عشم الذين ينتظرون أن تحل أزمة ليبيا بتعقيداتها الحالية عن طريق الحوار كعشم ابليس فى الجنة.فحتى لو تمكن الوسطاء من جمع كل أطرافها على مائدة التفاوض فلن يتفقوا بسبب التباين الشديد فى الرؤى والأهداف،واذا اتفقوا تحت ضغط السلاح أو العقوبات والحصار فلن ينفذوا ما اتفقوا عليه.لذلك لن تكون جولة بعد غد،اذا انعقدت،أحسن حالا من سابقتها التى انتهت باتفاق،لم ينفذ،على اعادة فتح المطارات المحاصرة وتسهيل العمليات الانسانية والدعوة لوقف القتال، بل زاد الوضع تعقيدا.وكلما اتسعت الهوة بين المتحاربين كلما اقترب تقسيم ليبيا. فقد أعرب الوسيط الدولى بيرناردنيو ليون عن أمله فى استئناف المسار السياسى بين الفرقاء الليبيين فى 9 ديسمبر للاتفاق على وقف القتال واعادة العملية السياسية الى مسارها خلال المرحلة الانتقالية وانهاء معاناة المدنيين والحفاظ على وحدة ليبيا بتشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف على استفتاء الدستور وانتخابات رئاسية وبرلمانية فى يوليو 2015.وتوقع مراقبون أن يشارك فى المباحثات أطراف سياسية وشيوخ عشائر ومنظمات مجتمع مدنى لم تشارك من قبل تحت رعاية الأممالمتحدة.ولكن،رغم أن أيا من أطراف الأزمة لم يجرؤ على إعلان رفضه للحوار الا أن الشروط التى وضعها كل منهم تضعف فرصة انعقاده وتجعل نجاحه شبه مستحيل.فمن سيقنع ميليشيات فجر ليبيا وأنصار الشريعة بالحوار مع حكومة عبدالله الثنى وقوات خليفة حفتر بعد كل ذلك الشقاق وإراقة الدماء؟.لقد رفضوا قبل شهرين تقريبا الحوار مع البرلمان المنتخب وحكومة الثنى رغم الاعتراف الدولى بهما ووصفوا الحوار بأنه غير جاد وواصلوا المعارك.وحتى لو هزمتهم قوات حفتر ومن تبقى من الجيش الليبى فلن يلقوا السلاح وسيتحولون الى حرب العصابات.كما رفض الثنى أى حوار مع حكومة عمر الحاسى رئيس الحكومة المنبثقة عن المؤتمر الوطنى (البرلمان) المنتهية ولايته والميليشيات الداعمة له قبل أن يعترفوا بحكومته والبرلمان المنتخب ويسحبوا كل الجماعات المسلحة من العاصمة طرابلس ويمكنوا أجهزة الأمن الرسمية من السيطرة عليها وحكومته من العودة اليها ويقروا بالتداول السلمى للسلطة ويقبلوا بمؤسستى الجيش والشرطة وبمحاربة الارهاب ومحاكمة كل من ارتكب أعمالا اجرامية.وكما نرى فهى شروط مسبقة وتعجيزية فى معظمها لن يقبلها خصومه وتثير تساؤلات من بينها: ما الذى تبقى للتفاوض اذا كان عليهم أن يستجيبوا لها قبل المباحثات؟.وفى المقابل قال الحاسى انهم مجبرون على القتال لكنهم مستعدون للحوار الذى اعتبره "المؤتمر" خيارا استراتيجيا وحيدا لحل الأزمة مع أن بعض قياداته طالبوا بطرد المبعوث الدولى لعدم اعتراف الأممالمتحدة ب"المؤتمر" ولا بحكومة الحاسى بعد حكم المحكمة الدستورية ببطلان شرعية انتخاب البرلمان الجديد.فقد قال المبعوث أمام لجنة بالبرلمان الأوروبى انه لا البرلمان المنتخب فى طبرق ولا المؤتمر الوطنى فى طرابلس بامكانه إدعاء الشرعية وحذر من تنامى خطر المتطرفين ومن عواقب احتدام المواجهات المسلحة. الدول الغربية ودول الجوار تخشى أن يخرج الصراع عن السيطرة ويمتد الى جيران ليبيا فى منطقة تعانى أصلا من التوتر والقلاقل.فعقد وزراء خارجية دول الجوار اجتماعهم الخامس فى الخرطوم الخميس الماضى بمشاركة مصر والسودان والجزائر وتونس وتشاد والنيجر للبحث عن طريقة لتحقيق الوفاق بين الليبيين.وقبلها بيوم اجتمعت لجنة الاتصال الدولية الخاصة بليبيا بمقر الاتحاد الافريقى فى أديس أبابا بحضور ممثلين عن الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة ودول الجوار للغرض نفسه،ولكن النجاح مازال بعيدا ولا يعرف أحد بعد كيفية الخروج من هذا المأزق. منذ سقوط القذافى عام 2011 فشلت السلطات الانتقالية الليبية فى السيطرة على الميليشيات المسلحة العديدة،خاصة الاسلامية منها،وأصبح الانقسام السياسى والمعارك التى راح ضحيتها 400 انسان فى بنغازى مثلا خلال 45 يوما فقط عائقين كبيرين أمام انتقال ليبيا الى الحكم الديمقراطى المستقر.فاللجنة المكلفة بوضع الدستور الجديد حائرة بين برلمان منتخب قضت المحكمة الدستورية ببطلانه وآخر غير معترف به يفرض سيطرته على عاصمة الدولة بمساندة وحماية ميليشيات فجر ليبيا وأنصار الشريعة، فضلا عن احتمال الطعن فى شرعيتها هى نفسها بعد الحكم بعدم دستورية المادة 30 من الاعلان الدستورى التى تحدد مدة صياغة الدستور بما لا يتجاوز 18 شهرا من تاريخ انعقاد أولى جلساتها.واذا استمر القتال،وهو الأرجح، سوف يصعب إجراء الاستفتاء الشعبى على الدستور مما قد يطيل المرحلة الانتقالية.أما الخطر الكبير الآخر الذى يهدد وحدة ليبيا بسبب انسداد الأفق السياسى واتساع نطاق المواجهة العسكرية فهو تهديد المكتب التنفيذى لاقليم "برقه" عقب صدور حكم حل البرلمان بأنه سيعلن عن قيام دولة مستقلة فى الشرق الذى يحوى معظم ثروة ليبيا البترولية اذا اعترف العالم بالبرلمان المنتهية ولايته والحكومة المنبثقة عنه أوسحب اعترافه بالبرلمان المنتخب وحكومة الثني. وكلما أوغل السياسيون فى الجدل كلما وسع المتطرفون رقعة نفوذهم واقترب الانفصاليون من تحقيق حلمهم وتحولت ليبيا الى وكر للمتطرفين والارهابيين يقض مضاجع دول الجوار ويهدد مصالح الغرب.ولا حل الا بمساعدة الحكومة الشرعية وقواتها لإرغام قادة الميليشيات على إلقاء السلاح والرضوخ لسلطة الدولة وهم صاغرون. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى