في ظل مجموعة الخصائص الطبيعية لقناة السويس التي تحدثت عنها أمس والتي كانت في نظر معظم الخبراء العالميين خصائص فريدة تجعل منها مانعا مائيا يصعب عبوره بعملية عسكرية كبيرة كان لا بد لمصر أن تتوصل إلي تصور عملي وواقع لعملية عبور غير تقليدية. كان من الضروري أن يوضع في الاعتبار أنه فضلا عن كل هذه الخصائص الطبيعية للقناة فإن الإسرائيليين عمدوا إلي تحويلها إلي ما يشبه السد المنيع الذي يدفع مصر إلي التفكير ألف مرة قبل التفكير في العبور بعد أن أقاموا ساترا رمليا يزيد ارتفاعه في بعض المناطق علي20 مترا ويلامس حافة القناة مباشرة بزاوية ميل تزيد علي45 درجة وفي داخل هذا الساتر وفوق قمته وإلي الخلف منه شيدت عدة قلاع حصينة هي التي اصطلح علي تسميتها باسم خط بارليف. كان لا بد أن يضع المخطط المصري في اعتباره أن المرحلة الأولي لاقتحام القناة بجحافل العبور سوف تكون أصعب وأخطر المراحل بالنسبة لنا وأسهلها وأيسرها بالنسبة للعدو المتمركز داخل حصونه المطلة علي طول القناة.. ومن ثم فإنه كان لابد من إعداد الجندي المصري لكي يكون مستعدا لتسلق الساتر الترابي بعد وصول القوارب المطاطية إلي حافة الشاطئ الشرقي للقناة وتأهيل نفسه للقتال مع مدرعات العدو لمدة لا تقل عن6 ساعات قبل أن يصله دعم الدبابات والأسلحة الثقيلة المصرية فور الانتهاء من إنشاء كباري العبور. وهكذا ولدت فكرة أن يتم اقتحام قناة السويس واعتلاء حصون خط بارليف بالمواجهة وليس وفق قواعد العلوم العسكرية التي تحبذ مهاجمة المواقع الحصينة بالالتفاف حولها حيث لا يوجد لدي قواتنا أي خيار آخر يمكن به تفادي خط المياه أو خط بارليف أو الالتفاف حول هذه الشبكة الرهيبة من التحصينات المدفونة في الساتر الترابي.. حيث يتحتم علي جنود المشاة الذين سيعبرون القناة بأسلحتهم الخفيفة أن يباغتوا المتحصنين في خط بارليف وأن يصدوا الضربات المضادة التي ستشنها المدرعات الإسرائيلية.. ومن ثم كان لابد من إعداد الجندي المصري لكي يكون قادرا علي الوصول سليما هو وسلاحه الخفيف إلي الضفة الشرقية للقناة وأن يكون مدربا علي تسلق الساتر الرملي المرتفع. وللإنصاف فإن أبطال العبور الذين نفذوا المرحلة الأولي صنعوا عملا ليس له مثيل في سجل الحروب ويعتبر ضربا من الإعجاز البشري حيث جاء الأداء بأفضل مما كان مرسوما علي الورق في خطة العمليات. وغدا نواصل الحديث.. خير الكلام: وليس سباع البر مثل ضباعه.. ولا كل من خاض العجاجة عنترا! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله