توريد 511 ألف طن قمح لصوامع الغلال في الشرقية    مرصد الأزهر: 60% انخفاضا في العمليات الإرهابية بإفريقيا خلال أبريل    "لاعب للأهلي وآخر تسبب في إيقاف القيد".. ماذا حدث في الزمالك منذ نهائي الكونفدرالية 2019    التعليم: أسئلة الثانوية العامة متدرجة.. و30٪ منها للمستويات العقلية البسيطة    محافظ أسيوط: مواصلة تركيب بلاط الانترلوك بالشوارع الضيقة بمدينة منفلوط    وزيرة التعاون الدولي تشارك بالاجتماعات السنوية للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار الأسبوع المقبل    المفتي: الجيش واجه معركتين حاسمتين في سيناء    جامعة «أريزونا» تطرد أستاذا جامعيا بعد تعديه على امرأة مسلمة داعمة لفلسطين    الامين العام للأمم المتحدة يدعو قادة الاحتلال وحماس للتوصل إلى صفقة لوقف إراقة الدماء    "الأوقاف" تكرم عضوا ب الأعلى للشئون الإسلامية" لمشاركته بالأنشطة الرمضانية بالمساجد    موعد مباراة الخليج والوحدة اليوم في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    سعر الجنيه الإسترليني اليوم الجمعة 10 مايو 2024    محافظ أسيوط: حملات مكثفة على الأسواق بالمراكز والأحياء    خلال 24 ساعة.. تحرير 16 ألف مخالفة مرورية متنوعة    «تالجو ومكيف وروسي»..تعرف على مواعيد القطارات خط «القاهرة/ الإسكندرية» والعكس    وزير السياحة يشارك في الاحتفال السنوي بيوم أوروبا    قبل ساعات من عزاءها.. من هي سوسن المارديني والدة يسرا اللوزي؟ وتفاصيل عملها في «ديزني»    19 عرضا مسرحيا مجانيا لقصور الثقافة بأسيوط    "مبروك يا صايعة".. الشرنوبي يثير الجدل بتهنئته ل لينا الطهطاوي بزفافها (صور وفيديو)    المفتي يكشف حكم إيداع الأموال في البنوك    وكيل صحة الشرقية يفاجئ العاملين بمستشفى الحسينية المركزي ( صور )    ترغب في التخسيس؟- أفضل الطرق لتنشيط هرمون حرق الدهون    وزيرة التخطيط: 7.7 مليار جنيه استثمارات عامة لمحافظة الأقصر خلال 23-2024    محافظ بني سويف يوجه بمتابعة استمرار التسهيلات في تلقى طلبات التصالح بالقانون الجديد 187    نقيب الفلاحين يعلن دعمه لاتحاد القبائل العربية بقيادة العرجاني    الملتقى الأول لشباب الباحثين العرب بكلية الآداب جامعة عين شمس    تشييع جثمان عقيد شرطة ضحية تصادم سيارة مع جمل ببني سويف    مشاجرة بين عائلتين بالأسلحة البيضاء وإصابة شخصين بالفيوم    حفاران حطما الجدران.. كيف ساهمت مياه الشرب في إخماد حريق الإسكندرية للأدوية؟- صور    تشكيل هيئة مكتب نقابة أسنان القليوبية    الاتحاد الأوروبي يدين الهجوم على مباني الأونروا في القدس الشرقية    أوكرانيا: روسيا بدأت هجوماً برياً في منطقة خاركيف    حملة بحي شرق القاهرة للتأكد من التزام المخابز بالأسعار الجديدة    سنوات الجرى فى المكان: بين التلاشى وفن الوجود    «المشاط»: 117 مشروعًا لدفع مشاركة المرأة وتمكينها اقتصاديًا واجتماعيًا    خطيب الجمعة ب "الأزهر": الحضارة الإسلامية حوربت عبر تشكيك المسلمين في تراثهم    محلل أداء منتخب الشباب يكشف نقاط قوة الترجي قبل مواجهة الأهلي    بيرسي تاو يحصد جائزة أفضل لاعب في اتحاد دول جنوب إفريقيا    الرعاية الصحية: تقديم 16 مليون خدمة طبية بالمستشفيات والوحدات التابعة    عادات يومية للتحكم في نسبة السكر بالدم.. آمنة على المرضى    وزير الري يلتقى المدير الإقليمي لمكتب اليونسكو بالقاهرة    الجيش الإسرائيلي و"حزب الله" يتبادلان القصف    دعاء الجمعة للمتوفي .. «اللهم أنزله منزلا مباركا وأنت خير المنزلين»    في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر    رحلة مبابي في باريس تنهي بمكالمة الخليفي    الاستغفار والصدقة.. أفضل الأعمال المستحبة في الأشهر الحرم    رد فعل محمد عادل إمام بعد قرار إعادة عرض فيلم "زهايمر" بالسعودية    الإسكان تناقش آليات التطوير المؤسسي وتنمية المواهب    463 ألف جنيه إيرادات فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة في يوم واحد بدور العرض    حماس: الكرة الآن في ملعب الاحتلال للتوصل لهدنة بغزة    فضل يوم الجمعة وأفضل الأعمال المستحبة فيه.. «الإفتاء» توضح    شخص يطلق النار على شرطيين اثنين بقسم شرطة في فرنسا    لمواليد 10 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    الناس بتضحك علينا.. تعليق قوي من شوبير علي أزمة الشيبي وحسين الشحات    3 فيروسات خطيرة تهدد العالم.. «الصحة العالمية» تحذر    رد فعل صادم من محامي الشحات بسبب بيان بيراميدز في قضية الشيبي    اللواء هشام الحلبي يكشف تأثير الحروب على المجتمعات وحياة المواطنين    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لقاء الجمال والإبداع فى جازان
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 11 - 2014

وجازان هى ميناء منطقة عسير الرئيسى على البحر الأحمر فى المملكة العربية السعودية، وكنا نقرؤها فى الأدبيات القديمة جيزان، ويأتى ذكرها دومًا مرتبطًا بمنطقة نجران، وكلاهما متاخم لحدود المملكة مع اليمن. وقد أتيح لجازان فى السنوات الأخيرة نهضة هائلة بجامعتها الفتية، المتوهجة بالنشاط والحيوية والطموح. ذهبت إليها فى الأسبوع الماضى مدعوًّا للمشاركة فى موسمها الثقافى الثامن، والدعوة من الجامعة ومن مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولى لخدمة اللغة العربية. وهو المركز الذى يحاكى فى نشاطه ورسالته ما تقوم به مجامع اللغة العربية، وإن كان أسرع منها إيقاعًا، وأكثر التفاتًا للواقع اللغوى بكل همومه وقضاياه. ويبدو أن صيغة هذه المراكز قد أصبحت أكثر إقناعًا بالنسبة لعديد الدول العربية التى لم تنضم - حتى الآن - إلى قافلة المجامع اللغوية.
كان الموضوع الذى دار من حوله اللقاء - الذى شهده عدد كبير من أساتذة الجامعة وبخاصة فى قسميْ اللغة العربية والصحافة والإعلام بكلية الآداب، وجمع كبير من طلاب الدراسات العليا، ومئات من الطلاب والطالبات (اللاتى كان لهن مكانهن الخاص بقاعة الاحتفالات الكبرى بمقر الإدارة العليا للجامعة) - كان يدور حول اللغة والإعلام، وهو موضوع يشمل حياتى فى الإعلام - قرابة أربعين عامًا - وانغماسى فى قضايا اللغة العربية طيلة حياتي، وهو انغماس تصاعد وتأكد بانضمامى إلى مجمع اللغة العربية منذ خمسة عشر عامًا فى المكان الذى خلا برحيل أحد عمالقة الصحافة: مصطفى أمين. والطريف أن العلاقة بين اللغة والإعلام تعود إلى أول العصور، منذ العصر الجاهلي. حين كان الشاعر فى القبيلة جهازها الإعلامى المعبر عنها مدافعًا ومهاجمًا ومتغنِّيًا بأمجادها ومفاخرها. ونجد فى معلقة عمرو بن كلثوم تعبيرًا عن الرسالة الإعلامية التى كان ينطق فيها باسم قبيلته تغلب موجهًا خطابه إلى سائر القبائل. وفى ظل الإسلام، نجد من كانوا يُعلنون عن الدعوة الجديدة ويبشرون بها ويتحدثون عن فضائلها وقيمها العليا شعرًا ونثرًا، فقام معجم إعلامى جديد - للمفردات والتراكيب - أساسه المعجم القرآني.
وبمجيء العصر العباسي، والأندلسي، دخلت فى متن اللغة العربية - بفضل الترجمة النشطة والتعريب الواسع - ثروة هائلة من المفردات والتراكيب والصيغ والتعابير، نتيجة للتفاعل بين العربية وغيرها من لغات العالم القديم بدءًا بالفارسية واليونانية والهندية القديمة والرومانية والإسبانية القديمة (الرومانثية) وغيرها من اللغات. بالإضافة إلى ما صنعه الرحالة العرب من أمثال ابن بطوطة والمسعودى وابن جبير وعبد اللطيف البغدادى وغيرهم ممن مسحوا العالم وكتبوا موسوعاتهم عن بلاد شتي، عن كل ما يتصل بالتاريخ والجغرافيا والسكان والعادات والتقاليد والأساطير والمأثورات الشعبية، بما يمثل طفرة فى العلاقة بين اللغة العربية والإعلام (أى الإخبار عن هذه الشعوب والتعريف بها) وجمع مادة معرفية وثروة لغوية هائلة.
ويتمثل إعلام العصر الحديث الذى بدأ بالاتصال بين الشرق والغرب - أول ما يتمثل - فى نشأة الصحافة أولى الوسائل الإعلامية الحديثة، التى تلتها الإذاعة فالتليفزيون فالفضائيات وتخللتها وكالات الأنباء. ومع ازدهار الصحافة فى مطالع القرن العشرين، أصبحت لغتها الإعلامية مختلفة عن اللغة الأدبية التى كان يصطنعها الأدباء والشعراء وكتاب الدواوين، لغة سهلة ميسرة مباشرة خالية من التزويق والترهل، رغبة فى الوصول إلى جمهور عريض من القراء. وأصبح الصحفيون - جيلاً بعد جيل- يمثلون الطليعة فى إيجاد البدائل اللغوية لما يواجهونه فى فيض الأخبار والتعليقات السياسية والبرامج الاجتماعية والثقافية والفنية والرياضية، من مواقف تتطلب سرعة الترجمة أو التعريب أو الاشتقاق أو النحت أو القياس فى وقت قياسي. فليس لديهم ترف انتظار المجامع اللغوية وعكوفها على صياغة البدائل فى أمد قد يطول إلى شهور أو سنوات، أو انتظار الباحثين اللغويين فى المراكز اللغوية وأكاديميات اللغة العربية حتى يُمدوهم بما يحتاجون إليه على وجه السرعة. بالإضافة إلى الإعلام المسموع، وهو المكان الوحيد الذى تمارس فيه اللغة العربية نطقا وأداءً، ليصبح بمثابة مقدمة القاطرة اللغوية، وليس المجامع اللغوية البطيئة الأداء بحكم طبيعتها وأعمار أعضائها وأساليبهم فى البحث والاستقصاء. وهو الإعلام الذى يضخ فى اللغة العربية المعاصرة آلاف الكلمات والتعابير استجابة لاحتياجات الجماهير التعبيرية ومطالبهم اللغوية اليومية.
هذا الإعلام هو الذى جعلنا نقرأ ونسمع عن الخصخصة - فى بعض البلاد العربية - والخوصصة فى بعضها الآخر، والاستنساخ، والعقوبات الذكية، وغسيل الأموال، وعقدة الخواجة، ودول الطوق، وتجميد الأموال، وثورة المعلومات، وجماعات الضغط، والنشطاء - جمع ناشط - واقتصاد السوق، والإغراق الاقتصادي. وشيوع صيغة التفعيل التى أنتجت عددًا ضخمًا من الكلمات الجديدة منها: تعذيب مياه البحار، وتصويب المسألة، وتدويل القضية، وتجذير الأفكار، وتفويج الحجاج، وتثمين الموقف، وتعظيم الدور أو تهميشه، وتبوير الأرض الزراعية، وتسييل الغاز، وترسيم الحدود، وغيرها.
ومن صيغ جمع الجمع: بيوتات جمع بيوت، ورجالات جمع رجال، وطرقات جمع طرق، وأهرامات جمع أهرام، ومثلها: حجوزات، وشحومات، ووصولات، ورسومات، وفحوصات، وزهورات، وكشوفات،وضغوطات، وطروحات وغيرها.
وهى مادة لا تنتهى - بالنسبة لمن يهتم بها من الدارسين، وقد أعود إليها فى مرة قادمة.
لا أحب أن ينتهى هذا الجانب من الحديث عن اللقاء فى جازان، من غير الإشارة إلى بقعة من أجمل بقاع الأرض: طبيعة يتعانق فيها البحر الأحمر والجبال المحيطة، والخضرة الغامرة مع الصحراء الممتدة والعمران الجديد - الذى يشمل مبنى جديدًا هائلاً لجامعة جازان على مساحة ستة ملايين من الأمتار المربّعة لتصبح مدينة جامعية متكاملة، وأساتذة الجامعة الذين اختيروا من بين جنسيات عربية شتي، منهم أبناء المملكة، والمصريون، والسودانيون، والأردنيون، والمغاربة.
ويبدو أن كل جازانى هو شاعر بالسليقة والفطرة حتى يتضح العكس. وقد هيأت لى الجامعة لقاء مع أكثر من عشرين شاعرًا، من شعراء العمود والتفعيلة، يمثلون وجهًا مشرقًا ومتميزًا للشعر فى المملكة، وهم بحاجة إلى إعلام يؤازرهم حتى يأخذوا مكانهم ومكانتهم فى خريطة الشعر العربى المعاصر عن جدارة واستحقاق وبعضهم يتقدم على كثير ممن نعرفهم من شعراء المملكة.
وفى النادى الأدبى لجازان كانت دعوتى إلى أمسية شعرية حافلة، واحتشد لها عدد ضخم من الأساتذة والطلبة والطالبات (فى المكان المخصص لهن)، وعاينت خلال الأمسية نضج الذائقة الشعرية وحساسية التلقى وصدق الالتفات لجماليات القول، بالإضافة إلى الإنصات الراقى لما يقوله الضيف. الأمر الذى يذكرنا بما كنا عليه فى مصر، فى زمن ولّى وفات. وتظل جازان - بعد هذا كله - حلمًا جميلاً لا تنطوى مشاهده ورؤاه، وساحة بديعة للأصالة العربية والعلم والشعر والمعرفة والتقدم.
لمزيد من مقالات فاروق شوشة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.