جمال سليمان فنان منح المشاهدين العرب فرصة المتعة البصرية وهم يتابعون أعماله المشغولة على نبض أحلامهم وآمالهم وإنكساراتهم، فوجئ في الفترة الماضية أن إختياره وحماسه لمسلسل « صديق العمر» الذى عرض في شهر رمضان الماضي، وتناول مراحل هامة في حياة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، تحول إلى إدانة ضده، وتهمة تطارده، ومانشيتات تهاجمه، وحروب خفية تشن على مشاعره وأعصابه، بعد عرض الحلقة الأولى إنهال النقد عليه، القليل منه كان مثل الوردة الجميلة التى تعبر عن الحب والإعجاب، والكثير كان مثل الشوك الذى يدمي القلب، البعض رآه رائعا، ومدهشا، والبعض الأخر رأه خسر كثيرا بتجسيده لهذا الدور « الفخ»!، وفي كل الأحوال كان جمال يجمع كلمات النقد أو بعضها التى تحمل حسن النوايا، يحتفظ بها ليدرسها ويفهمها ويناقشها مع نفسه لتكون وسيلته لتطوير فنه، الذى دفع فيه ثمنا كبيرا من حياته. في الدور ال «33» إستقبلني في شقته التى تنم عن ذوق رفيع، والتى تطل على نيل مصر الجميل، وجلس أمامي وعلى وجهه نصف ابتسامه، وفي عينيه بريق حزن فشل في إخفاء ملامحه، وكشف صوته مساحة الوجع الذي يحسه من كلامات النقد التى سجنته طوال الفترة الماضية. في البداية أكد جمال سليمان « للأهرام» أن تجسيده لشخصية الزعيم جمال عبدالناصر في مسلسل « صديق العمر» خطوة هامة في مشواره الفني والإنساني، وليس نادما عليها، لأن دوره كان يمثل تحديا كبيرا له، وقدم من خلاله «عبدالناصر» الإنسان، والقائد العربي الذى خاض معارك على جبهات مختلفة، في فترة حساسة من حياة المنطقة العربية، ومن حياة العالم، وليس «عبدالناصر» التمثال، أوالصورة الفوتوغرافية الثابتة الرسمية الجامدة المتداولة، كما أن المسلسل كان شجاعا وجريئا حيث تطرق إلى مراحل زمنية مليئة بالإنكسارات، والخسائر، وهذه الإنكسارات والخسائر مرتبطة بشخصيات لها محبة وقيمة عند قطاع كبير من الشعوب العربية، كما تطرق إلى ملفات كثيرة تجنبها كل الكتاب والأعمال الفنية السابقة التى تحدثت عن « عبدالناصر»، لأنها شائكة، وبعضها غامض، والبعض الآخر فيه وجهات نظر مختلفة، وإستطاعوا كفريق عمل للمسلسل أن يقولوا « أيه اللي حصل أوجزء من اللي حصل»! وعن الذى لفت نظره في شخصية جمال عبدالناصر بحكم تجسيده للشخصية وقراءته للعديد من الكتب والمراجع أثناء التحضير قال: عبدالناصر شخصية ثرية وغنية، يتميز بأشياء كثيرة أهمها وطنيته الشديدة،ورومانسيته وحلمه بتحقيق الوحدة والقومية العربية، هذا الحلم الذى اثبتت الأيام أنه كان حلما رومانسيا، كما كان يتميز بالشهامة و«الجدعنة»، وهذه « الجدعنة» لم تتفق مع السياسة، وبعيدا عن كل هذا كان شخصية عنيدة ومليئة بالتحدي، فكما شاهدنا في المسلسل كان التحدي يتمثل في مواقف عديدة أهمها عندما جاءته الأنباء على مركز القيادة أن المشير عبدالحكيم عامر محاصر في مبني الأركان في دمشق من قبل القوى الإنفصالية، وقتها شعر أنه أمام خيارين إما أن يعلن فشل الوحدة بين مصر وسوريا، أو يرسل قوات عسكرية مصرية إلى سوريا، وتحدث مواجهة عسكرية ما بين الجنود المصريين، وزملائهم السوريين، وبالتالي تسفق دماء عربية، ووسط طوفان الحيرة هذه يظهر في ميدان العباسية يخطب بكل كبرياء ويعلن الإنفصال، ويحمل المسئولية إلى القوات الإستعمارية والقوى الإنفصالية التى وقفت جانب المؤامرة الغربية على الوحدة، ويكتم كل غضبه وحزنه ويشيد بالشعب السوري، ويرفع من عزيمة الشارع المصري، لأنه يمر بلحظة انهيار. وأضاف زعيم مثل عبدالناصر بكل الأحلام التحررية، وبكل العدالة الإجتماعية التى يحملها، خاض هذه المعارك، نجح وأخفق، أصاب وأخطأ، ففي لحظات وهو يمسك في يديه زمام الأمور، كان يشعر أنه يسير على الطريق الصحيح، وأنه على القمة، وفي لحظات أخرى كان بالتأكيد يشعر بالإنكسار والهزيمة، وبنوع من المرارة، وأكيد كان يشعر في لحظات معينة أنه لابد أن يتراجع ولكن كبرياءه وشموخه وعناده يمنعونه من هذا. وصرح صاحب «التغربية الفلسطينية»: بأن مسلسل «صديق العمر» ورغم كل النقد الشديد الذى تعرض له سيبصح وثيقة تاريخية للأجيال القادمة، وسيشار إليه في المستقبل، وسيعتبر نقطة تحول هامة وبارزة في مسلسلات السير الذاتية والدراما السياسية، ودراما التاريخ المعاصر، لإنهم نقاشوا من خلاله المسكوت عنه والذى تم تحاشيه طوال السنوات الماضية. وأوضح : في الفن أحيانا عمل أو فنان يفتح بابا كان الآخرون يحذرون من فتحه، فتتم مهاجمته بقوة، لكن مع مرور السنين تثبت الأيام أن أصحاب العمل كانوا على صواب، ويقال عنهم كلاما جيدا، ويتم مدحهم، وأنهم كانوا روادا عندما تحدثوا بجرأة عن « الموضوع الفلاني أو قدموا العمل العلاني»! وعن ما يقصده بكلمة « وثيقة» قال: انتبه انا قلت وثيقة وليس الوثيقة!، فأي مسلسل في الدنيا لن يكون الوثيقة النهائية، لأنه لم يقل كل شيئ، ولم يعط أحكاما نهائية في شئ، ولا يستطيع مسلسل أو فيلم أو رواية حتى أن تدعي ذلك، حتى كتب التاريخ لا تستطيع أن تقول كل شئ، نحن قدمنا قراءة لمرحلة، وقراءة موثقة، لكن بالتأكيد ليس هذا كل ما حدث، وليست هذه كل الوثائق، ويجوز لبعض الناس رأي آخر، ويجوز نكتشف بعد سنوات وثائق آخرى مختلفة تثبت صحة ما قدمناه، أو تناقض ما قدمناه، فكما تعلم هذا تاريخ نعلم عنه الكثير، لكن لا نعلم عنه كل شئ، والأراء حتى عندما اتفقت لم تتطابق، لهذا من الصعب الإدعاء بأن هذا المسلسل أو أي مسلسل آخر سواء عن تاريخ قديم أو حديث هو الحكم والفيصل في الوقائع التى حدثت في هذه الفترة، هذا إدعاء خطير لا أملكه ولا يملكه غيري، وهذا ردا على بعض الآراء التى تحدثت عن الأخطاء في المسلسل! أما بالنسبة للاخطاء التى تتعلق بالملابس فالمسلسل لم يدع أنه آتى بالملابس الخاصة أو الحقيقية من دولاب عبدالناصر، وأعتقد أن النقد الحقيقي لا يجب ان يقف عند الملابس إلا إذا لم تكن موجودة في العصر، أو كان صاحب الشخصية لا يرتدي مثلا «كاب أو طاقية» وأنت أظهرته يرتدي هذه الملابس! وأكد أنه كان متأكدا من الهجوم علي المسلسل منذ عرض عليه المخرج عثمان أبو لبن والمؤلف محمد ناير السيناريو، فبعيد عن الموضوع الصعب والخطير الذي يناقشه العمل، هناك مشكلة تجسيد شخصية عبدالناصر، فكل شخص في العالم العربي لديه عبدالناصر الخاص به، ولو وجد أي إختلاف عن الذي في ذهنه، سيكون لديه مشكلة في العمل، لأن عبدالناصر لم يكن شخصية عابرة، فهو موجود في وجدان الناس حتى الذين يختلفون معه، وبالتالي له صورة محفورة صعب الخروج عنها، فضلا أن البعض لديه مشكلة في مسلسلات السير الذاتية، حيث يعتقد اننا سوف نقلد الشخصية، وليس هذا فقط بل سنقلدها بالمواقف التى يحبون مشاهدتها. وتابع: كنت أرغب في أن يكون الهجوم الذي طال العمل مبنيا على أسس موضوعية، وليس قائما على ثلاث أو أربع مشاهد تخص «اللكنة المصرية» ،أوعدم ملائمة لون الحذاء أو رابطة العنق للبدلة، خاصة أنهم كفريق عمل تعبوا كثيرا في فترة التحضير، واستغرقوا ساعات طويلة في النقاش في أدق التفاصيل. وأعترف سليمان أنه لم يحزن من الهجوم الذى تعرض له لأنه لم يقرأ معظمه بسبب انشغاله بتصوير العمل حتى منتصف شهر رمضان، ومعظم ما قرأه «انطباعات شخصية» وناس لم تشاهد العمل، ولكنه حزن من كلام الدكتورة هدى عبدالناصرعندما اتهمت فريق عمل المسلسل بالخيانة، وقال: أحترم عائلة الزعيم جمال عبدالناصر جدا، وكنت أتمنى أن يكونوا منفتحين ويشاهدوا المسلسل، ويجوز لو شاهدوا العمل لا يعجبهم، وهذا حقهم لأنهم مختلفون عن باقي الناس، لأن في النهاية جمال عبدالناصر هذا والدهم، والمسلسل قدم عبدالناصر الزعيم وليس الأب، وبالتالي من حقهم أن يشعروا إنني لست والدهم، أو لست شبيها به، لكن فكرة التخوين هذه ليست مقبولة على الإطلاق، لأنني كفنان وإنسان تم تسميتي على إسم جمال عبدالناصر بحكم عشق والدي له ، لا يمكن أن أقدم عملا ما مقابل فلوس الدنيا كلها بغرض تشويه انسان، أو النيل منه، بحكم انتمائي للحقيقة وابالك والشخص الذين يتهمونك فيه هو جمال عبدالناصر بكل سحره وعشق الجمهور له! وأستطرد قائلا بغضب وحزن شديدين:كفاية مآسي في حياتنا سببها خونة، وكفاية مآسي سببها التضليل، وكفاية مآسي سببها الكذب، أنا لا أساهم في هذا مهما حدث، وهناك سبب آخر أهم هو كيف أضرب بعرض الحائط مشاعر ملايين الناس التى تحب عبدالناصر والذى مازال بالنسبة لهم هو الزعيم العادل الذي أنصفهم وانتشلهم من الضياع وأدخل أولادهم وأحفادهم المدارس، والجامعات، ومستحيل أيضا أضرب بعرض الحائط مشاعر ناس تشعر ولا تزال بأهمية التضامن والوحدة العربية، لا يمكن أن أطعن في شخصية عربية سواء كان عبدالناصر أو غيره، كان لديه هذا الحلم التحرري السابق لأوانه. وأشار سليمان أن كل النجوم الذين شاركوه بطولة العمل كانوا نجوما، ووضعوا بصمة حقيقية بقدراتهم التمثيلية، من هؤلاء «باسم سمره» الذى قدم شخصية المشير عامر بمنتهى الذكاء، وقدم ببراعة شديدة أكثر من وجه للمشير، وهذه الوجوه لا يستطيع تقديمها إلا ممثل محترف وموهوب ولديه خيال، كما قدم المخرج «عثمان أبولبن» صورة رائعة، ولجأ إلى حلول بصرية بحيث يستفيد من الوثائق التاريخية القديمة، وطريقة دمجه القديم والحديث كانت جميلة، وأن يدخل مؤلف شاب مثل محمد ناير إلى هذا العالم ويسير على حقل الألغام، ويقدم رؤية تتسم بالبحث والعمق، و تقديم ما وراء الصورة والسطور هذا مهم ويستحق التقدير، نفس الأمر ينطبق على صناع المكياج الماكيير الكبير الأستاذ محمد عشوب، ومحمد عبدالحميد، وقدم صبري فواز واحدا من أحلى أدواره، كذلك ياسر الطوبجي وباقي فريق عمل المسلسل. وأعرب الفنان المحبوب عن سعادته البالغة بالبيان الذى وزعه زملائه على الجرائد والمواقع الإلكترونية يدفعون فيه عنه، مؤكدا ان هذا موقفا شهما ونبيلا منهم، وأنه فوجئ بالبيان بعد نشره، ولو كان شاهده قبل نشره كان حذف منه جملة «جمال سليمان في مهمة وطنية» لأنه هو أو زملائه لم يكونوا في مهمة وطنية ولكن مهمة فنية !