دخلت مجلة أكتوبر عامها السابع والثلاثين.. وأنا ألملم أوراقى لأغادر قطار الصحافة.. مازالت أذكر رموز ممن علمونى وأنا أحبو على بلاط صاحبة الجلالة منذ زمن مضى.. إنه المرحوم إبراهيم مصبّح نائب رئيس التحرير ورئيس الباب الدينى «آمنت بالله». لم أشعر بأستاذيته بقدر ما شعرت بأبوته، عرفته قبل أن أعمل معه.. وأنا أخطو خطواتى الأولى فى مراحل التعليم.. فعقب حصولى على الإعدادية عام 1968.. أخذنى ابن عمى المرحوم عادل البلك مدير تحرير أكتوبر وكان وقتها بالأخبار لأستاذى إبراهيم مصبح كى ألتحق بالثانوى الأزهرى. فقد كان المجال الدينى ملعبه الذى لا يباريه فيه أحد فأخذنى من يدى إلى مكتب شيخ الأزهر، فوجدت نفسى أمامه. فقد كانت شخصيته وسماحة وجهه هما جواز المرور إلى قلوب المسئولين. وعندما قدر لى أعمل محرراً بأكتوبر وجدته أمامى - وكان ذلك بعد سنوات طوال - فاختارنى للعمل معه فى باب «آمنت بالله» الذى نوقشت فيه رسائل ماجستير ودكتوراه كصحافة دينية، وكان يقول لى الباب بابك افعل فيه ما تشاء حتى لو حذفت اسمى.. منتهى الإيثار لرجل له من العمر والخبرة الكثيرة.. كان رحمه الله أسرع من يأتى بالأخبار من مصادرها الحقيقية. فكان ممن يتصل بالمسئول فى أى وقت حتى لو اضطر لإيقاظه من النوم. وكان الكل لا يتردد فى مده بالأخبار والمعلومات بكل حب وود.. كان ذاكرة حديدية، فبرغم سنه الكبيرة وخروجه على المعاش وقتها، فإن عقله كان مستوعباً لأحداث كثيرة مضت يسردها بتفاصيلها كأنها تحدث أمامنا الآن. وعندما كنت تسأله عن رقم تليفون مسئول يعطيك مباشرة وبدون ورقة ولا قلم عدة أرقام من الذاكرة لهذا المسئول.. وكان يردد كلمته المشهورة لى «اتعلم جغرافيا».. وأصر على ضمى كعضو بلجنة الإعلام الدينى بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية عندما اختاره وزير الأوقاف لها.. وكان يقول لى «أنت دم جديد.. أنا رايح وأنت جاى».. تخرج أستاذى فى كلية الحقوق والتحق بجريدة الأخبار، وأصبح العضو رقم 1221 بجدول المشتغلين بنقابة الصحفيين بتاريخ 30/10/1965. وألف كتاباً فى سلسلة «إقرأ» بدار المعارف عنوانه «100 سؤال وجواب» مع الشيخ الشعراوى الذى كان تلميذاً لجد أستاذى. طبع الكتاب أكثر من مرة، كما رأس تحرير مجلة «رسالة الإسلام» التى كان يصدرها المركز العام لجمعية الشبان المسلمين بالقاهرة، كما عمل أستاذاً لمادة الصحافة بكلية التربية النوعية بالمنصورة مسقط رأسه.. رحمه الله كان يقول «إننى أعمل ما على حتى تتعلموا» نعم أستاذى تعلمنا فما تركته فينا كثير.. ويكفى أنك نزلت ضيفاًَ على الرحمن فى شهر القرآن.. وفى العشر الأخيرة منه، فى عشر العتق من النار.. ليصدقك فيك قول الشاعر: حتى على الموت.. لا أخلو من الحسد.