سبقه كثيرون الى محارق الكتب، ابن رشد والغزالى وابن سينا وابن حزم، فما العجب إن كانت الدعوة لإحراق دواوين سعدى يوسف، بعدما كتب قصيدة ظنها البعض إنقاصا أو تجريحا لبلده العراق! فلم يكن أول من أحرقوا كتبه احتجاجا، فوسط هذه الأجواء المشحونة بالكراهية، لن يكون الأخير، ولطالما أحرقت على مر التاريخ، كتب بأوامر الحكام بأيدى العوام أو حتى بأيدى مؤلفيها أنفسهم، ومهما بذلنا من جهد، فلن نستقصى كم مرة تم إحراق كتب أو اضطهاد كتاب وفلاسفة وشعراء منذ أقدم العهود فى أثينا وروما وبغداد والأندلس، وكثير من حواضر الثقافة والفنون شرقا وغربا!. لكن ربما كانت هذه المرة الأولي، التى يتم فيها حرق ما أنتجه قريحة شاعر ويكون بين حاملى الدعوة وباعثيها والمحمولة اليهم، شعراء وأدباء ومثقفون، بل إنهم اختاروا للاحتفال بتلك الجريمة، شارعا به تمثال «المتنبي» شيخ مشايخ الشعر الذى ملأ الدنيا. وكأنهم أبوا إلا أن يكون المتنبى شاهدا على حرق ما دارت به المطابع من شعر «سعدى يوسف» وأين؟!.. فى بغداد منارة الثقافة والعلوم فى الحضارة العربية الإسلامية!. المشهد مخجل، ولم يتصدر أحد حتى الآن من يشرح للجماهير الغاضبة التى لم تعد تعرف إلا الحرق، أن كلمات القصيدة ليست بالضرورة هى ما توحى به فى الظاهر، ولم يخبرهم أحد أن قدرة الشاعر الحقيقية، تتجلى فى أنه يستنطق الكلمات بمعان غير التى تبدو عليها، وسعدى بارع فى ذلك، بل إن قصيدته التى نفذ بسببها حكم الإحراق، قد تكون «بكائية» على حال العراق الآن وما وصل اليه من تمزق واقتتال وكراهية تهدد وجوده وهويته بالفناء، فكلماتها تصرخ بآلام يوسف حتى إنه استدعى من بطون التاريخ مصطلح «عراق العجم» وكان الأقدمون يطلقونه على المناطق الجبلية الكردية والفارسية والآذرية البعيدة الآن عن «عراق العرب» وقد كان اسم «العراقين» يعم هذه البلاد. فإن كان الحكام والعوام لديهم ضيق بالمعارضين، أو ضيق فى الأفق، يجعلهم يطاردون الكتاب والشعراء ويحرقون الكتب والدواوين، فما حجة المثقفين حتى تجنى أيديهم ما استنكروه فى غيرهم؟!. لمزيد من مقالات محمد شمروخ