أجرى وزير الخارجية السوداني «على كرتي» زيارة إلى ليبيا الأثنين الماضي، التقي فيها رئيس حكومة طرابس «عمر الحاسي» ورئيس مجلس النواب بطبرق وسط دعوات أممية لإيجاد تسوية سياسية بين الفرقاء الليبين. هذه الزيارة استوقفت البعض، لا سيما وأن حكومة طرابلس غير معترف بها دوليًا، ويسيطر عليها سياسًيا جماعات مسلحة في شمال غرب البلاد، فضلًا عن أن هذه الزيارة تعيد للذاكرة الاتهامات التي أطلقتها المؤسسات الشرعية في ليبيا مؤخرًا حول دعم السودان جماعات إرهابية ببنغازيوطرابلس، وهو ما أثار تساؤلات حول الزيارة هل هي للتسوية السياسية بين أطراف النزاع أم هي تأكيد على دعم حكومة الحاسي والجماعات المسلحة المؤيدة له في ليبيا. وجهت ليبيا في الشهر الماضي عدة اتهامات للسودان وقطر بإرسال أسلحة إلى جماعات مسلحة متطرفة وهددت بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الخرطوم والدوحة، واستدعت الحكومة السودانية القائم بأعمال سفارة ليبيا بالخرطوم، مرتين ونقلت له استنكار الخرطوم الشديد لاتهامات بلاده. وأعلن كرتي من ليبيا أن دعوة السودان للوفاق لقيت قبولا لدى مختلف الأطراف، مؤكدًا أن "دول جوار ليبيا متفقة جميعا على أن ما يحدث الآن من صراع سيؤثر على استقرار ليبيا ودول الجوار"، وأضاف "لا يمكن التوصل إلى اتفاق بين الليبيين إلا بالحوار حتى ولو طال القتال الذي سيكون على حساب أرواح وموارد الشعب الليبي. على صعيد متصل زار كرتي القاهرة أمس لمقابلة سامح شكري وزير خارجية مصر الدولة المتأثرة بالوضع القائم في ليبيا والتي تمثل محورًا مهما فى المنطقة لبحث الأزمة الليبية خاصة بعد صدور قرار المحكمة الدستورية بحل البرلمان المنتخب الذي يتخذ من طبرق مقرًا له، فضلًا عن مناقشة الجانبين المصري والليبي نتائج زيارة كرتي الأخيرة لليبيا ومدى تأثيرها على تفعيل الحوار الوطني. زيارة كرتي إذا كانت تهدف لتفعيل الحوار بين الفرقاء داخل ليبيا، فلا شك أن هناك أطراف خارجية تؤثر في الصراع بعيًدا عن النزاعات الداخلية، فدائمًا ما يعلن المحور الذي يضم (مصر السعودية الإمارات) دعمه للمؤسسات الشرعية في ليبيا والتي تشمل البرلمان الليبي فى طبرق وحكومة الثني المنبثقة عنه وتوصف الجماعات المسلحة فى بنغازيوطرابلس بالإرهاب، في المقابل تدعم تركيا وقطر والسودان المؤتمر الوطني الليبي المنتهي ولايته وحكومة طرابلس التي يترأسها الحاسي والقوات التابعة له مثل "فجر ليبيا" ومجلس شورى ثوار بنغازي. وفي هذا السياق يقول دكتور هاني رسلان المتخصص في الشئون السودانية إن زيارة وزير الخارجية السودني على كرتي إلى ليبيا تهدف إلى محاولة السودان ابعاد أي اتهامات موجهه لها بدعم الجماعات الإرهابية في ليبيا خاصة بعدما وجهت ليبيا اتهامات سابقة للسودان بتسليم أسلحة وذخائر لجماعات ارهابية مسلحة في بنغازيوطرابلس بتمويل قطري مؤكدًا أنها إشارة لدول الجوار مصر والسعودية والإمارات على عدم دعم الإرهاب ومحولتها لتفعيل دور الحوار الوطني في ليبيا. وأشار رسلان فى تصريحات خاصة ل"البديل" أن هناك اتفاق بين مصر والسودان على دعم المؤسسات الشرعية الليبية والجيش الليبي بحسب البيان الختامي الصادر بالقمة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس البشير بالقاهرة مؤكدًا أن زيارة كرتي للقاهرة هي لبحث الأزمة الليبية وتأكيد وتكريس للمسار المتعلق بتعزيز التعاون بين السودان ومصر. وتعيش ليبيا أزمة خطيرة، حيث تهدد أعمال العنف التي تشهدها البلاد بالدخول في حرب أهلية، بينما يبدو رد المجتمع الدولي غير كاف لتحريك عملية سياسية متداعية أصلا، حيث شهدت ليبيا الأسبوع الماضي أزمة جديدة قانونية بعدما أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمًا يقضي بحل البرلمان الليبي المنتخب واعتبار كل قراراته وإجراءاته في حكم العدم واعتباره كأن لم يكن. الخروج من المأزق الليبي يقتضي أن تقدم جميع الأطراف الداخلية والخارجية عدة تنازلات وتسوية الأزمة عبر الحوار الشامل، لأن استمرار هذا الوضع سيمضي بليبيا حتما إلى الهاوية وانهيار الدولة بعد أن أصيبت الخدمات العامة بالشلل وتوقف دفع رواتب الموظفين ولم يعد للمواطنين سلطة يلجؤون إليه.