يستكمل التونسيون المسار الانتقالى بعد ثورة 14 يناير 2011 باجراء الانتخابات البرلمانية الأحد المقبل .ثم بانتخابات رئاسية فى 23 نوفمبر من هذا العام . و هكذا يصبح للجمهورية الثانية بعد الاستقلال دستور جديد ورئيس منتخب وبرلمان تنبثق عنه حكومة من المرجح ان تكون إئتلافية. ويعد اجراء هذه الانتخابات سعيا لاستكمال بناء مؤسسات الدستور الجديد نتAيجة مخاض عسير استمر لنحو أربع سنوات .وتوجته جلسات حوار وطنى صعبة تكثفت بين يوليو 2013 و يناير 2014 .ولم يكن من الممكن نجاح هذا الحوار بدون التوصل الى وفاق بين القوى السياسية الرئيسية .وتحديدا بين الإسلاميين المعتدلين كما يمثلهم حزب " النهضة " بزعامة راشد الغنوشى وبين العلمانيين الذين يتوزعون علي حزب "نداء تونس "برئاسة البورقيبى العتيد " الباجى قائد السبسى " و" الجبهة الشعبية" بزعامة " حمة الهمامى " .وهو بالأصل إئتلاف لأحزاب وشخصيات يسارية تأسس عام 2012. وتتقدم هذه القوى السياسية الثلاث سباق الانتخابات البرلمانية . وعلما بان استطلاعات الرأى قبيل انطلاق الحملة الانتخابية منحت كلا من " النهضة " و " نداء تونس" نسبا تدور حول الثلاثين فى المائة لكل منهما . فيما حلت "الجبهة الشعبية" ثالثة بنسب تدور حول العشرة فى المائة . ثم جاء لاحقا ثلاثة أحزاب علمانية هي: "الجمهوري" برئاسة "نجيب الشابي" و حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" الذى أسسه ويرأسه شرفيا الرئيس "المنصف المرزوقي" و حزب "التكتل" برئاسة "مصطفى بن جعفر" رئيس المجلس التأسيسى ( بمثابة برلمان المرحلة الانتقالية الذى اوكل اليه وضع الدستور الجديد). و الحزبان الأخيران ( المؤتمر و التكتل ) كانا قد شكلا مع " النهضة " إئتلاف " الترويكا " الثلاثى الذى حكم تونس بين ديسمبر 2011 و يناير 2014 . وهذا قبل ان تتشكل حكومة تكنوقراط مستقلة برئاسة "مهدى جمعة" تتولى ادارة شئون البلاد مع اجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية باشراف هيئة مستقلة . لكن خريطة القوائم الانتخابية البالغ عددها 1327 قائمة حزبية ومستقلة تخوض السباق فى 33 دائرة وعلى اجمالى 217 مقعدا أكثر تعقيدا . ويبرز بين تضاريسها قوائم أحزاب وشخصيات زمن الرئيس المخلوع "زين العابدين بن على ". فهذه الانتخابات على خلاف انتخابات المجلس التأسيسى اكتوبر 2011 لاتعرف العزل السياسى بأى حال . واللافت ان حزب "النهضة " ذاته ساهم فى اسقاط مشروع قانون للعزل السياسى بدعوى تجاوز إرث الماضى وترك الكلمة الاخيرة للناخبين وقطع الطريق على الطعن امام القضاء على قانون العزل . لكن منتقدى "النهضة" يرون ان هذا الموقف يعد امتدادا لتحالفات سابقة عقدها هذا الحزب الإسلامى الحداثى مع رجال أعمال "بن علي". ولاشك أن انتخابات التأسيسى عام 2011 أنهت عصر الحزب الواحد فى تونس . هذا العصر الذى امتد منذ استقلال البلاد عام 1956. ونتيجة لطبيعة النظام الانتخابى الذى تجرى وفقه انتخابات مجلس نواب الشعب ( البرلمان ) فمن الأمور شبه المقطوع بها ان البلاد مرشحة لحكم إئتلافى جديد. وعلى الرغم من التنافس الشرس فى هذه الانتخابات وفى ظل أكثر من عشرة احزاب أو إئتلافات حزبية تخوض قوائمها الانتخابات فى كل الدوائر فإن " الغنوشى " استبق النتائج بارسال رسالة واضحة . و مفادها ان حزبه مستعد للدخول فى حكومة إئتلافية مع خصومه السياسيين وبخاصة " النداء "، وهو بالأصل إئتلاف من شخصيات ليبرالية و بورقيبية وأخرى تنتسب الى حكم "بن على " وحزبه " التجمع الدستوري" المنحل . بل ان زعيم حزب " النهضة " عبر اكثر من مرة خلال الايام الاخيرة عن استعداده الى الإئتلاف مع احزاب وشخصيات تنتسب الى عهد " بن على ". كل المؤشرات تفيد بأن "النهضة" لن يحصل بأى حال على نسبة الواحد وأربعين فى المائة من مقاعد البرلمان التى حققها قبل نحو ثلاث سنوات . ويعزى هذا الى انحسار نفوذ الإسلاميين المعتدلين فى الحكم بالمنطقة العربية من العراق الى المغرب . لكن السبب الرئيسى بنظر المراقبين هو ان المشاركة فى الحكم لها مغارمها فى تونس أيضا . ولقد اكتشف الناخبون التونسيون ان وعود "النهضة" وخطابها تعالج وتحل مشاكل الاقتصاد والإدارة . بل اتضح ان تونس اصبحت عرضة لعمليات ارهابية لم تعرفها من قبل على مدى عقود. وعلاوة على خطاب التوافق فإن "النهضة" تعلمت من اخطاء الإخوان فى مصر فامتنعت عن الدفع بمرشح للرئاسة .بل وانها الى حينه لم تعلن دعمها لأى من المرشحين الرئاسيين فى القائمة الطويلة التى تبلغ 27 مرشحا . لكن خصوم النهضة سيحددون الى حد كبير مستقبل تونس على مفترق طرق . فإما تسفر هذه الانتخابات البرلمانية عن عودة الإسلاميين للمشاركة فى الحكم أو يتشكل إئتلاف واسع من الأحزاب والقوى العلمانية ويترك " النهضة " فى المعارضة . لكن تشكل مثل هذا الإئتلاف ليس بالأمر السهل . فعلى الأقل هناك قوى واحزاب وازنة ك" الجبهة الشعبية " و" الجمهورى " و" المؤتمر " و"التكتل " تعلن بوضوح رفضها ان تضع أيديها مع رموز حكم الدكتاتور "بن علي" .