فى عام 1998 عندما أعلن الرئيس سوهارتو استقالته منهياً بذلك حكمه للبلاد الذي استمر 23 عاما, وكان الإعلان مفاجئاً لأنه كان قد انتخب للمرة السابعة, واضطر الى ذلك بفعل الضغط العام الناجم عن الحركات الطلابية, اذ احتل الطلاب البرلمان لمدة ثلاثة أيام، ووصل ذلك العاصمة إلى طريق مسدود وجعلها على شفا الانهيار المالي والسياسي, كانت استقالة سوهارتو الاستجابة صحيحة لوضع متأزم مثلما حدث مع مبارك. ولم يكن التحول السياسي في إندونيسيا سهلا أبداً شأنها شأن باقى الدول، خاصة انه كان يحكمها نظام استبدادي عسكري ,وسلم سوهارتو رئاسة حكومته إلى نائبه برهان الدين يوسف حبيبي، الذي أعتبر جزءاً من النظام نفسه, وأصبح التوتر والصراع والمظاهرات سمات الوضع السياسي الإندونيسي خلال السنوات الثلاث الأولى من المرحلة الانتقالية، خاصة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية. وكان معظم الأندونيسيين غير راضين عن أداء الحكومة الجديدة التي نُظر إليها على أنها امتداد للسابقة, حيث وصلت الأزمة الاقتصادية في البلاد إلى أوضاع أكثر صعوبة, وبلغت نسبة التضخم 77% وقفز سعر الفائدة إلى 68%، أما الناتج المحلي الإجمالي فقد انخفض إلى 31% تحت الصفر، وارتفع معدل البطالة إلى 24% , وكلها امور تتشابه مع ما نمر به من ازمات اقتصادية منذ وصول الإخوان والرئيس مرسى للحكم . وحيال ذلك أراد الناس انتخابات نزيهة تمكنهم من اختيار زعمائهم ووضع عدة قوانين تنظم التحول السياسي. وكانت انتخابات 1999 العامة أكبر من مجرد اختيار زعيم جديد, إذ أنها وضعت الديمقراطية الإندونيسية ومسار البلاد على المحك, وقبل إعلان نتائج الانتخابات كان الغموض يكتنف مستقبل التجربة الإندونيسية الديمقراطية. وكان البعض قلقا من صعود الإسلام السياسي وإمكانية فوز الإسلاميين في الانتخابات, فجدول أعمال الأحزاب السياسية الإسلامية كان واضحاً، وهو إعادة الصياغة التي كانت تتضمن تطبيق الشريعة على المسلمين في الدستور الإندونيسي. في نهاية المطاف خيبت نتيجة الانتخابات العامة الكثير من التوقعات. فقد كان الفائز هو الحزب الديمقراطي الإندونيسي من أجل الكفاح, وهو حزب علماني تتزعمه ابنة سوكارنو أول رئيس للجمهورية. وجاء في المركز الثاني حزب جولكار، حزب علماني آخر، وكان هو الحزب الحاكم طوال عهد سوهارتو. ومن أصل 11 حزبا إسلامياً نجح حزب واحد منها في الحصول على نسبة جيدة، وهو حزب التنمية والوحدة الذي حصل على 7.01% من الأصوات. منذ عام 1998 شهدت اندونيسيا ثلاثة انتخابات عامة، فازت فيها كلها أحزاب علمانية (غير دينية) وهي على التوالي الحزب الديمقراطي الإندونيسي 1999، حزب جولكار 2004، والحزب الديمقراطي 2009, وهى احزاب لديها التزام كبير بالديمقراطية والتعددية السياسية. من جهة أخرى اكدت دراسة حديثة نشرها معهد استطلاع الرأي الإندونيسي ان الاحزاب الاسلامية فى اندونيسيا آخذة فى التناقص وأن المسلمين الإندونيسيين سيبقون على تفضيلهم للأحزاب العلمانية في الانتخابات العامة المقبلة 2014. إسبانيا أما النظام الاستبدادي في إسبانيا- كما جاء في بحث «التحول من الديكتاتورية إلى الشرعية الديمقراطية في اسبانيا» للباحث نعمان عبود الجابري- فإن إسبانيا لم تشارك في الحرب العالمية الأولى ولكنها لم تنج من الأزمة الاقتصادية العالمية, فضلا عن الصعوبات الناتجة عن المقاومة في مستعمراتها وبالخصوص في شمال المغرب على يد «عبدالكريم الخطابي» عام 1921 حيث كانت تعتقد أنه يمكن ايقافها. ونتيجة الانفاق على التصدى للمقاومة المغربية تعرضت إسبانيا الى أزمة اقتصادية كبيرة افقدتها استقرارها السياسي والاجتماعي وعلى اثرها غادر ملك اسبانيا «الفونسو الثالث عشر»جد الملك الحالي «خوان كارلوس الأول» لعدم تعرض البلاد الى نزيف دم. وأعلنت الجمهورية الثانية لكن هذه الجمهورية تعرضت إلى عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي حتى عام 1936م أعلن الجنرال «فرانكو» ما يسمى بالحركة الوطنية والتي كانت نتيجتها التمرد على الجمهورية وقيام الحرب الأهلية حتى عام 1939م وسقوط الجمهورية ودخلت إسبانيا بذلك عهد الحزب الوطني الاشتراكي بقيادة الجنرال «فرانكو» الذى شهد إنهاء الاحتلال الإسبانى للمغرب مع إبقاء القبضة الاسبانية على جزر مغربية لضمان امنها القومى وتفرد بعدها فرانكو بالسلطة واستهواه تلقيب نفسه ب«جنرال الجنرالات». النظام السياسي الجديد الذي جاء بعد هزيمة الجمهورية الثانية وبعد حرب أهلية طاحنة, أدّت الى حالة اقتصادية مزرية, والبنية التحتية متهالكة وانشقاق واسع وخطير في المجتمع انتجت العقلية «السكونية» بين الناس الخائفين والمرعوبين من الحرب الأهلية. واعتمدت بنبة النظام السياسي على التفرد بالسلطة أي السياسة الهرمية حيث كان نظاما توليتاريا من نوع خاص, وساعد علي بناء هذا النظام المستبد «محاربة الحياة البرلمانية, تقييد الحريات وقمعها, الحزب الأوحد وحظر جميع الأحزاب السياسية, منع النشاط النقابي, إيقاف نشاط مؤسسات المجتمع المدني» إلغاء دستور عام 1931, وإلغاء النقابات ما عدا التنظيم النقابي الرسمي الأفقي الواحد للعمال وأصحاب العمل, والتحكم في وسائل الإنتاج, والقمع المستمر والمخطط لكل الأصوات المعارضة للنظام, وهو ما يمكن ان يفعله الرئيس محمد مرسى بالاعلان الدستورى الذى يعطيه سلطة اتخاذ تدابير لا تحمل التأخير لنجد مصر تحولت الى النظام الفاشيستى فى ايطاليا او النازى فى المانيا. باكستان وفي كتابه «أثرالإسلام في نشوء دولة باكستان الحديثة» ذكر الدكتور عصام عبدالغفور عبدالرازق « انتهت فترة حكم (بوتو) بقيام الجنرال (محمد ضياء الحق) بانقلاب عسكري في تموز 1977 قام (ضياء الحق) بإخضاع البلاد للأحكام العرفية وألغى دستور 1973 ومنع الأحزاب السياسية من ممارسة نشاطاته وحل الجمعية الوطنية وأقال حكومات الأقاليم وشكل بدلها مجالس عسكرية تحت قيادته وانتهج الإسلام كاسأس لحكمه , واخضع البلاد لنظام عرفي صارم استمر في تطبيقه لأكثر من ثمان سنوات وقام باعتقال (ذو الفقار علي بوتو) ثم اعدمه وبهذا انتهت أول تجربة ديمقراطية عاشتها باكستان . واتخذ (ضياء الحق) العديد من الخطوات لتقييد الحريات العامة خاصة بعد تقلده منصب المنسق الإداري للقانون العرفي, حيث وعد (ضياء الحق) بإجراء انتخابات المجلس الوطني والإقليمي في غضون 90 يوما وتسليم السلطة لممثلي الأمة. وفي عام 1977 أعلن عن تأجيل الانتخابات وقرر ضياء الحق البدء في عملية المحاسبة للساسة وقال في بيان له إنه غير قراره بسبب الإلحاح الشعبي الشديد لمحاسبة القادة السياسيين الذين كانوا متورطين في قضايا التقصير في أداء الواجب في الماضي وتشكلت محكمة قضائية لتجريدهم من الأهلية وتم فعلا تنحية الكثير من أعضاء البرلمان السابقين عن المشاركة في العمل السياسي على أي مستوى لمدة سبع سنوات, وصدر تقرير حكومي رسمي انتقد نشاطات الحكومة, وهى نفس حجة الرئيس مرسى بان قانون حماية الثورة واعادة المحاكمات مطلب شعبى وثورى. يقول الدكتور سعيد اللاوندي خبير علاقات السياسة الدولية، إن النظام الذي يجمع السلطات في يده يصبح أشبه بالمستبد الذي يحاول أن يكون عادلاً, لكنه مستبد جداً ولا علاقة للديمقراطية بما يقوم به, كما في المجتمع المصري فما قام به الرئيس مرسي شق الصف, فأصبح هناك مؤيدون ومعارضون وكأن هذا أول عنصر من عناصر الحرب الأهلية بيننا كمصريين رغم أننا لم نفعل شيئا إلا أننا اخترناه بقرار حر ديمقراطي إلا أنه استطاع أن يكون في مواجهة مع شريحة من العالم وهو القضاء. وأكد اللاوندي أن حكم الإخوان المسلمين في مصر يعد الضلع الثالث من المثلث الاستبدادي الذي يمثله فرانكو وسوهارتو فحكم الإخوان المسلمين لا يؤدي إلا لمزيد من سفك الدماء والعنف.