بعد حياة طويلة مثيرة للجدل.. انطوت صفحة الرئيس الاسبق لاندونيسيا محمد سوهارتو عن عمر يناهز 86 عاما.. كان سوهارتو قد حكم اندونيسيا بقبضة من حديد لمدة 32 عاما الى ان اسقطته احتجاجات شعبيةعام 1998. وقد اطلق على سوهارتو العديد من الالقاب منها "مؤسس اندونسيا الحديثة"و "مهندس التطوير" كما اطلق عليه" الديكتاتور" والرئيس الاكثر فسادا في العالم، حيث جمع مع اسرته ثروة تقدر ما بين 35 الى 45 مليار دولار.واطلق عليه البعض لقب" المتسلط الناعم"فى اشارة الى دوره فى النهوض بالبلاد من جهة وضلوعه فى الفساد من جهة أخرى .. وتولى محمد سوهارتو، مقاليد الحكم فى اندونيسيا (والتي كانت تُعرف في السابق باسم جزر الهند الهولندية)، عام 1966 ، واصبح رئيسا رسميا عام 1967حتى أُجبر على التنحي عن منصبه في العام 1998. وسوهارتو هو ثانى رئيس لاندونسيا (بعد أحمد سوكارنو ) ثم تولى مقاليد الحكم بعد "سوهارتو" يوسف حبيبي ،ثم عبد الرحمن وحيد، ثم ميجاواتي سوكارنو، ثم سوسيللو بامبانج يودويونو. وشهدت فترة رئاسة سوهارتو نموا اقتصاديا سريعا واستقرارا سياسيا نسبيا ، الا ان هذا النمو والاستقرار كان ثمنه قيودا صارمة على حقوق الانسان وحرية التعبير وقمع للمنشقين والحركات الانفصالية .. وكان سوهارتو قد تحالف مع الغرب وفتح الباب امام الاستثمار الاجنبى ، ولكن بالرغم من السياسات الاقتصادية الحرة نسبيا الا ان القطاع العام الاندونيسى كان له نفوذ هائل ، وانتشر من خلاله الكسب غير المشروع حيث سمح لرجال اعمال مفضلون لديه بتأسيس بنوك خاصة بهم وادارتها كمشروع شخصى لكسب المال .. ويشير المحللون الى ان السنوات التي مرت على سوهارتو في الحكم جعلته تدريجيا اضعف بسبب تنامي الطبقة الوسطي في اندونيسيا. والتى نشطت سياسيا وأدارت حكما ليبرالياً متعدد الاحزاب،و تراجعت قبضة سوهارتو على شؤون البلاد أكثر عندما تسببت الأزمة المالية وسط دول منطقة جنوب شرق آسيا في خفض مستوى المعيشة وسط سكان البلاد، الأمر الذي أدى إلى انقسام مؤيديه داخل الجيش ومنظمات المجتمع المدني والسياسي. وبسبب حالة عدم الاستقرار، والتململ الداخلي بدأت العزلة الدبلوماسية في التأثير سلبا على ما تبقى من تأييد شعبي له خلال النصف الثاني من عقد التسعينات. وخلال التسعينات عمت المظاهرات الطلابية اندونيسيا الى ان أطيح به عام 1998، اثر مظاهرات عارمة وفوضى سياسية وأزمة اقتصادية أعقبتها عمليات شغب في مدن البلاد وفتحت الباب أمام الحكم الديمقراطي. و بعد الاطاحة به، ابتعد سوهارتو خلال السنوات العشر الماضية عن الحياة العامة .. وقد وجه له القضاء تهما بالفساد والتربح الغير مشروع الا انه لم يتم محاكمته بسبب سوء حالته الصحية .. سيرة ذاتية .. وُلد سوهارتو في مدينة "يوجياكارتا" في جزيرة "جاوة" كبرى الجزر الإندونيسية، في العام 1921. والتحق بجيش جزر الهند الهولندية حتى أصبح جنديًا محترفًا، ثم انضم إلى "جيش الدفاع الوطني"، خلال فترة الاحتلال الياباني. وبعد إعلان استقلال بلاده عن الاحتلال الهولندي في العام 1945، التحق بالقوات المسلحة الإندونيسية، وقاد الهجوم على الهولنديين في يوجياكارتا. وبعد جلاء الهولنديين في العام 1949 رقي سوهارتو إلى رتبة لواء (جنرال)، إلى أن أصبح قائدًا للجيش الاحتياطي الإستراتيجي. وفي عام 1965 استعان سلفه الرئيس الأول لإندونيسيا، أحمد سوكارنو، بالجنرال سوهارتو للقضاء على محاولة إنقلابية قام بها الحزب الشيوعي، عُين بعدها قائداً مؤقتاً للجيش. وفي العام التالي (1966) قاد سوهارتو محاولة إنقلابية أخرى ضد الرئيس سوكارنو، حيث استولى بعدها على السلطة في البلاد. وفي العام نفسه قام سوهارتو بإلغاء الحزب الشيوعي، وأنهى التحالف بين بلاده وكلا من الصين الشعبية والاتحاد السوفيتي (السابق)، كما أنهى الصراع مع جارته الإسلامية ماليزيا، وأعاد إندونيسيا إلى عضوية هيئة الأممالمتحدة. في مارس من عام 1967 تولى سوهارتو رئاسة إندونيسيا رسمياً، لمدة خمس سنوات، أُعيد بعدها انتخابه رئيساً للبلاد لست مرات. وقاد الرئيس الإندونيسي عملية تحديث واسعة النطاق في إندونيسيا، خلال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، أسفرت عن "طفرة اقتصادية" في البلاد. وفي عام 1975 أمر الجيش بغزو "تيمور الشرقية" وإعادتها مرة أخرى إلى السيادة الإندونيسية، معتبراً أن أي نظام شيوعي متاخماً لحدود بلاده يشكل "خطراً" على أمن واستقرار إندونيسيا. وتفجرت موجة من الاحتجاجات العنيفة ضد سوهارتو، بسبب سوء الأوضاع المعيشية، نتيجة الأزمة الاقتصادية القوية، التي ضربت معظم دول جنوب شرق آسيا، نهاية عقد التسعينات. وفي مايو 1998، أُجبر الرئيس سوهارتو على التنحي عن الرئاسة، بعدما احتل المتظاهرون مبنى البرلمان، وبعد نصيحة من وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك، مادلين أولبرايت، بالتخلي عن السلطة حفاظاً على "تراثه القيادي." بعد تخليه عن السلطة، تمت إحالة الرئيس السابق إلى المحاكمة، إلا أن القضاء الإندونيسي قرر في عام 2000، عدم أهليته للمثول أمام المحكمة بسبب سوء حالته الصحية. وفي مارس 2003، أصدرت منظمة "الشفافية الدولية" تقريراً، جاء فيه أن الرئيس الإندونيسي السابق، كان "أكثر زعماء العالم فساداً." وخضع سوهارتو لعملية جراحية دقيقة في مايو 2005، بعد إصابته بنزيف معوي، تطلب إدخاله إلى غرفة العناية المركزة، حيث قضى بها فترة غير قصيرة. و في يناير 2008 (الجاري)، أُدخل سوهارتو مرة أخرى إلى المستشفى، بعد "تدهور حاد" بحالته الصحية. وخلال اسابيع احتضاره تم التحضير لمراسم جنازته ، حيث وضع سلاح الجو فى التصرف خمس طائرات فى جاكرتا لنقل جثمانه واقاربه الى وسط جاوا حيث سيدفن ، كما تم نشر قوات امنية فى محيط مدافن سوهارتو..