناسِ بقطع الرؤوس. طالب شيخ الأزهر مصانع الأسلحة في الشرق والغرب بأن تَبحَثَ لها عن صحراءَ أو بيداءَ لتُجرِّبَ فيها أسلحتَها وتختَبِرَ قوَّتَها وطاقتَها بدلاً من صُدور العرَبِ ودِيارِهم ومُنشآتِهم. قال شيخ الأزهر إن هذا المُؤتَمرُ يأتي في وقتٍ بالغِ الدِّقَّةِ والتعقيدِ والخطَر المُطبِق على بِلادِنا وشُعوبنا وقد دهَمَها من داخِلِها وخارِجِها.. فإنَّك حيثُما قلَّبتَ النَّظَرَ في خريطةِ الشرقِ الأوسطِ فإنَّه يَرُوعُك هذا الوضعُ المَأساوي، والذي يُعييك البحثُ فيه عن سببٍ منطقيٍّ واحدٍ يُبرِّرُ هذا التدميرَ المُتعمَّدَ الذي حاقَ بالأرواحِ والدِّيارِ والإنسانِ، وراحَ يَستهدِفُ تفتيتَ أُمَّةٍ، وفناءَ حضارةٍ، وزَوالَ تاريخٍ.. وإنَّني لأُسائِلُ نفسي وزائريَّ ليلَ نهارَ عن أسبابِ هذه المِحنةِ العرَبيَّةِ، وهذه الفتنةِ العَمياءِ المَمزُوجةِ برائحةِ الدَّمِ والموتِ، والتفجيراتِ، وقطعِ رُؤوسِ البَشَرِ، والتهجيرِ بالمَلايين والتَّدميرِ للعُمران والأوطانِ في وَحشيةٍ لم يَعرِفْها التاريخُ من قَبلُ، ولَن يَعرِفَها مُستَقبَلاً لغيرِ هذه الفصائلِ الطارئةِ علينا وعلى حَضارتِنا وثقافتِنا، والتي تَجاوَزت كلَّ الحُدودِ التي رسَمَتْها الأديانُ والأخلاقُ والأعرافُ الإنسانيَّةُ، وهذه الحدودُ هي فَرقُ ما بينَ الوحشِ المُفترِسِ، وبينَ الإنسانِ العاقلِ المُفكِّرِ، وثالثةُ الأثافي – أيُّها الإخوةُ الأفاضل – أنَّ هذه الجرائمَ البربريةَ النَّكراءَ ما لَبِثَت أن تدَثَّرت بدِثارِ هذا الدِّينِ الحَنِيفِ، وسُمِّيت الأوكارُ التي يُدبَّر فيها أمرُ هذه الجرائمِ باسمِ "الدولة الإسلاميَّة"، أو "دولة الخِلافة الإسلامية"، أو الدِّفاع عن المذهبِ، في مُحاولةٍ لتصديرِ صُورةٍ لإسلامِهم المَغشوشِ بحُسبانِه دينًا جاءَ للناسِ بالذبحِ وقطعِ رأسِ كلِّ مَن يُخالِفُه أو تهجيرِه من دِياره.. وهذه الصورةُ الكَرِيهةُ لدِيننا الحنيفِ أمرٌ طالَما تَمنَّاه أعداءُ الإسلامِ وانتَظَرُوه، بل طالَما دَندَنُوا حولَه ونسَجُوا – من أجلِه -أفانينَ من الأباطيلِ والمُفتَريات والأكاذيبِ، ولعلَّهم اليومَ يُواجِهوننا بهذه الصورةِ الشَّوهاء، ويَبهَتُوننا بها عَبْرَ الشاشاتِ الفضائيَّةِ ليَتِمَّ لهم ما يُريدونَه من تحذيرِ شُعوبِ العالمِ من هذا الدِّينِ الدَّمويِّ المُتوحِّشِ. دوامة الاقتتال وأضاف :الباحثُ في أسبابِ ظُهورِ هذه التنظيماتِ المُسلَّحةِ، وتمَدُّدِها السريعِ في الدولِ العربيَّةِ والإسلاميَّةِ، تُطالِعُه تفسيراتٌ شَتَّى، منها: الدِّينيُّ، ومنها الاقتصاديُّ، ومنها الحضاريُّ، ومنها السياسيُّ، ومنها غيرُ ذلك ممَّا سوف يَتَّسِعُ له البحثُ في مُؤتمرِكم هذا، لكنَّني أودُّ الإشارةَ إلى سببٍ آخَر يَستَحِقُّ أن نتَأمَّلَه قليلًا وهو السببُ الذي يَرى أنَّ ما نُعانِيه إنْ هو إلَّا مُؤامرةٌ من مُؤامراتِ الأعداِء على الشرقِ العربيِّ، لصالحِ دولةِ إسرائيلَ ومَصالِحِها، وبقائِها الدولةَ الأقوى والأغنى في المنطقة، ونحن لا نستَبعِدُ ذلك؛ لأنَّ دولةَ العراقِ قد غُزِيت عام 2003م تحتَ أسبابٍ مُلفَّقةٍ، وعِلَلٍ وأكاذيبَ، فضَحَتْها الصحافةُ الدوليَّةُ، واعتَرفت بتَلفيقِها كُبرَياتُ النُّظُمِ السياسيَّةِ العالميَّةِ، وكان أوَّلُ ما حاكَه الغُزاةُ في العراقِ من خُيوطِ المُؤامَرةِ أن قاموا بتسريحِ الجيشِ العراقيِّ الذي كان من أقوى الجيوشِ العربيَّة في ذلكم الوقتِ، وتسريحِ ضُبَّاطِه وجنودِه، ثم تَركِ أسلحتِه نَهبًا لفصائلَ وميلشياتٍ يَعلَمُ الغُزاةُ جيِّدًا أنها ميلشياتٌ مُتَناحِرةٌ: مذهبًا وعقيدةً ووَلاءً، فماذا كانت النتيجةُ بعدَ إحدى عشرةَ سنةً من اجتياحِ العراقِ؟ لقد دخَل العراقُ في دوَّامةِ الاقتِتالِ، وظلَّ يسبحُ في بُحورٍ من دماء، لا تُبصَرُ شُطآنُها، ولم يخرُج منها العراقُ حتى يومِ الناسِ هذا. والشيءُ نفسُه يُقال على سوريا، وعلى اليمن، وعلى ليبيا.. حيث تَلعَبُ المُؤامرةُ على الوتَرِ نفسِه، وهو التوتُّرُ المذهبيُّ والعِرقيُّ والطائفيُّ مع إمدادِ المُتوتِّرين بالسِّلاحِ لتَندَلِعَ الحرائقُ، ويَحصدُ الموتُ أرواحَ الآلافِ من شبابِ هذه الأُمَّةِ.. واللهُ وحدَه الذي يعلمُ متى تصمُتُ آلةُ الحربِ في هذه الدولِ المَنكوبةِ، ومتى يُقدَّرُ لهذه البلادِ أن يكونَ قَرارُها من رأسِها لا بضغوطٍ ولا تدخُّلاتٍ إقليميَّةٍ أو دوليَّةٍ. ومِن المُؤكَّد لدَيْنا أنَّ أصحابَ هذه الخططِ يَجنُونَ ثِمارًا هائلةً مِن وراءِ اقتتالِ العربِ والمُسلِمينَ فيما بينهم.. فهذا الاقتتالُ الدائمُ يُبقِي العربَ والمُسلِمين في حالةِ هُزالٍ وضَعفٍ ويأسٍ مُستمرٍّ، ولا يسمحُ لهم بأيِّ شكلٍ من أشكالِ القُوَّةِ والتطوُّرِ والتقدُّمِ، ثم هو حربٌ بالوكالةِ لا يَخسَرُ المُوقِدون للحروبِ فيها خسائرَ تُذكَر، سواءٌ في الأرواحِ أو العَتادِ. ثم إنَّ هذا الاقتتالَ العربيَّ العربيَّ يَفتَحُ أسواقًا كُبرى لمصانعِ السلاحِ وتُجَّارِ الحروبِ وسَماسِرةِ الموتِ والخَرابِ.. ويَكفِي دليلًا على ذلك أنَّ المسرحَ السوريَّ -بات على مَدَى سنواتٍ – ساحةً مفتوحةً لحربٍ يَصطَرِعُ فيها السلاحُ من الغربِ ومن الشرقِ علَى حَدٍّ سَواء..ولكَم أتمنى -والأمانيُّ حيلةُ المَغلوبِ-على مصانعِ الأسلحةِ أن تَبحَثَ لها عن صحراءَ أو بيداءَ لتُجرِّبَ فيها أسلحتَها وتختَبِرَ قوَّتَها وطاقتَها بدلاً من صُدور العرَبِ ودِيارِهم ومُنشآتِهم. ولفت شيخ الأزهر إلى أسباب أخرى وراء ظهور التنظيمات المسلحة قائلا:إنَّ نظريَّةَ المُؤامَرةِ ليست هي كلَّ ما هنالك، فهناك سَببٌ أعمَقُ يَذهبُ بَعيدًا في أطواءِ تاريخِنا العربيِّ والإسلاميِّ، ويَكادُ يَكونُ مَنهجًا ثابتاً في علاقاتِنا الداخليَّةِ، ذلكم هو مَنهجُ الفِرقةِ والتنازُعِ والاختلافِ، ولا أُريدُ أن أتوَقَّفَ قليلاً ولا كثيرًا عند هذه الآفةِ التي حذَّرَنا القُرآنُ الكريمُ من مَغبَّتِها المُهلِكةِ، وذلك في قولِه تعالى: "وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" {الأنفال/46}... ولكن أُشِيرُ فقط إلى أنَّ أمَّتنا رغمَ ما خَصَّنا اللهُ به من بينِ سائرِ الأُمَمِ بمُقوِّماتِ الوحدةِ والاتِّحادِ، من لغةٍ وجنسٍ وعِرقٍ ودِينٍ وتاريخٍ وجُغرافيا أيضًا، وبرغم جامعتِنا العربيَّةِ ومُنظَّمةِ التعاوُنِ الإسلاميِّ، وقد مضى على إنشائِهما أكثرُ من نصف قرنٍ، فلا نزالُ نفتقرُ إلى اتِّحادٍ يُشبه الاتحادَ الأوربيَّ، وهو أمرٌ مُمكِن، وليس من عِدادِ المُستَحِيلاتِ، ولا يَحتاجُ إلَّا إلى صِدقِ النَّوايا والنَّظرةِ البَعِيدةِ واستِبعادِ الخِلافاتِ البَيْنيَّةِ، والعربُ لا شَكَّ مُؤهَّلون، بل قادِرون على صُنع هذا الاتِّحادِ إن أرادوا. وبهذه المُناسبةِ فإنَّ الأزهرَ الشريفَ يُقدِّرُ حَقَّ التقديرِ جُهودَ خادمِ الحَرَمَيْنِ الشريفينِ في سعيِه الدَّؤُوبِ لجَمعِ الشَّملِ العربيِّ في مُواجهةِ التحدِّياتِ والأخطاِر التي تُحدِقُ بالأُمَّةِ. على أنَّنا لا ينبغي أن نَغُضَّ الطرفَ عن أفكارِ الغُلوِّ والتَّطرُّفِ التي تسَرَّبت إلى عُقولِ بعضٍ من شَبابِنا ودفعت بهم دَفعًا إلى تَبنِّي الفكرِ التكفيريِّ واعتِناقِ التفسيراتِ المُتطرِّفةِ والعَنِيفةِ مثل تَنظيمِ القاعدةِ والحركاتِ المُسلَّحةِ، التي خرَجت من عَباءتِها وتَعمَلُ ليلَ نهارَ على مُهاجمةِ الأوطان وزَعزعةِ الاستقرارِ، وقد ظهَر مُؤخَّرًا على الساحةِ تنظيمُ داعش الذي نادَى بالخلافةِ الإسلاميَّةِ، وقبلَه وبعدَه ميليشيات طائفيَّة أخرى قاتلة، تملكُ قوَّةً دِعائيَّةً هائلةً، عادت – للأسَف– بأسوأ العَواقِبِ على الإسلامِ والمُسلِمين في العالمِ كُلِّه. الغلاة الجدد وليست داعش هي الفصيلَ المُسلَّحَ الوحيدَ على الساحةِ، بل هناك ميليشيات أخرى طائفيَّة تَذبحُ وتُهجِّرُ قَسرًا في العِراقِ وسوريا واليمن، وهناك طوائفُ مَذهبيَّةٌ تُحاوِلُ جرَّ الأوطانِ إلى ولاءاتٍ إقليميَّةٍ خارجيَّةٍ باسم الديموقراطيَّة وحُقوقِ الإنسان، كما يَحدُث في البحرين مثلًا، ولهم شيوخٌ ومُفتون يُحلِّلُون لهم هذه الجَرائم، ويَدفَعُونهم دفعًا إلى اقتِرافِها. وفي الفَمِ ماءٌ كثيرٌ يَحُولُ دون الاسترسالِ في الحديثِ عن هذه المَأساة اللاإنسانيَّة؛ حِرصًا على وحدةِ المسلمين التي هي الهدفُ الأسمى للأزهرِ الشريفِ منذُ قامت مُؤسَّسته وانتشَرت دعوتُها في الآفاقِ على مدى أكثرَ من ألفِ عام،والذي يجمعُ هؤلاء جميعًا قاسمٌ مُشتَرَك يَتمسَّكون به، يَحكُم كلَّ جَرائِمهم هو: تكفيرُ المسلمين بالذنبِ ثم استحلال دِمائِهم بعدَ ذلك، وهو يُعيد إلى الأذهانِ مذاهبَ قديمةً طَواها التاريخُ، قتَلت المسلمين بعدَ أن رمَتْهم بالكُفرِ والخُروج من الإسلامِ استنادًا إلى فَهمٍ خاطئٍ ومُنحرِفٍ لنصوصِ الكتاب والسُّنَّة.. وهؤلاء الغُلاةُ الجُدُد ينطَلِقون من هذا المُعتقَدِ نفسِه، بعد تحريفِهم مفهوم "الكفر" والانحرافِ به عن مَعناه الصحيحِ الذي حدَّدَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حديثِ جبريل - عليه السلامُ - وسارَ عليه المسلمون، وهو عدمُ تكفيرِ المسلمِ بالذنوبِ حتى لو كانت من الكبائرِ، ما لم يستَحِلَّها، وإنما الكفرُ هو إنكارُ القلبِ وجحدُه وخلوُّه من التصديقِ باللهِ وملائكتِه وكتبِه ورُسلِه واليومِ الآخِر... والقدرِ: خيرِه وشرِّه، أمَّا مَن آمَن بكلِّ ذلك وصَدَّق به فهو مُؤمنٌ وليسَ بكافرٍ. وتابع:لقد حُرِّفَ مفهومُ الجهادِ عند هذه التنظيماتِ المُسلَّحةِ المُتطرِّفةِ والطائفيَّةِ، وراحوا يَقتُلون مَن يشاؤون زعمًا منهم بأنَّه جهاد، وأنهم إن قُتِلوا فهم شُهَداءُ في الجنةِ... وهذا من أشنَعِ الأخطاءِ في فهم شريعةِ الإسلامِ؛ فأولاً: لم يُشرَع الجهادُ في الإسلامِ إلا للدِّفاعِ عن النفسِ والدِّينِ والوطَنِ، ونحن نحفظُ عن شُيوخِنا في الأزهر: أنَّ علةَ القتالِ العدوانُ لا الكُفرُ.. وثانيًا: إعلانُ الجهادِ ومُباشرتُه لا يجوزُ أن يتَولَّاه أحدٌ إلا وليّ الأمرِ، ولا يَجوزُ لأفرادٍ أو جماعاتٍ أن تتَولَّى هذا الأمرَ بمُفردِها مهما كانت الأحوالُ والظروفُ، وإلَّا كانت النتيجةُ دخولَ المجتمعِ في مضطربِ الفوضى وهدرِ الدماء وهَتكِ الأعراضِ واستحلالِ الأموالِ، وهو ما نُعانِيه اليومَ من جَرَّاءِ هذا الفهمِ الخاطئِ المَغلُوطِ لهذه الأحكامِ الشرعيَّةِ..ومن هنا فإنَّ الاعتداءَ على النفسِ الإنسانيَّةِ أيًّا كانت دِيانتُها أو اعتقادُها، أمرٌ يُحرِّمُه الإسلامُ ويَرفُضه. وكيف وقد انفَتَح الإسلامُ على أبناءِ الأديانِ الأخرى، ولدرَجةِ الاختلاطِ بالزواجِ والعيشِ المُشترَكِ في بيتٍ واحدٍ، وتحت سَقفٍ واحدٍ. وفي هذا إقرارٌ من الإسلامِ بالعيشِ الواحدِ والتداخُلِ الأُسري. نحن نقولُ بالمُواطَنة الكامِلةِ، والعيشِ الواحدِ في الأوطانِ..ومن هنا فإنَّ الاعتداءَ أو التهجيرَ القَسريَّ أو التمييزَ، هي أمورٌ تتَنافَى وصحيحَ الدِّينِ، وإجماعَ المُسلِمين. وأوضح أن الفهمُ الخاطئُ لموضوعِ الخِلافة، أو الإمامةِ عند المسلمين، فمن المُقرِّر عند علماء أصول الدِّين أنَّ الإمامةَ من مَسائلِ الفُروعِ وليست من مَسائلِ الأصولِ، ومن هنا احتَملت الرأيَ والرأيَ الآخَر، وأصغَرُ طالبٍ في كُليَّةِ أصولِ الدِّينِ في جامعةِ الأزهرِ يَحفَظُ من كتاب شرح المواقف المُقرَّر في علمِ العقيدةِ وهو أحدُ أعمدةِ كتبِ المذهب الأشعري، يقولُ فيه المؤلفُ: الإمامة "ليست من أصول الدِّياناتِ والعقائدِ عندنا، بل هي عندنا من الفُروع"،وكذلك كتاب شرح المقاصد المُقرَّر أيضًا في علمِ العقيدةِ يقول فيه السعد التفتازاني: (من أئمَّة أهل السُّنَّةِ والجماعة): "لا نزاعَ في أنَّ مباحثَ الإمامةِ بعلمِ الفُروع أليَقُ"، وهذا الحُكم ثابتٌ ومُقرَّرٌ في كلِّ كتبِ عقائدِ أهلِ السُّنَّةِ، فكيف صارت هذه المسألةُ التي ليست من أُصولِ الدِّينِ عند أهل السُّنَّةِ والجماعةِ فاصِلاً عند هذا الشبابِ بين الكُفرِ والإيمانِ، وفتنةً سُفِكت فيها الدماءُ، وخُرِّبَ العمرانُ، وشُوِّهت بها صورةُ هذا الدِّين الحنيف ؟!. وقال :طولُ بنا المقامُ لو رُحتُ أُعدِّدُ المفاهيمَ الشرعيَّةَ التي تَحكَّمت فيها أَمزِجةُ هذه الجماعاتِ وأخرَجَتْها عن سِياقاتِها الصحيحةِ، وراحت تُبرِّرُ بها إراقةَ الدماءِ.. ولكن أتركُ لعلماءِ هذا المؤتمرِ مُهمَّةَ تصحيحِ هذه المفاهيمِ وإعادتِها إلى وضعِها الصحيحِ في تُراثِنا المَنقُولِ والمَعقُولِ.. ثم إذاعتِها في البيانِ الخِتاميِّ على العالم كُلِّه؛ إعذارًا للحقِّ، وإبراءً للذمَّة،مشيرا إلى أننا في أشدِّ الحاجةِ إلى أن يَتَّجِهَ جهدُ شَبابِنا لتحقيقِ التَّقدُّمِ العلميِّ والتِّقنيِّ والحضاريِّ؛ حتى نَلحَقَ برَكبِ الأُمَمِ التي سبَقتنا إلى قيادةِ العالمِ والتأثيرِ في مصائرِ الإنسانيَّةِ، وتوجيهِ مسيرتِها وتحديدِ وجهتِها، وإنَّ هذه المسيرةَ لفي أشدِّ الحاجةِ إلى الانضِباطِ بضَوابطِ الدِّين والأخلاقِ ونورِ الوحيِ وهَديِ السماء، وحتى تَخِفَّ عذاباتُ الناسِ وآلامِهم التي سبَّبَتها السياساتُ العالميَّةُ التي تعملُ في غيبةٍ عن قيمِ الأنبياءِ والمُرسَلين، والذين ما بعَثَهم اللهُ إلا لهِدايةِ الإنسان وإسعادِه في الدُّنيا والآخِرة. وأكد أنَّ الأزهرَ الشريفَ بذَل – ولا يزالُ يبذلُ – جُهدًا مُتواصِلًا في سبيلِ صِياغةِ خِطابٍ دِينيٍّ واعٍ رشيدٍ يتَأسَّسُ بُنيانُه على القُرآن الكريمِ والسُّنَّةِ النبويَّةِ الشريفةِ والاجتهاداتِ التي تلقَّتها الأُمَّةُ بالقبولِ. وطالب شيخ الأزهرالمُسلِمين كافَّةً بأن يَثِقوا ثقةً مُطلَقةً في أزهرِهم الشريفِ جامعًا وجامعةً، فهو الأمينُ على تلقينِكم أمورَ دِينِكم: عقيدةً وشريعةً خالصةً كما أرادَها الله وبلَّغَها رسولُه الكريمُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وبعيدةً عن تحريفِ الغالين وانتحالِ المُبطِلين وتأويلِ الجاهِلين. وانهى كلمته بقوله: ونحن نتَصدَّى للإرهابِ والغُلوِّ والتطرُّفِ، فإنَّ هذه التَّحدِّيات التي تَشغَلُنا ليلَ نهارَ لا يُمكن أن تَأخُذَنا بعيدًا عن قضيَّةِ العرَبِ والمسلمين الأولى، وهي قضيَّةُ المسجدِ الأقصى أُولَى القِبلتين وثالثِ الحرمين.. والقضيَّةُ الفلسطينيَّةُ التي لا سلامَ للعالمِ إلا بحلِّ مُشكلتِها حلًّا جذريًّا وعادلًا، مشيرا إلى أن الأزهرعزَم على تخصيصِ مُؤتمرِه الخامس عشر والذي سيُعقَد قريبًا -إن شاء الله -لنُصرة الأقصى والقضيَّةِ الفلسطينيَّة. خصوصية المسيحية المصرية ورحب البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بضيوف المؤتمر قائلا نرحب بكم جميعا في قلوبنا وليس في وطننا فقط واستعرض تاريخ المسيحية في مصر والمبادئ التي تقوم عليها وخصوصيتها في مصر مشيرا إلى أن الإنسان هو بمثابة النور الذي يضئ للأخرين ويعيش للحب للجميع وهو ملح الأرض وخلقه الله ليكون له رسالة على الأرض وهو أن يعيش للأخرين ويحبهم ويحترمهم قائلا: إذا كنت لا تحب أخاك الذي تراه فكيف تستطيع أن تحب الله. وأضاف أن المسيحيين في مصر عاشوا مع إخوانهم المسلمين واشتركوا في كل الاحداث التي مرت بها البلاد وأن ثورة عرابي وثورة 1919 كانت ثورة المصريين جميعا وتعانق فيها الشيخ مع القسيس ورفعوا شعار عاش الهلال مع الصليب وأن اللورد كرومر قال عن المصريين أنه لا فرق بينهم فمنهم من يتعبد في المسجد ومنهم من يتعبد في الكنيسة وأن حرب أكتوبر جسدت ملحمة للمصريين جميعا وكان للاقباط تضحياتهم وبطولاتهم ومنهم اللواء فؤاد عزيز غالى قائد الجيش الثاني واللواء باقي ذكي وشفيق مترى سدراك أول ضابط شهيد في الحرب. وقال عندما جاءت فترة الربيع العربي ولم يكن ربيعا وتأثرت دول كثيرة ورأينا المجازرثم جاءت ثورة 25 يناير ثم ثورة 30 يونيو لتعيد الاوضاع لما كانت عليه بعد أن رأينا إسلاما غير الذي عرفناه على أرض مصر وتم حرق عدد كبير من الكنائس وقلنا إن للحرية ثمن غال وإن وطنا بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن. وأكد حاجتنا لتأصيل وتجديد الخطاب سواء على مستوى الإعلام أو مستوى الكنائس والمساجد ونحتاج لمراجعة المناهج الدراسية لتأصيل روح المواطنة والارتباط بالارض وترسيخ قيم العيش المشترك. وأنهى كلمته قائلا :نصلى كل يوم ليحفظ الله وحدة بلادنا وأن يستمر أبناؤها محافظين على وحدتهم ولتظل مرفوعة الرأس. ونبه الدكتور محمد يسف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى في المملكة المغربية إلى ضرورة قيام علماء الدين بمهمتهم الربانية لاجتثاث الإرهاب من جذوره،مؤكدا أنه لو طالت حياة الإرهاب سيجعل الناس يخرجون من دين الله بعد أن دمر بغداد عاصمة الخلافة العباسية ودمشق عاصمة الخلافة الأموية،ودعا الأزهر لان يكثف جهوده لذلك بعد أن كادت أن تهلك الامة. وقال فيصل المعمر مستشار خادم الحرمين الشريفين للحوار، إن الصراعات الشديدة التى يشهدها العالم حتمت عقد مؤتمر الأزهر الدولى لمكافحة الإرهاب، لمناقشة الأسباب التى تؤدى إلى صناعة التطرف، من الجماعات الإرهابية التى تتستر وراء الدين الإسلامى.وأوضح أن من أهم أسباب التطرف، هى النظرة الأحادية للدين، ومعارضة كل من يخالف الرأى.وأشار إلى أن المملكة العربية السعودية تعمل جاهدة على مواجهة هذه الأقكار المتطرفة ووقف في العديد من الدول العربية والإسلامية والتي تطال المسلمين ، مضيفا أن مؤتمر خادم الحرمين الشريفين للحوار، الذى عقد الشهر الماضى فى فيينا، ساهم بشكل كبير فى القضاء على الفتن الطائفية التى تعانى من بعض البلدان العربية. وطالب د.محمد قريش شهاب في كلمته باسم مجلس حكماء المسلمين بضرورة اتحاد الجميع لإيجاد منهج سليم إزاء حتمية الاختلاف التي هي إرادة الله،ووجوب تعميق ثقافة الاحترام والتعاون التي دعا إليها القرآن الكريم. وأكد أن المؤتمر سيكون له جانبان إيجابي وسلبي، فالإيجابي يتمثل في نجاح المؤتمر من خلال توصياته في مكافحة الإرهاب، أما الجانب السلبي فيحدث إذا فشلنا في ذلك – معاذ الله - وسيكون ذلك أننا أعطينا للملحدين سبباً أن الدين ليس له دور ولا يحتاجه بشروأنه من أجل الوصول إلي النتائج الإيجابية للمؤتمر يجب أن نكون على يد واحدة ونتحد لإيجاد منهج سليم إزاء حتمية الاختلاف التي هي إرادة الله. وأضف فضيلته أن الاختلاف هو سنة الحياة بل إرادة الله الكريمة مستشهداً بالآية الكريمة "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة"، مطالبًا بضرورة الاتحاد وتعميق ثقافة الاحترام والتعاون التي دعا إليها القرآن الكريم، وأن الإسلام لم يدع فقط إلى الوحدة بين المسلمين بعضهم البعض بل دعا إلى الحفاظ على حقوق النصارى وغيرهم. أكد الإمام الاكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أن الجهاد لا يجوز إعلانه إلا لولي الأمر وليس لأفراد أو جماعات وبهدف الدفاع عن النفس والدين والوطن ،وذلك لحماية المجتمع من مستنقع الفوضى. وقال إنَّ الأزهرَ الشريفَ يبذلُ جُهدًا مُتواصِلًا في سبيلِ صِياغةِ خِطابٍ دِينيٍّ واعٍ رشيدٍ يتَأسَّسُ بُنيانُه على القُرآن الكريمِ والسُّنَّةِ النبويَّةِ الشريفةِ والاجتهاداتِ التي تلقَّتها الأُمَّةُ بالقبولِ. جاء ذلك في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر"الأزهر لمواجهة التطرف والإرهاب" بحضور 700 عالم من 120 دولة ورؤساء الكنائس الشرقية وممثلي الطوائف المختلفة والبابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وعدد من الوزراء الحاليين والسابقين والسفراء الشخصيات العامة. أشار شيخ الأزهر إلى أن هناك عدة أسباب لظهور التنظيمات المسلحة في الدول العربية،داعيا إلى تأمل سبب قوى وراءها وهو مؤامرة من الأعداء ، لصالحِ دولةِ إسرائيلَ ومَصالِحِها، وبقائِها الدولةَ الأقوى والأغنى في المنطقة، وشدد على أنه لا سلامَ للعالمِ إلا بحلِّ القضية الفلسطينية حلًّا جذريًّا وعادلًا. تناولت كلمة شيخ الأزهر قضايا التكفير والخلافة مؤكدا أنه لا يجوز تكفير المسلم بسبب الذنوب لأن الكفر معناه خلو القلب وجحده وإنكاره لله تعالى وملائكته وكتبه ورسله .وأشارإلى أن التنظيمات الإرهابية قتلت المسلمين بعد أن حكمت بكفرهم وفيما يتعلق بموضوع الخلافة فأكد أنه من المقرر عند أهل السنة أن الخلافة من مسائل الفروع لا الأصول،ومن هنا احتَملت الرأيَ والرأيَ الآخَر، وأن أصغَرُ طالبٍ في كُليَّةِ أصولِ الدِّينِ في جامعةِ الأزهرِ يَحفَظُ من كتاب شرح المواقف المُقرَّر في علمِ العقيدةِ وهو أحدُ أعمدةِ كتبِ المذهب الأشعري، يقولُ فيه المؤلفُ: الإمامة "ليست من أصول الدِّياناتِ والعقائدِ عندنا، بل هي عندنا من الفُروع. قال الإمام الأكبر إن داعش تحاول تصدير صُورةٍ لإسلامِهم المَغشوشِ بحُسبانِه دينًا جاءَ للناسِ بقطع الرؤوس. طالب شيخ الأزهر مصانع الأسلحة في الشرق والغرب بأن تَبحَثَ لها عن صحراءَ أو بيداءَ لتُجرِّبَ فيها أسلحتَها وتختَبِرَ قوَّتَها وطاقتَها بدلاً من صُدور العرَبِ ودِيارِهم ومُنشآتِهم. قال شيخ الأزهر إن هذا المُؤتَمرُ يأتي في وقتٍ بالغِ الدِّقَّةِ والتعقيدِ والخطَر المُطبِق على بِلادِنا وشُعوبنا وقد دهَمَها من داخِلِها وخارِجِها.. فإنَّك حيثُما قلَّبتَ النَّظَرَ في خريطةِ الشرقِ الأوسطِ فإنَّه يَرُوعُك هذا الوضعُ المَأساوي، والذي يُعييك البحثُ فيه عن سببٍ منطقيٍّ واحدٍ يُبرِّرُ هذا التدميرَ المُتعمَّدَ الذي حاقَ بالأرواحِ والدِّيارِ والإنسانِ، وراحَ يَستهدِفُ تفتيتَ أُمَّةٍ، وفناءَ حضارةٍ، وزَوالَ تاريخٍ.. وإنَّني لأُسائِلُ نفسي وزائريَّ ليلَ نهارَ عن أسبابِ هذه المِحنةِ العرَبيَّةِ، وهذه الفتنةِ العَمياءِ المَمزُوجةِ برائحةِ الدَّمِ والموتِ، والتفجيراتِ، وقطعِ رُؤوسِ البَشَرِ، والتهجيرِ بالمَلايين والتَّدميرِ للعُمران والأوطانِ في وَحشيةٍ لم يَعرِفْها التاريخُ من قَبلُ، ولَن يَعرِفَها مُستَقبَلاً لغيرِ هذه الفصائلِ الطارئةِ علينا وعلى حَضارتِنا وثقافتِنا، والتي تَجاوَزت كلَّ الحُدودِ التي رسَمَتْها الأديانُ والأخلاقُ والأعرافُ الإنسانيَّةُ، وهذه الحدودُ هي فَرقُ ما بينَ الوحشِ المُفترِسِ، وبينَ الإنسانِ العاقلِ المُفكِّرِ، وثالثةُ الأثافي – أيُّها الإخوةُ الأفاضل – أنَّ هذه الجرائمَ البربريةَ النَّكراءَ ما لَبِثَت أن تدَثَّرت بدِثارِ هذا الدِّينِ الحَنِيفِ، وسُمِّيت الأوكارُ التي يُدبَّر فيها أمرُ هذه الجرائمِ باسمِ "الدولة الإسلاميَّة"، أو "دولة الخِلافة الإسلامية"، أو الدِّفاع عن المذهبِ، في مُحاولةٍ لتصديرِ صُورةٍ لإسلامِهم المَغشوشِ بحُسبانِه دينًا جاءَ للناسِ بالذبحِ وقطعِ رأسِ كلِّ مَن يُخالِفُه أو تهجيرِه من دِياره.. وهذه الصورةُ الكَرِيهةُ لدِيننا الحنيفِ أمرٌ طالَما تَمنَّاه أعداءُ الإسلامِ وانتَظَرُوه، بل طالَما دَندَنُوا حولَه ونسَجُوا – من أجلِه -أفانينَ من الأباطيلِ والمُفتَريات والأكاذيبِ، ولعلَّهم اليومَ يُواجِهوننا بهذه الصورةِ الشَّوهاء، ويَبهَتُوننا بها عَبْرَ الشاشاتِ الفضائيَّةِ ليَتِمَّ لهم ما يُريدونَه من تحذيرِ شُعوبِ العالمِ من هذا الدِّينِ الدَّمويِّ المُتوحِّشِ. دوامة الاقتتال وأضاف :الباحثُ في أسبابِ ظُهورِ هذه التنظيماتِ المُسلَّحةِ، وتمَدُّدِها السريعِ في الدولِ العربيَّةِ والإسلاميَّةِ، تُطالِعُه تفسيراتٌ شَتَّى، منها: الدِّينيُّ، ومنها الاقتصاديُّ، ومنها الحضاريُّ، ومنها السياسيُّ، ومنها غيرُ ذلك ممَّا سوف يَتَّسِعُ له البحثُ في مُؤتمرِكم هذا، لكنَّني أودُّ الإشارةَ إلى سببٍ آخَر يَستَحِقُّ أن نتَأمَّلَه قليلًا وهو السببُ الذي يَرى أنَّ ما نُعانِيه إنْ هو إلَّا مُؤامرةٌ من مُؤامراتِ الأعداِء على الشرقِ العربيِّ، لصالحِ دولةِ إسرائيلَ ومَصالِحِها، وبقائِها الدولةَ الأقوى والأغنى في المنطقة، ونحن لا نستَبعِدُ ذلك؛ لأنَّ دولةَ العراقِ قد غُزِيت عام 2003م تحتَ أسبابٍ مُلفَّقةٍ، وعِلَلٍ وأكاذيبَ، فضَحَتْها الصحافةُ الدوليَّةُ، واعتَرفت بتَلفيقِها كُبرَياتُ النُّظُمِ السياسيَّةِ العالميَّةِ، وكان أوَّلُ ما حاكَه الغُزاةُ في العراقِ من خُيوطِ المُؤامَرةِ أن قاموا بتسريحِ الجيشِ العراقيِّ الذي كان من أقوى الجيوشِ العربيَّة في ذلكم الوقتِ، وتسريحِ ضُبَّاطِه وجنودِه، ثم تَركِ أسلحتِه نَهبًا لفصائلَ وميلشياتٍ يَعلَمُ الغُزاةُ جيِّدًا أنها ميلشياتٌ مُتَناحِرةٌ: مذهبًا وعقيدةً ووَلاءً، فماذا كانت النتيجةُ بعدَ إحدى عشرةَ سنةً من اجتياحِ العراقِ؟ لقد دخَل العراقُ في دوَّامةِ الاقتِتالِ، وظلَّ يسبحُ في بُحورٍ من دماء، لا تُبصَرُ شُطآنُها، ولم يخرُج منها العراقُ حتى يومِ الناسِ هذا. والشيءُ نفسُه يُقال على سوريا، وعلى اليمن، وعلى ليبيا.. حيث تَلعَبُ المُؤامرةُ على الوتَرِ نفسِه، وهو التوتُّرُ المذهبيُّ والعِرقيُّ والطائفيُّ مع إمدادِ المُتوتِّرين بالسِّلاحِ لتَندَلِعَ الحرائقُ، ويَحصدُ الموتُ أرواحَ الآلافِ من شبابِ هذه الأُمَّةِ.. واللهُ وحدَه الذي يعلمُ متى تصمُتُ آلةُ الحربِ في هذه الدولِ المَنكوبةِ، ومتى يُقدَّرُ لهذه البلادِ أن يكونَ قَرارُها من رأسِها لا بضغوطٍ ولا تدخُّلاتٍ إقليميَّةٍ أو دوليَّةٍ. ومِن المُؤكَّد لدَيْنا أنَّ أصحابَ هذه الخططِ يَجنُونَ ثِمارًا هائلةً مِن وراءِ اقتتالِ العربِ والمُسلِمينَ فيما بينهم.. فهذا الاقتتالُ الدائمُ يُبقِي العربَ والمُسلِمين في حالةِ هُزالٍ وضَعفٍ ويأسٍ مُستمرٍّ، ولا يسمحُ لهم بأيِّ شكلٍ من أشكالِ القُوَّةِ والتطوُّرِ والتقدُّمِ، ثم هو حربٌ بالوكالةِ لا يَخسَرُ المُوقِدون للحروبِ فيها خسائرَ تُذكَر، سواءٌ في الأرواحِ أو العَتادِ. ثم إنَّ هذا الاقتتالَ العربيَّ العربيَّ يَفتَحُ أسواقًا كُبرى لمصانعِ السلاحِ وتُجَّارِ الحروبِ وسَماسِرةِ الموتِ والخَرابِ.. ويَكفِي دليلًا على ذلك أنَّ المسرحَ السوريَّ -بات على مَدَى سنواتٍ – ساحةً مفتوحةً لحربٍ يَصطَرِعُ فيها السلاحُ من الغربِ ومن الشرقِ علَى حَدٍّ سَواء..ولكَم أتمنى -والأمانيُّ حيلةُ المَغلوبِ-على مصانعِ الأسلحةِ أن تَبحَثَ لها عن صحراءَ أو بيداءَ لتُجرِّبَ فيها أسلحتَها وتختَبِرَ قوَّتَها وطاقتَها بدلاً من صُدور العرَبِ ودِيارِهم ومُنشآتِهم. ولفت شيخ الأزهر إلى أسباب أخرى وراء ظهور التنظيمات المسلحة قائلا:إنَّ نظريَّةَ المُؤامَرةِ ليست هي كلَّ ما هنالك، فهناك سَببٌ أعمَقُ يَذهبُ بَعيدًا في أطواءِ تاريخِنا العربيِّ والإسلاميِّ، ويَكادُ يَكونُ مَنهجًا ثابتاً في علاقاتِنا الداخليَّةِ، ذلكم هو مَنهجُ الفِرقةِ والتنازُعِ والاختلافِ، ولا أُريدُ أن أتوَقَّفَ قليلاً ولا كثيرًا عند هذه الآفةِ التي حذَّرَنا القُرآنُ الكريمُ من مَغبَّتِها المُهلِكةِ، وذلك في قولِه تعالى: "وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" {الأنفال/46}... ولكن أُشِيرُ فقط إلى أنَّ أمَّتنا رغمَ ما خَصَّنا اللهُ به من بينِ سائرِ الأُمَمِ بمُقوِّماتِ الوحدةِ والاتِّحادِ، من لغةٍ وجنسٍ وعِرقٍ ودِينٍ وتاريخٍ وجُغرافيا أيضًا، وبرغم جامعتِنا العربيَّةِ ومُنظَّمةِ التعاوُنِ الإسلاميِّ، وقد مضى على إنشائِهما أكثرُ من نصف قرنٍ، فلا نزالُ نفتقرُ إلى اتِّحادٍ يُشبه الاتحادَ الأوربيَّ، وهو أمرٌ مُمكِن، وليس من عِدادِ المُستَحِيلاتِ، ولا يَحتاجُ إلَّا إلى صِدقِ النَّوايا والنَّظرةِ البَعِيدةِ واستِبعادِ الخِلافاتِ البَيْنيَّةِ، والعربُ لا شَكَّ مُؤهَّلون، بل قادِرون على صُنع هذا الاتِّحادِ إن أرادوا. وبهذه المُناسبةِ فإنَّ الأزهرَ الشريفَ يُقدِّرُ حَقَّ التقديرِ جُهودَ خادمِ الحَرَمَيْنِ الشريفينِ في سعيِه الدَّؤُوبِ لجَمعِ الشَّملِ العربيِّ في مُواجهةِ التحدِّياتِ والأخطاِر التي تُحدِقُ بالأُمَّةِ. على أنَّنا لا ينبغي أن نَغُضَّ الطرفَ عن أفكارِ الغُلوِّ والتَّطرُّفِ التي تسَرَّبت إلى عُقولِ بعضٍ من شَبابِنا ودفعت بهم دَفعًا إلى تَبنِّي الفكرِ التكفيريِّ واعتِناقِ التفسيراتِ المُتطرِّفةِ والعَنِيفةِ مثل تَنظيمِ القاعدةِ والحركاتِ المُسلَّحةِ، التي خرَجت من عَباءتِها وتَعمَلُ ليلَ نهارَ على مُهاجمةِ الأوطان وزَعزعةِ الاستقرارِ، وقد ظهَر مُؤخَّرًا على الساحةِ تنظيمُ داعش الذي نادَى بالخلافةِ الإسلاميَّةِ، وقبلَه وبعدَه ميليشيات طائفيَّة أخرى قاتلة، تملكُ قوَّةً دِعائيَّةً هائلةً، عادت – للأسَف– بأسوأ العَواقِبِ على الإسلامِ والمُسلِمين في العالمِ كُلِّه. الغلاة الجدد وليست داعش هي الفصيلَ المُسلَّحَ الوحيدَ على الساحةِ، بل هناك ميليشيات أخرى طائفيَّة تَذبحُ وتُهجِّرُ قَسرًا في العِراقِ وسوريا واليمن، وهناك طوائفُ مَذهبيَّةٌ تُحاوِلُ جرَّ الأوطانِ إلى ولاءاتٍ إقليميَّةٍ خارجيَّةٍ باسم الديموقراطيَّة وحُقوقِ الإنسان، كما يَحدُث في البحرين مثلًا، ولهم شيوخٌ ومُفتون يُحلِّلُون لهم هذه الجَرائم، ويَدفَعُونهم دفعًا إلى اقتِرافِها. وفي الفَمِ ماءٌ كثيرٌ يَحُولُ دون الاسترسالِ في الحديثِ عن هذه المَأساة اللاإنسانيَّة؛ حِرصًا على وحدةِ المسلمين التي هي الهدفُ الأسمى للأزهرِ الشريفِ منذُ قامت مُؤسَّسته وانتشَرت دعوتُها في الآفاقِ على مدى أكثرَ من ألفِ عام،والذي يجمعُ هؤلاء جميعًا قاسمٌ مُشتَرَك يَتمسَّكون به، يَحكُم كلَّ جَرائِمهم هو: تكفيرُ المسلمين بالذنبِ ثم استحلال دِمائِهم بعدَ ذلك، وهو يُعيد إلى الأذهانِ مذاهبَ قديمةً طَواها التاريخُ، قتَلت المسلمين بعدَ أن رمَتْهم بالكُفرِ والخُروج من الإسلامِ استنادًا إلى فَهمٍ خاطئٍ ومُنحرِفٍ لنصوصِ الكتاب والسُّنَّة.. وهؤلاء الغُلاةُ الجُدُد ينطَلِقون من هذا المُعتقَدِ نفسِه، بعد تحريفِهم مفهوم "الكفر" والانحرافِ به عن مَعناه الصحيحِ الذي حدَّدَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حديثِ جبريل - عليه السلامُ - وسارَ عليه المسلمون، وهو عدمُ تكفيرِ المسلمِ بالذنوبِ حتى لو كانت من الكبائرِ، ما لم يستَحِلَّها، وإنما الكفرُ هو إنكارُ القلبِ وجحدُه وخلوُّه من التصديقِ باللهِ وملائكتِه وكتبِه ورُسلِه واليومِ الآخِر... والقدرِ: خيرِه وشرِّه، أمَّا مَن آمَن بكلِّ ذلك وصَدَّق به فهو مُؤمنٌ وليسَ بكافرٍ. وتابع:لقد حُرِّفَ مفهومُ الجهادِ عند هذه التنظيماتِ المُسلَّحةِ المُتطرِّفةِ والطائفيَّةِ، وراحوا يَقتُلون مَن يشاؤون زعمًا منهم بأنَّه جهاد، وأنهم إن قُتِلوا فهم شُهَداءُ في الجنةِ... وهذا من أشنَعِ الأخطاءِ في فهم شريعةِ الإسلامِ؛ فأولاً: لم يُشرَع الجهادُ في الإسلامِ إلا للدِّفاعِ عن النفسِ والدِّينِ والوطَنِ، ونحن نحفظُ عن شُيوخِنا في الأزهر: أنَّ علةَ القتالِ العدوانُ لا الكُفرُ.. وثانيًا: إعلانُ الجهادِ ومُباشرتُه لا يجوزُ أن يتَولَّاه أحدٌ إلا وليّ الأمرِ، ولا يَجوزُ لأفرادٍ أو جماعاتٍ أن تتَولَّى هذا الأمرَ بمُفردِها مهما كانت الأحوالُ والظروفُ، وإلَّا كانت النتيجةُ دخولَ المجتمعِ في مضطربِ الفوضى وهدرِ الدماء وهَتكِ الأعراضِ واستحلالِ الأموالِ، وهو ما نُعانِيه اليومَ من جَرَّاءِ هذا الفهمِ الخاطئِ المَغلُوطِ لهذه الأحكامِ الشرعيَّةِ..ومن هنا فإنَّ الاعتداءَ على النفسِ الإنسانيَّةِ أيًّا كانت دِيانتُها أو اعتقادُها، أمرٌ يُحرِّمُه الإسلامُ ويَرفُضه. وكيف وقد انفَتَح الإسلامُ على أبناءِ الأديانِ الأخرى، ولدرَجةِ الاختلاطِ بالزواجِ والعيشِ المُشترَكِ في بيتٍ واحدٍ، وتحت سَقفٍ واحدٍ. وفي هذا إقرارٌ من الإسلامِ بالعيشِ الواحدِ والتداخُلِ الأُسري. نحن نقولُ بالمُواطَنة الكامِلةِ، والعيشِ الواحدِ في الأوطانِ..ومن هنا فإنَّ الاعتداءَ أو التهجيرَ القَسريَّ أو التمييزَ، هي أمورٌ تتَنافَى وصحيحَ الدِّينِ، وإجماعَ المُسلِمين. وأوضح أن الفهمُ الخاطئُ لموضوعِ الخِلافة، أو الإمامةِ عند المسلمين، فمن المُقرِّر عند علماء أصول الدِّين أنَّ الإمامةَ من مَسائلِ الفُروعِ وليست من مَسائلِ الأصولِ، ومن هنا احتَملت الرأيَ والرأيَ الآخَر، وأصغَرُ طالبٍ في كُليَّةِ أصولِ الدِّينِ في جامعةِ الأزهرِ يَحفَظُ من كتاب شرح المواقف المُقرَّر في علمِ العقيدةِ وهو أحدُ أعمدةِ كتبِ المذهب الأشعري، يقولُ فيه المؤلفُ: الإمامة "ليست من أصول الدِّياناتِ والعقائدِ عندنا، بل هي عندنا من الفُروع"،وكذلك كتاب شرح المقاصد المُقرَّر أيضًا في علمِ العقيدةِ يقول فيه السعد التفتازاني: (من أئمَّة أهل السُّنَّةِ والجماعة): "لا نزاعَ في أنَّ مباحثَ الإمامةِ بعلمِ الفُروع أليَقُ"، وهذا الحُكم ثابتٌ ومُقرَّرٌ في كلِّ كتبِ عقائدِ أهلِ السُّنَّةِ، فكيف صارت هذه المسألةُ التي ليست من أُصولِ الدِّينِ عند أهل السُّنَّةِ والجماعةِ فاصِلاً عند هذا الشبابِ بين الكُفرِ والإيمانِ، وفتنةً سُفِكت فيها الدماءُ، وخُرِّبَ العمرانُ، وشُوِّهت بها صورةُ هذا الدِّين الحنيف ؟!. وقال :طولُ بنا المقامُ لو رُحتُ أُعدِّدُ المفاهيمَ الشرعيَّةَ التي تَحكَّمت فيها أَمزِجةُ هذه الجماعاتِ وأخرَجَتْها عن سِياقاتِها الصحيحةِ، وراحت تُبرِّرُ بها إراقةَ الدماءِ.. ولكن أتركُ لعلماءِ هذا المؤتمرِ مُهمَّةَ تصحيحِ هذه المفاهيمِ وإعادتِها إلى وضعِها الصحيحِ في تُراثِنا المَنقُولِ والمَعقُولِ.. ثم إذاعتِها في البيانِ الخِتاميِّ على العالم كُلِّه؛ إعذارًا للحقِّ، وإبراءً للذمَّة،مشيرا إلى أننا في أشدِّ الحاجةِ إلى أن يَتَّجِهَ جهدُ شَبابِنا لتحقيقِ التَّقدُّمِ العلميِّ والتِّقنيِّ والحضاريِّ؛ حتى نَلحَقَ برَكبِ الأُمَمِ التي سبَقتنا إلى قيادةِ العالمِ والتأثيرِ في مصائرِ الإنسانيَّةِ، وتوجيهِ مسيرتِها وتحديدِ وجهتِها، وإنَّ هذه المسيرةَ لفي أشدِّ الحاجةِ إلى الانضِباطِ بضَوابطِ الدِّين والأخلاقِ ونورِ الوحيِ وهَديِ السماء، وحتى تَخِفَّ عذاباتُ الناسِ وآلامِهم التي سبَّبَتها السياساتُ العالميَّةُ التي تعملُ في غيبةٍ عن قيمِ الأنبياءِ والمُرسَلين، والذين ما بعَثَهم اللهُ إلا لهِدايةِ الإنسان وإسعادِه في الدُّنيا والآخِرة. وأكد أنَّ الأزهرَ الشريفَ بذَل – ولا يزالُ يبذلُ – جُهدًا مُتواصِلًا في سبيلِ صِياغةِ خِطابٍ دِينيٍّ واعٍ رشيدٍ يتَأسَّسُ بُنيانُه على القُرآن الكريمِ والسُّنَّةِ النبويَّةِ الشريفةِ والاجتهاداتِ التي تلقَّتها الأُمَّةُ بالقبولِ. وطالب شيخ الأزهرالمُسلِمين كافَّةً بأن يَثِقوا ثقةً مُطلَقةً في أزهرِهم الشريفِ جامعًا وجامعةً، فهو الأمينُ على تلقينِكم أمورَ دِينِكم: عقيدةً وشريعةً خالصةً كما أرادَها الله وبلَّغَها رسولُه الكريمُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وبعيدةً عن تحريفِ الغالين وانتحالِ المُبطِلين وتأويلِ الجاهِلين. وانهى كلمته بقوله: ونحن نتَصدَّى للإرهابِ والغُلوِّ والتطرُّفِ، فإنَّ هذه التَّحدِّيات التي تَشغَلُنا ليلَ نهارَ لا يُمكن أن تَأخُذَنا بعيدًا عن قضيَّةِ العرَبِ والمسلمين الأولى، وهي قضيَّةُ المسجدِ الأقصى أُولَى القِبلتين وثالثِ الحرمين.. والقضيَّةُ الفلسطينيَّةُ التي لا سلامَ للعالمِ إلا بحلِّ مُشكلتِها حلًّا جذريًّا وعادلًا، مشيرا إلى أن الأزهرعزَم على تخصيصِ مُؤتمرِه الخامس عشر والذي سيُعقَد قريبًا -إن شاء الله -لنُصرة الأقصى والقضيَّةِ الفلسطينيَّة. خصوصية المسيحية المصرية ورحب البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بضيوف المؤتمر قائلا نرحب بكم جميعا في قلوبنا وليس في وطننا فقط واستعرض تاريخ المسيحية في مصر والمبادئ التي تقوم عليها وخصوصيتها في مصر مشيرا إلى أن الإنسان هو بمثابة النور الذي يضئ للأخرين ويعيش للحب للجميع وهو ملح الأرض وخلقه الله ليكون له رسالة على الأرض وهو أن يعيش للأخرين ويحبهم ويحترمهم قائلا: إذا كنت لا تحب أخاك الذي تراه فكيف تستطيع أن تحب الله. وأضاف أن المسيحيين في مصر عاشوا مع إخوانهم المسلمين واشتركوا في كل الاحداث التي مرت بها البلاد وأن ثورة عرابي وثورة 1919 كانت ثورة المصريين جميعا وتعانق فيها الشيخ مع القسيس ورفعوا شعار عاش الهلال مع الصليب وأن اللورد كرومر قال عن المصريين أنه لا فرق بينهم فمنهم من يتعبد في المسجد ومنهم من يتعبد في الكنيسة وأن حرب أكتوبر جسدت ملحمة للمصريين جميعا وكان للاقباط تضحياتهم وبطولاتهم ومنهم اللواء فؤاد عزيز غالى قائد الجيش الثاني واللواء باقي ذكي وشفيق مترى سدراك أول ضابط شهيد في الحرب. وقال عندما جاءت فترة الربيع العربي ولم يكن ربيعا وتأثرت دول كثيرة ورأينا المجازرثم جاءت ثورة 25 يناير ثم ثورة 30 يونيو لتعيد الاوضاع لما كانت عليه بعد أن رأينا إسلاما غير الذي عرفناه على أرض مصر وتم حرق عدد كبير من الكنائس وقلنا إن للحرية ثمن غال وإن وطنا بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن. وأكد حاجتنا لتأصيل وتجديد الخطاب سواء على مستوى الإعلام أو مستوى الكنائس والمساجد ونحتاج لمراجعة المناهج الدراسية لتأصيل روح المواطنة والارتباط بالارض وترسيخ قيم العيش المشترك. وأنهى كلمته قائلا :نصلى كل يوم ليحفظ الله وحدة بلادنا وأن يستمر أبناؤها محافظين على وحدتهم ولتظل مرفوعة الرأس. ونبه الدكتور محمد يسف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى في المملكة المغربية إلى ضرورة قيام علماء الدين بمهمتهم الربانية لاجتثاث الإرهاب من جذوره،مؤكدا أنه لو طالت حياة الإرهاب سيجعل الناس يخرجون من دين الله بعد أن دمر بغداد عاصمة الخلافة العباسية ودمشق عاصمة الخلافة الأموية،ودعا الأزهر لان يكثف جهوده لذلك بعد أن كادت أن تهلك الامة. وقال فيصل المعمر مستشار خادم الحرمين الشريفين للحوار، إن الصراعات الشديدة التى يشهدها العالم حتمت عقد مؤتمر الأزهر الدولى لمكافحة الإرهاب، لمناقشة الأسباب التى تؤدى إلى صناعة التطرف، من الجماعات الإرهابية التى تتستر وراء الدين الإسلامى.وأوضح أن من أهم أسباب التطرف، هى النظرة الأحادية للدين، ومعارضة كل من يخالف الرأى.وأشار إلى أن المملكة العربية السعودية تعمل جاهدة على مواجهة هذه الأقكار المتطرفة ووقف في العديد من الدول العربية والإسلامية والتي تطال المسلمين ، مضيفا أن مؤتمر خادم الحرمين الشريفين للحوار، الذى عقد الشهر الماضى فى فيينا، ساهم بشكل كبير فى القضاء على الفتن الطائفية التى تعانى من بعض البلدان العربية. وطالب د.محمد قريش شهاب في كلمته باسم مجلس حكماء المسلمين بضرورة اتحاد الجميع لإيجاد منهج سليم إزاء حتمية الاختلاف التي هي إرادة الله،ووجوب تعميق ثقافة الاحترام والتعاون التي دعا إليها القرآن الكريم. وأكد أن المؤتمر سيكون له جانبان إيجابي وسلبي، فالإيجابي يتمثل في نجاح المؤتمر من خلال توصياته في مكافحة الإرهاب، أما الجانب السلبي فيحدث إذا فشلنا في ذلك – معاذ الله - وسيكون ذلك أننا أعطينا للملحدين سبباً أن الدين ليس له دور ولا يحتاجه بشروأنه من أجل الوصول إلي النتائج الإيجابية للمؤتمر يجب أن نكون على يد واحدة ونتحد لإيجاد منهج سليم إزاء حتمية الاختلاف التي هي إرادة الله. وأضف فضيلته أن الاختلاف هو سنة الحياة بل إرادة الله الكريمة مستشهداً بالآية الكريمة "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة"، مطالبًا بضرورة الاتحاد وتعميق ثقافة الاحترام والتعاون التي دعا إليها القرآن الكريم، وأن الإسلام لم يدع فقط إلى الوحدة بين المسلمين بعضهم البعض بل دعا إلى الحفاظ على حقوق النصارى وغيرهم.