الخطوة الاولى للتقدم هى ان نحدد مشاكلنا وعيوبنا حتى لو كانت سلوكيات قبيحة وغير متحضرة. . لابد أن نضع أيدينا على تلك المشكلات والتحديات أولا دون اى خجل او شعور بالعار، هكذا تبدأ الامم والافراد الطريق الصحيح ، ومثلا ، عندما يكون لديك ابن متعثر فى الدراسة فانك تحدد بمساعدة آخرين والاستفادة من تجاربهم اولا اسباب هذا الفشل، ثم تبدأ طريق الاصلاح ، لانه بدون هذه الخطوة الاولى سوف نقفز الى الخطوات التالية، ونظل داخل «دائرة الزجزاج» التى ندور فيها منذ ثورة 1952 قفزة الى الامام تليها عشر خطوات الى الخلف ! وربما يخرج من يقول ان مشاكلنا معروفة وحتى سلوكياتنا المعيبة وغير المتحضرة واضحة للعيان، بل ان الحلول موجودة داخل الادراج وهناك من لايريد لها ان تخرج الى النور، وان مشكلة مصر ليست فى تحديد التحديات والمسالب، ولا حتى فى الحلول وانما فى القرار السياسى زاعمين مثلا ان جمال عبدالناصر لم يكن يريد التقدم لمصر حتى يظل جاثما على حكمها رغم انه هو الذى شيد السد العالى وبنى مصانع الحديد والصلب وآلاف المدارس والمستشفيات، خاصة فى القرى، وكان يريد لمصر لا ان تتحدى اسرائيل فقط بل امريكا ذاتها! وكذلك رأيهم فى السادات ومبارك. واعتقادى ان التقدم ليس قرارا سياسيا بقدر ما هو ارادة واستعداد مجتمعى وانجاز جماعى تحققه الدول عندما يتوافر لديها نظام تعليمى راق يقود الى تراكم علمى واضح، تفرزه النخب العلمية والمجتمعية. وهذا تماما ما حدث فى التجربة اليابانية الرائعة فى التقدم، فلم يكن نجاحها قرارا سياسيا بقدر ما كان بدافع شعبى قوى حفزته الهزيمة المريرة والدمار الذى لحق ب«امبراطورية» اليابان التى لاتغيب عنها الشمس ودعمه التراكم العلمى والتعليمى الرائع لليابان بداية من عصر اصلاحات الميجى 1868 وحتى الهزيمة فى الحرب العالمية الثانية. ولم يكن «الجنرال» سوهارتو الذى حكم اندونيسيا 32 عاما استاذا فى علم الاقتصاد او الصناعة مثل الدكاترة فؤاد محيى الدين وعلى لطفى او حازم الببلاوى او غيرهم من «العلماء» الذين تولوا رؤساء وزراء مصر ولم يحققوا شيئا فى طريق التقدم، وبالرغم من ذلك حققت اندونيسيا فى عهد سوهارتو تقدما اقتصاديا وصناعيا رائعا ، كذلك لم يكن الجنرال «بارك تشونج هى» الذى حكم كوريا الجنوبية حكما ديكتاتوريا لنحو 27 عاما ،اقتصاديا او عالما، وبالرغم من ذلك ينسب له الفضل فى التقدم الاقتصادى والصناعى المبهر الذى حققته كوريا. الخلاصة ان القرار السياسى وحده لايصنع تقدما ان لم يدعمه تراكم علمى وتعليمى جيد، وارادة شعبية قوية راغبة حقا فى التقدم والتحضر! لمزيد من مقالات منصور أبو العزم