انتقل إلى رحمة الله تعالى الزميل سعيد حلوى.. توثيق لرحيل صامت غير مكلف سوى لأهله ولأولئك الذين تطابقت كيمياؤهم مع كيميائه، يغلق صندوقا خاصا جدا بشاهد مؤسسى «فوق العادة» لمؤسسة الأهرام وذريتها والتى كانت له ظهره وعصره ومغربه وعشاؤه حتى تقاعد إلى معيشته الخاصة وزاهدا الأهرام، فإذا به لم يقصد ويدخل الأهرام بعد التقاعد طلبا لحاجه تخصه، أو قضاؤها، وهو الذى هندس مشروع ال1200 شقة تحت مظلة وزارة الأوقاف ليس للأهراميين فحسب بل للذين من خارجها دون أن يخص نفسه أو أحدا من أهله من الدرجة الأولى، كما لم يستخدم أضابير هيئة الأوقاف له لتخصيص شقة أو امتيازا معينا، بل تسجل قاعة الراحل العظيم لبيب السباعى جودة الشفافية فى التسكين، متحملا رغبات بالاستثناء من الضوابط لغير ذوى الضوابط. هو كان يرى فى الاستثناء سطوا على حق آخر ويتسبب له فى حالة مد وجذر لعلاقات ترتفع إلى أعلى، ومن أدراها العلاقات أصابه منها غيث كان موجعا له نفسيا إبان كان يحلم بإصدار دينى تحت كتف المؤسسة، آنذاك تبلع الوجع وثابر على مشروعه «أنوار رمضان» الذى فى إحدى دوراته ضخ 6 ملايين جنيه عائدا، وعندما تقدم بكشف إثابة عن الجهد فوق العادى لمن شارك وفى التحرير, مازحه آنذاك من يملك صلاحية القرار والإقرار قائلا: دائما تقول المحررين.. المحررين». كان فى حياته العامة والخاصة مشروع اسمه «عمرة سعيد» التى كانت الأقل تكلفة وقد سنحت لى المشاركة فى ترتيبات ثلاث عمرات ننطلق معا, وبعلاقاتى المصرفية, فى تدبير ريالات ال «بوكت مونى» لمن أكرمهم الله بتلك العمرات الثلاث. وجميعنا وديعة ترد إلى الله يوما ما وذرف الدموع أفضل. ◀ عصام هاشم «نعم» كانت كلمته الشهيرة التى اعتاد الرد بها دائما على كل من يتصل تليفونيا به، يرددها بصوت أجش يكشف بعضا من شخصيته.. حينما اتصلت به الأربعاء الماضى لأطمئن عليه، سمعته ولأول مرة يرد بصوت خافت: «ألو» حينها علمت أن سعيد حلوى الذى اتصل به ليس هو الذى يرد عليَ، وأن شخصا آخر هزمه المرض هو الذى يتحدث إلي، محاولا التماسك والظهور قويا كعادته، عندئذ تسلل إلى نفسى شعور بأن أستاذى سعيد حلوى الذى كنت أعتزم زيارته فور عودته من إجازة العيد، لن أراه بعد اليوم، بل وخشيت ألا أتمكن من سماع صوته ثانية، وقد حدث! عبر ثمانى سنوات قضاها رئيسا للقسم الديني، اجتهد فى أن يرتقى بصفحة الفكر الديني، وتناولت الصفحة فى عهده العديد من القضايا البارزة التى أثرت بشكل كبير فى تشكيل وعى الرأى العام . برغم تجاوزه الستين كنت تراه يتحرك ويعمل فى همة ونشاط يفوق الشباب.. اعتاد حتى اليوم الأخير لمغادرته الأهرام، القدوم للعمل مبكرا وكان يفضل أسلوب المواجهة والمباشرة ولا يميل إلى اللف والدوران، الأمر الذى أغضب منه كثيرين، لكنه لم يعبأ بذلك. لم يكن ملاكا، لكنه كان يتميز بصفات يفتقدها كثير من مسئولى ورجالات اليوم، أبرزها أنه كان حاسما، ويكفى أنه كان رجلا له مبدأ فى زمن توارت فيه المبادئ، وتحطمت خلف المصالح والمطامع الشخصية. رحم الله الأستاذ سعيد حلوي.
◀ نادر أبوالفتوح
مثل نسمة الهواء العليل كان الأستاذ المرحوم سعيد حلوى، نفسا صافية وقلبا أبيض، قد لا يعرف الكثيرون أنه الرجل الحازم الجاد، يحمل فى داخله مشاعر إنسانية وحبا وشفقة، لا يمكن أن يتخيلها إلا كل من اقترب منه، قدم الكثير من الخدمات للزملاء، دون أن يتحدث أو يتباهى. وعلى المستوى الشخصى صادفتنى شدائد كثيرة، كان فيها نعم الأب والمعلم، وكنا نحن تلاميذه فى القسم الدينى نعمل بثقة وأمل، لأن جميع المصادر فى القطاع الدينى تعمل ألف حساب لسعيد حلوي، تقدر له مكانه وقدرته وخبراته، و كان من الصحفيين المتخصصين البارزين فى الشئون الدينية، يعرف أسرار وخبايا فى الأوقاف، ربما تغيب عن بعض المسئولين، كنت أجرى حواراً مع أحد المسئولين فى وجود الأستاذ سعيد حلوى، وقبل أن يتكلم المصدر فى أى أمور خاصة بالوقف، كان يؤكد المعلومة أولا من الأستاذ سعيد حلوي، كان صادقا ومتفائلا وواضحا لا يخشى فى الله لومة لائم. منذ شهور حدثته هاتفيا من الحرم المكى وجاء صوته كالمعتاد، يحمل الأمل والحب، ومنذ أيام جاء صوته على غير العادة، وأنهى المكالمة على أمل اللقاء فى القاهرة بعد العودة من بلده، لكن القلب الطيب لم يحتمل أن يعود للقاهرة، وفضل الرحيل إلى جنة الخلد بإذن الله.. وأخيرا يا أستاذى أقول للجميع، ستظل هذه الأخلاق والقيم والفضائل والرجولة، عنوانا لإنسان سيعيش فى قلوب كل من عرفوه . لمزيد من مقالات جمال فاضل