أغلب الذين أنصفوا حرب أكتوبر وعرفوا قدرها حق المعرفة فى كتاباتهم وتحليلاتهم ومؤلفاتهم على مدى ال 41 عاما الماضية هم كبار الخبراء والمحللين الاستراتيجيين على مستوى العالم والسبب يرجع ببساطة إلى أن هؤلاء الخبراء هم أكثر الناس فهما وإدراكا للمعجزة الكبرى التى صنعها ضباط وجنود القوات المسلحة المصرية بعبورهم قناة السويس بهذه الدرجة من السرعة والجسارة وقلة الخسائر البشرية قياسا على ما هو معروف فى قواعد العلوم العسكرية بأن عبور الموانع المائية كان- ولا يزال- من أشق العمليات وأعقدها وأكثرها احتياجا للمزيد من التضحيات البشرية.. فما بالنا إذا كان المانع المائى هو قناة السويس. كانت هناك ظاهرة المد والجزر حيث يختلف منسوب المياه فى القناة تبعا لارتفاعها وانخفاضها فى اليوم الواحد عدة مرات ويبلغ فارق المنسوب نحو مترين فى منطقة جنوب القناة قرب ميناء السويس، كما كانت هناك أيضا مشكلة سرعة التيار واتجاهه حيث تتميز القناة بشدة التيار وسرعته والتى تبدأ من 18 مترا فى الدقيقة فى القطاع الشمالى وتصل إلى 90 مترا فى الدقيقة فى القطاع الجنوبي.. والأصعب والأخطر من ذلك أن اتجاه التيار يتغير دوريا كل 6 ساعات من الشمال إلى الجنوب وبالعكس.. وقد جرى استكشاف كل هذه المصاعب مبكرا خلال عمليات الإغارة التى تمت خلال عامى 1969 و1970 بواسطة المجموعة 39 التى كان يقودها البطل الشهيد إبراهيم الرفاعى بتكليف مباشر من ثلاثى جنرالات مبنى القيادة المشتركة فى رئاسة المخابرات الحربية وهم اللواء محمد أحمد صادق مدير المخابرات الحربية ونائبيه اللواء محرز عبد الرحمن مصطفى واللواء محمد عبدالغنى الجمسى فلم تكن عمليات الإغارة بهدف ضرب خط بارليف والحصول على أسرى فقط وإنما كان الهدف استكشاف ودراسة سطح قناة السويس هو المهمة الرئيسية والسرية جدا. ومن الإنصاف أن نقول اليوم أن السياسة المصرية الذكية لعبت الدور الأكبر فى بناء خطة الخداع بتحركاتها الماكرة فى الداخل والخارج بهدف تعميم انطباع أن ما يجرى على جبهة القناة طوال سنوات حرب الاستنزاف مجرد رد فعل محدود ومحسوب وأن الخيار الوحيد أمام مصر هو السعى واللهث وراء حل سلمى مع التأكيد بأن احتمالات إقدام مصر على شن حرب شاملة احتمالات ضعيفة إن لم تكن مستحيلة.. وغدا نواصل الحديث.. [email protected] [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله