منطقة السويس الأزهرية تعلن أسماء أوائل الإعدادية    تراجع أسعار الذهب في مصر 0.5 % خلال أسبوع    نائب وزير المالية: اتخذنا إجراءات للحياد التنافسي بإلغاء المعاملات التفضيلية الممنوحة لشركات الدولة    برقصات استفزازية وصلوات تلمودية.. اقتحامات إسرائيلية جديدة للمسجد الأقصى    التصريح بدفن جثة طالب لقي مصرعه غرقا في النيل أثناء زيارته لدير السيدة العذراء بالمنيا    ضبط أسمدة زراعية مدعمة محظور تداولها بيعها بالسوق السوداء بالفيوم    جندي إسرائيلي يُنهي حياته بعد تلقيه أمرًا بالعودة للخدمة في قطاع غزة (تفاصيل)    شبح الاستضافة يطارد ألمانيا.. هل تتوج «الماكينات» باللقب على أرضها؟    ثنائي الأهلي يتلقى عروضًا من الدوري السعودي    مصادر ل «أهل مصر»: دمج وزارتي «النقل» و«الطيران» تحت قيادة كامل الوزير    العواصف القوية تعوق التصويت في بعض مراكز التصويت بانتخابات البرلمان الأوروبي في النمسا    ضبط صاحب محل لبيع أجهزة الريسيفرات التي تقوم بفك شفرات القنوات الفضائية بدون تصريح بالقليوبية    سفاح التجمع عن علاقاته الجنسية وممارسة الرذيلة: "كنت عايز أثبت لنفسي إني لسه كويس وراجل"    محامي عمرو دياب أمام النيابة: «المعجب أمسك به من الظهر لإجباره على التصوير»    المهرجان القومي للمسرح المصري يضع اللمسات الأخيرة لدورته ال17    تعرف على أعضاء مجلس أمناء مؤسسة «زاهي حواس» للآثار والتراث    في ذكرى رحيل عبد الله محمود.. بدأ موظفًا في كلية الزراعة وتعاون مع عمالقة النجوم وهزمه السرطان (تقرير)    تقرير ل«أ ش أ»: مواقيت الإحرام.. محطات للاستعداد وبوابات لدخول ضيوف الرحمن بيت الله الحرام    «الصحة» تعلن الانتهاء من قوائم الانتظار لعمليات قسطرة القلب بمستشفى السويس العام    هذه أماكن صرف مرتبات العاملين بالدولة لشهر يونيو 2024    «لأعضاء هيئة التدريس».. فتح باب التقدم لجوائز جامعة القاهرة لعام 2024    لتنفيذ التوصيات.. رئيس «الشيوخ» يحيل 14 تقريرا إلى الحكومة    درجات الحرارة وصلت 50.. بيان عاجل من النائبة بشأن ارتفاع درجات الحرارة في أسوان    بعد تخطيها 48 درجة.. كيف تعاملت الأقصر مع ارتفاع قيم الحرارة؟    "النواب العراقي" يدين القصف الإسرائيلي على مخيم النصيرات بغزة    محافظ كفرالشيخ يعلن فتح المجازر لاستقبال الأضاحى وذبحها «بالمجان»    مركز تحديث الصناعة يشارك في معرض "الأعمال الخضراء" بالأقصر    ميدو: الزمالك اتظلم في ملف نادي القرن    فورير    موراتا يواصل مطاردة توريس وراؤول    أفضل الأدعية والأعمال في يوم التروية    أوبلاك.. صمام أمان سلوفينيا في الظهور الأوروبي الثاني    محافظ كفر الشيخ يتابع جهود حملات إزالة الإشغالات بدسوق    العمل: زيارات ميدانية لتفقد مواقع الإنتاج بأسيوط    إعلام إسرائيلي: اندلاع حريق كبير شمالي الجولان عقب سقوط عدد من الصواريخ    «التضامن الاجتماعي» توافق على قيد ونقل تبعية 3 جمعيات بالقاهرة والغربية    عمرو محمود يس وياسمين عبدالعزيز في رمضان 2025 من جديد.. ماذا قدما سويا؟    فكري صالح: مصطفى شوبير حارس متميز وشخصيته في الملعب أقوى من والده    إخماد حريق داخل معرض ملابس فى الموسكى دون إصابات.. صور    إدريس : أتوقع أن نحقق من 7 إلى 11 ميدالية في أولمبياد باريس    وزارة الصحة: نستهدف رفع الوعي بالكشف المبكر عن الأورام السرطانية    محافظ الشرقية يُفاجئ المنشآت الصحية والخدمية بمركزي أبو حماد والزقازيق (تفاصيل)    «معلومات الوزراء» يلقي الضوء على ماهية علم الجينوم وقيمته في المجالات البشرية المختلفة    مع ارتفاع درجات الحرارة.. نصائح للحماية من ضربات الشمس    «مع بدء طرح أفلام العيد».. 4 أفلام مهددة بالسحب من السينمات    «الداخلية»: ضبط 552 مخالفة عدم ارتداء الخوذة وسحب 1334 رخصة خلال 24 ساعة    حزب الله يستهدف موقع الرمثا الإسرائيلي في تلال كفر شوبا اللبنانية المحتلة    عالم أزهري يوضح فضل الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة وكيفية اغتنامها    3 طرق صحيحة لأداء مناسك الحج.. اعرف الفرق بين الإفراد والقِران والتمتع    «الإفتاء» توضح أعمال يوم النحر للحاج وغير الحاج.. «حتى تكتمل الشعائر»    «البحرية البريطانية» تعلن وقوع حادث على بعد 70 ميلا جنوب غربي عدن اليمنية    وزيرة البيئة: إطلاق مركز التميز الأفريقي للمرونة والتكيف بالقاهرة خلال 2024    إلغاء الأدبي والعلمي.. تفاصيل نظام الثانوية الجديد وموعد تطبيقه    الملامح النهائية للتشكيل الحكومي الجديد 2024    برقم الجلوس.. الموقع الرسمي لنتيجة الصف الثالث الإعدادى 2024 الترم الثاني للمحافظات (رابط مباشر)    هذه الأبراج يُوصف رجالها بأنهم الأكثر نكدية: ابتعدي عنهم قدر الإمكان    من تعليق المعاهدات إلى حرب «البالونات» الأزمة الكورية تتخذ منعطفًا خطيرًا    أمير هشام: كولر يعطل صفقة يوسف أيمن رغم اتفاقه مع الأهلي ويتمسك بضم العسقلاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«جُول جمّال» ..أسطورة سورية فى حب مصر

فتى نحيل "مجاور" بالأزهر، كان فى الرابعة والعشرين عندما راودته فكرة مرعبة، وبتكتم شديد خطط لتنفيذها..ذات صباح، تسلل "سليمان الحلبى" إلى حديقة مقر قيادة الحملة الفرنسية، وما أن رأى قائدها الجنرال كليبر "سارى عسكر"، حتى برز من وسط الأشجار وطعنه بخنجره، ثم اختفى..قبض عليه الفرنسيون، وحكموا بحرق ذراعه التى قتل بها الجنرال، قبيل إعدامه على "الخازوق"، وتركوا جثته للطيور الجارحة..
لكن بعد أن أسهم ابن مدينة حلب السورية فى خلخلة الوجود الاستعمارى الفرنسى بمصر والشام. وبعد نحو قرنين، عاد الزمان يمارس هوايته الأثيرة، ليأتى من سوريا شاب اسمه "جول جمال" يوجه طعنة زاجرة لقوة فرنسا وهيبتها، خلال العدوان الثلاثى على مصر، ويغرق درة تاج البحرية الفرنسية المدمرة جان بارت "تنين البحر المتوسط"، ويوقف بدمائه وروحه الطاهرة، شبح الدمار المحلّق على بورسعيد وما جاورها، تأكيدا لوحدة الوجود والمصير بين شعبى مصر وسوريا، جناحى الشرق العربى.
لحظات مهيبة
هذه البطولات الفردية لحظات مهيبة فى التاريخ، ليست ضربة حظ طائشة، تبرز فجأة من المجهول، قيمتها أنها بطولة لاتنفصل عن جهد الأمة وطاقتها.. كانت مصر- قبل العدوان الثلاثى- قد خرجت لتوها من أكبر محنة فى تاريخها، عبر أكثر من 2500 عام، محنة الاحتلال متعدد الصور والجنسيات، منذ غزو الإسكندر الأكبر وصولا للاستعمار البريطانى، وأخذت الأنظار فى الإقليم والعالم تتجه إلى القاهرة، محاولة استكشاف ما وراء الأفق من متغيرات، لا يستطيع أحد حساب مداها، خاصة بعد إعلان جمال عبدالناصر التخطيط لبناء السد العالى وبدء معركة التنمية والعدالة الاجتماعية، تعبيرا عن الاستقلال والكرامة الوطنية، ومعها تأججت فكرة القومية ، التى ألهبت آمال الشعوب العربية، وأتت البداية من سوريا، على وهج نيران العدوان الثلاثى، من جانب بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عام 1956، عقب تأميم قناة السويس، حيث تصدى المصريون للعدوان، بإيمان وإصرار، رغم أن موازين القوى فى صف المعتدين. ملحمة خالدة أعادت تشكيل المنطقة والعالم، توارت الامبراطوريتان البريطانية والفرنسية إلى الخلفية، وبرزت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى قوتين عظميين على الساحة الدولية، ووسط هذه اللوحة الرائعة التى رسمها الشعب المصرى ومعه شعوب عربية ثائرة، تجلت فى خطوط اللوحة بطولات أفراد مثل البطل السورى جول جمال الذى استشهد دفاعا عن بر مصر المحروسة.
ولد جول يوسف جمّال، فى قرية "المشتاية" بمدينة اللاذقية الساحلية، فى سوريا، ، أول أبريل 1932، لأب مسيحى أرثوذكسى، يعمل طبيبا بيطريا، له باع طويل فى مقاومة الاحتلال الفرنسى لسوريا، فشب الابن على حب النضال والعروبة والإيمان بوحدة شعوبها. ارتبط جول بالبحر، وحلم بأن يكون ضابطا بالبحرية، وعندما واتته الفرصة هجر دراسته بكلية الآداب، إلى الكلية البحرية، ثم أرسل فى بعثة تعليمية عسكرية من عشرة طلاب سوريين، إلى مصر عام 1953، وفى مايو 1956 نال جول جمال رتبة "ملازم ثان"، بعد انتزاعه المركز الأول بين زملائه السوريين، لكنه لم يغادر إلى وطنه، وظل يتدرب على طراز جديد من الزوارق. وبعد شهرين أعلن "عبدالناصر"- باسم الشعب- " تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية"، فهبت عاصفة استعمارية جديدة، فى سلسلة مستمرة للسيطرة على مقاديرالشرق الأوسط، ضمن حملة أكبر للهيمنة على العالم.
مواجهة التنين
وكأن القدر أراد أن ينسج أسطورة الفتى السورى "جول"، ففى ليلة الرابع من نوفمبر عام 1956، تم رصد البارجة "جان بارت" أكبر قطعة بحرية فرنسية، وأول سفينة حربية مزودة برادار فى العالم، وزنها 48750 طنا، وعلى متنها 88 ضابطا، و2055 جنديا، و109 مدافع مختلفة الأعيرة، وهى تتجه إلى شاطئ "بورسعيد" لتدمير ما تبقى منها، استكمالا لما فعله القصف الجوى البريطانى. ولما علم جول جمّال أن القيادة المصرية أمرت بالتصدى للمدمرة، اقترح على قائده "جلال الدسوقى" المشاركة بفرق فدائية من زوارق الطوربيد، لمواجهة فخر البحرية الفرنسية، لكن القائد رفض، لأن اللوائح العسكرية لا تجيز ذلك لأى أجنبى، فألح "جول" فى طلبه، قائلا بعينين مغرورقتين بالدموع: "عندما أرى شوارع الإسكندرية كأنى أرى شوارع اللاذقية..لافرق عندى بين مصر وسوريا، أنا لا أرى بلدين، بل بلد واحد"، فما كان من القائد سوى الموافقة على اشتراكه فى تلك المعركة غير المتكافئة.
بنى جول جمال خطته على القيام بعملية فدائية نادرة، قاد زورقه صوب بدن البارجة "جان بارت"، ليرتطم بها ويعطبها ويشل حركتها ويخرجها من الخدمة نهائيا، ويستشهد هو، ضاربا أروع أمثلة الشجاعة والتضحية والفداء لمصر التى لم يجد أى فرق بينها وبين سوريا، ويدخل أوسع أبواب المجد والعظمة، وينقذ أهل بورسعيد من دمار ماحق، وتكون تلك الموقعة بداية خلخلة استراتيجية وتغيير جوهرى فى مجريات المعركة، حيث هدرت الشعوب العربية ثائرة فى وجه العدوان الثلاثى. لم يكن جول جمال أول شهيد سورى فى حب المحروسة- ولن يكون- كما أن مصر التى حررت سوريا والشام من بطش الصليبيين وأهوال التتار وظلم العثمانيين، لم تبخل يوما بأرواح ودماء أبنائها، أعز ما تملك، دفاعا عن أشقائها العرب، دليلا على وحدة المصير بين شعوب الأمة، دون اعتبار لحدود أو تقسيمات، تحت خيمة العروبة. وقد أرسلت البحرية المصرية كتابا إلى القوات المسلحة السورية، جاء فيه :"ننعى إليكم – بفخر واعتزاز- الملازم الشهيد جول جمال، أول من دعّم بحياته أسس التعاون الفعلى بين قواتنا المشتركة، حيث إنه أول شهيد عمليات مشتركة مصرية- سورية.."، وأقيم "قداس على روحه" بحضور وزير الدفاع السورى وممثلين للقوات المسلحة المصرية، فى اللاذقية. كما منحت القيادتان المصرية والسورية اسم "جول جمال" أعلى الأوسمة والنياشين، بوصفه فارسا نبيلا، و"أيقونة"عشق وطنية، حمى "النيل" من "تنين المتوسط" قبل أن يفرغ سمومه على الشاطئ، ثم توالت صور التكريم من البلاد والقادة العرب، وأطلق اسمه على العديد من المنشآت والشوارع بمصر وسوريا وغيرهما، وأنتج عنه فيلم سينمائى بعنوان "عمالقة البحار".
قارورة عطر
كان جول جمال "قارورة عطر" سورية فى وجه الكنانة، فارسا كالصخر أمام موجة الظلمة والعدوان، حالما كبر حلمه إلى مستوى التضحية، وقد تكرر مشهد بطولته بروعته، عندما أعاد أبطال مصر كتابة تاريخ البحرية العالمية - دون تزيّد أو مبالغة- ولقنوا العدو الصهيونى درسا مريرا، عقب نكسة 1967، بإغراق أكبر قطعة بحرية إسرائيلية، المدمرة "إيلات"، بصاروخ مصرى من لنش صغير. إنها بطولات تستعصى على النسيان، فرنسا نفسها لم تنس ما فعله جول جمال، مثلما لم تنس ما فعله سليمان الحلبى - مازالت تحتفظ بجمجمته وخنجره إلى اليوم- فقد ذكرت صحيفة فرنسية أنه خلال توديع وزير الدفاع الفرنسى جنوده المتجهين إلى العراق، على شاطئ بلاده، قال لهم:"لاتعتقدوا أنكم ذاهبون فى نزهة، ينبغى عليكم الحذر، انظروا – وهو يشير إلى "جان بارت" التى صارت "عبرة"، بعد سحبها من البحر، ووضعها على الشاطئ- ماذا فعلوا بكم فى حرب السويس"..! المؤسف حقا، أنه بعد عقود، مازالت مصر – وسوريا ودول عربية أخرى- هدفا للحاقدين والإرهابيين المأجورين، نسوا أن خيانة الأوطان عداوة للدين، ينشرون الخراب والإرهاب، امتثالا لمخططات خارجية آثمة وداخلية خسيسة، آخر مظاهرها العدوان الإرهابى على "لنش البحرية" شمال دمياط، لقد مضى زمن وأتى آخر تتعرض فيه البحرية المصرية لعدوان غادر، من داخل الأراضى المصرية نفسها، مدفوعا بأموال وتوجهات خارجية.. ظواهر خطيرة مقلقة، لاريب، لكن هيهات أن يهزم بلد، اسمه مكتوب على جبين التاريخ علامة شرف وسمو، علّم الدنيا العزة والحكمة والحضارة؛ والحقيقة خلف كل ستار أن مصر تخطو للمستقبل. فالمصريون وأشقاؤهم، عبر الأزمان، مولعون بالمكارم والذود عن نيلهم وعروبتهم، طلبا للرقى والازدهار، بسمو بطولات الأبطال وتضحياتهم التى هى عهد و"سيف باتر" بوجه أى محتل غاصب أو دخيل خائن..إذ على قدر أهل العزم تأتى العزائم..!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.