أسقف المعصرة والتبين يزور جامعة حلوان لبحث سبل التعاون    الرئيس السيسي: حجم مساحة مشروع الدلتا الجديدة يوازي مساحة 3 محافظات كبيرة    محافظ قنا يتابع الموقف التنفيذي لمشروع ترفيق مدينة الأمل    السيسي عن طريق "وادي النطرون – العلمين" ضاحكا: "فاكرين عشان نروح الساحل"    تطوير مطارات وموانئ.. مشروعات عملاقة بمحافظة البحر الأحمر لجذب السياحة والاستثمارات (صور)    جمعية رجال الأعمال المصريين: ملف الطاقة يحتل الأولوية الأولى الملحة للاقتصاد    لدعم الطلاب المبتكرين.. نائب محافظ الجيزة تشارك بفعاليات هاكثون التكنولوجيا الأول بجامعة 6 أكتوبر    الجيش الإسرائيلي يعلن سقوط طائرة مسيّرة عن بُعد في منطقة "زرعيت" تسللت من لبنان من دون وقوع إصابات    بريطانيا: حزب العمال المعارض يدعو الحكومة إلى وقف بيع الأسلحة لإسرائيل    السعودية: القضية الفلسطينية بند أساسي ومصيري في كل جهودنا الدبلوماسية    100 مليون يورو شرط رحيل أراوخو عن برشلونة    الداخلية تضبط 4 عصابات و144 سلاحا ناريا و218 كيلو مخدرات خلال يوم    حجز طالب متهم بدهس شخص أثناء عبوره الطريق في مصر الجديدة    ضبط 25 طن دقيق بحملات تموينية خلال 24 ساعة    مواعيد قطارات عيد الأضحى المبارك 2024    مركز السينما العربية يمنح جائزة الإبداع النقدي لعام 2024 للبناني نديم جرجوره والبريطاني بيتر برادشو    وزير الثقافة الفلسطيني السابق: موشي ديان هو أكبر سارق آثار في التاريخ    شعبة الأدوية توجه نداء عاجلا لمجلس الوزراء: نقص غير مسبوق في الأدوية وزيادة المهربة    ساوثجيت ينفي شائعات انتقاله لتدريب مانشستر يونايتد    البحوث الإسلامية يصدر عدد (ذي القعدة) من مجلة الأزهر مع ملف خاص عن الأشهر الحرم والحج    دعبس: لا خلاف بين فيوتشر وتامر مصطفى.. وجنش من ركائز الفريق الرئيسية    توقعات الأبراج، حظك الثلاثاء 14-5-2024، الميزان والعقرب والقوس    الأوبرا تحتفى ب«عمار الشريعي» على المسرح الكبير    موقف السولية وعبد القادر من المشاركة في نهائي إفريقيا    تداول امتحانات الترم الثاني 2024 لصفوف النقل عبر تليجرام    محافظ الإسماعيلية يناقش عددًا من المشروعات المقترح تنفيذها خلال خطة 2025/2024    طلاب أولى ثانوي بالقاهرة يؤدون امتحان التاريخ    تراجع مؤشرات البورصة المصرية في بداية تعاملات اليوم الاثنين 13 مايو 2024    وزير الإسكان يتفقد سير العمل بمشروع سد «جوليوس نيريري» الكهرومائية بتنزانيا    نيمار يقلد رونالدو بعد تتويج الهلال    تغييرات في الحكومة الروسية وإقالة وزير الدفاع.. كيف يستعد بوتين لحرب طويلة الأمد؟    جامعة الإسكندرية توقع بروتوكول تعاون مع مقاطعة صينية لإقامة مشاريع زراعية    شيخ الأزهر يزور مسجد السيدة زينب بعد الانتهاء من عمليات التجديد    فيلم «السرب» يحتفظ بصدارة قائمة إيرادات السينما    الدفاعات الجوية الروسية تدمر 16 صاروخا و35 طائرة مسيرة من أوكرانيا خلال الليل    للسيدات.. تعرفي على أعراض سرطان المبيض    اليوم.. «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية في ديرمواس ضمن «حياة كريمة»    الأرصاد الجوية : طقس حار على أغلب الأنحاء معتدل على السواحل الشمالية    الدفاع المدنى فى غزة: انتشلنا جثامين 10 شهداء من حى السلام شرق مدينة رفح    شقيقان يقتلان شابا فى مشاجرة بالسلام    اليوم.. «محلية النواب» تناقش موازنة محافظتي القاهرة والإسكندرية للعام المالي 2024/ 2025    أول تعليق من الأزهر على إعلان انضمام مصر لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام «العدل الدولية»    مبابي يستفيد من هدية استثنائية في ليلة التتويج بالدوري الفرنسي    الافتاء توضح حكم ارتداء المرأة الحجاب عند قراءة القرآن    مدحت عبد الهادي يوجه رسالة لإدارة الزمالك قبل مباراة العودة في القاهرة    عقد مناظرة بين إسلام بحيري وعبدالله رشدي حول مركز "تكوين الفكر العربي"    سيناتور أمريكي مقرب من ترامب يطالب بضرب غزة وإيران بسلاح نووي    هل يجوز التوسل بالرسول عند الدعاء.. الإفتاء تجيب    وزير التعليم: طلاب المدارس الفنية محجوزين للعمل قبل التخرج    أزهري يرد على تصريحات إسلام بحيري: أي دين يتحدثون عنه؟    لا أستطيع الوفاء بالنذر.. ماذا أفعل؟.. الإفتاء توضح الكفارة    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك أن تستجيب دعواتنا وتحقق رغباتنا وتقضي حوائجنا    بعد الخطاب الناري.. اتحاد الكرة يكشف سبب أزمة الأهلي مع حسام حسن    وزير التعليم: هناك آلية لدى الوزارة لتعيين المعلمين الجدد    بعد تعيينها بقرار جمهوري.. تفاصيل توجيهات رئيس جامعة القاهرة لعميدة التمريض    منها تخفيف الغازات والانتفاخ.. فوائد مذهلة لمضغ القرنفل (تعرف عليها)    مستقبل وطن بأشمون يكرم العمال في عيدهم | صور    وفاة أول رجل خضع لعملية زراعة كلية من خنزير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رموز مصرية : سامى خشبة
نشر في الأهرام اليومي يوم 08 - 10 - 2014

قبل بضعة أعوام وبالتحديد يوم الأربعاء الموافق25 يونيو سنة 2008 توفى فجأة الأستاذ سامى خشبة الذى يعرف الكثيرون أنه كان: رئيس هيئة المسرح (البيت الفنى للمسرح) نائب رئيس تحرير الأهرام ، المترجم، الناقد، المثقف.. ولكننى عرفتُ فيه خلال عشرين عاماً، بالإضافة لكل ماسبق
: الإنسان. ولهذا رأيتُ من المناسب أن اختتم هذه السلسلة من المقالات، بالكتابة عن الجانب الإنسانى فى حياة “سامى خشبة” باعتباره أحد الرموز الفكرية والثقافية التى أثرت حياتنا العربية المعاصرة.
وقد لاحظ بعض القراء أن المقالات السابقة تحكى وقائع حياة كاتبها، بأكثر مما تحكى عن المكتوب عنهم (محمد يسرى سلامة، نصر أبو زيد، حسن حنفى،مصطفى محمود، أبو الوفا التفتازانى) ولسوف يلاحظ هؤلاء الشئ ذاته، فى هذه المقالة الختامية. والسبب فى ذلك، حسبما ذكرت فى ابتداء الكتابة عن هؤلاء، أننى لن أذكر (معلومات) عنهم أو أقدِّم عرضاً لأعمالهم، فهذا مما يمكن الوصول إليه بسهولة فى حالة القيام بالبحث عن أى واحدٍ منهم فى محركات البحث الشهيرة، مثل”جوجل” أو غيره، لا سيما أن لهم إسهامات معروفة، و مؤلفات منشورة، ومشاركات كثيرة فى صياغة واقعنا المعاصر. وإنما أذكرُ فى هذه السلسلة الجانب الإنسانى فى حيواتهم، حسبما رأيته بنفسى عن قرب حين أسعدنى الزمانُ الشحيحُ بصحبتهم والاقتراب منهم. ومن هنا فإننى فى هذه المقالات أقصُّ من الوقائع ماكنتُ شاهداً عليه، وما كان منها دالاً على عمق الجانب الإنسانى المستتر عادةً فى حياة هؤلاء الرموز المشهورين، أو هو على الأقل مجهولٌ بالنسبة لكثيرين..
عرفتُ سامى خشبة أواخر الثمانينيات من القرن الماضى (صرنا بعد ابتداء الألفية، نؤرخ لحياتنا بالقرون!) وقد تعمقت الصلة بيننا منذ بداية التسعينيات. وخلال العشرين عاماً التالية، صار أقرب الأصدقاء بالنسبة لى أو كان فى الواقع “الأخ الأكبر” بالنسبة لى ، والمرآة الفكرية التى تنعكس عليها الذات بنصوعٍ تام. وهو آخر شخصٍ تحدثتُ معه لغتى، من دون احتياجٍ لشرح المفاهيم أو بيان معنى المفردات.
وليس من اليسير معرفة الجوانب الإنسانية من حياة سامى خشبة، لأنه نادراً ما كان يتحدث عن نفسه، وكان لا يميل إلى حكاية وقائع حياته وتفاصيل صلته بالكبار الذين نشأ بينهم: الدرينى خشبة (أبيه، مترجم الإلياذة) محمد مندور (أستاذه) لويس عوض (أستاذه وخصمه الفكرى) .. ناهيك عن زملائه فى زمن الاعتقال السياسى الناصرى، الذين هم “تقريباً” كل مثقفى مصر وأدبائهم ومفكريهم.
ولأن سامى خشبة كان صموتاً دوماً عما يخصُّه، فكثيراً ما كانت وقائع حياته تدهشنى إذا جاءت مناسبةٌ، فحكى عن شئ بسببها.. مثلاً، استشهدتُ مراتٍ فى حديثى معه بكتابات “كولن ويلسون”، فلم يعقب بشىء واستكمل الكلام كأن الأمر لا يخصه، حتى قلت له يوماً أننى قرأتُ فى المرحلة الإعدادية كل أعمال “كولن ويلسون “ المترجمة، فسألنى: هل تتذكر اسم المترجم؟ فقلت: لا ، كنتُ صغيراً ولم اهتم بذلك! فضحك، ففهمتُ أن فى الأمر شيئا! إذ كان حسبما أخبرنى يومها، هو الذى ترجم هذه الأعمال كلها، لأنه كان أيامها بصدد زواجه (من السيدة الجليلة، خيرية البشلاوى) وكان يعانى شيئاً من شظف العيش، والمكافأة التى يحصل عليها نظير الترجمة هى: مائتا جنيهٍ مصرى. فكان يترجم كتاباً ليشترى بمكافأته أثاث غرفة الطعام (السفرة) ثم كتاباً تالياً ليشترى غرفة النوم، وثالثاً لشراء غرفة الجلوس، ورابعاً لإصلاح شقة والده التى تزوَّج فيها وعاش طيلة عمره. ضحك يومها ضحكته الطيبة وهو يشير لأنحاء بيته فى “منيل الروضة” وبيت أبيه من قبله، ويقول بسخريةٍ ما معناه: أثاث هذا البيت من خيرات كولن ويلسون.. سألته: كأنك نادم على قيامك بهذه الترجمات، فما سرُّ هذا الندم؟ قال: لستُ نادماً، فهو كاتب مهم، ولكن لو كان الأمر باختيارى وليس بطلب الناشرين، لقمتُ أيامها بترجمات أخرى لفلاسفةٍ أكثر منه عمقاً.
قبل وفاته بفترة كنتُ معه فى مكتبته المنزلية، ومكتبة أبيه من قبل، وكان أيامها يراجع “بروفات” كتابه: مصطلحات فكرية.. وفى لحظةٍ، نظرتُ فى أرفف الكتب المتراصة من الأرض إلى السقف بعرض الحوائط كلها، وقلت له: من العسير الحصول على مثل هذه الطبعات الآن، ويجب عليك إهداؤها لنا فى مكتبة الإسكندرية! قال بالعامية وهو يبتسم: أول ما أموت تعال وخدها كلها.. ومات ، ولم أذهب، لأن زوجته أرسلت مكتبته كاهداءٍ لمكتبة الإسكندرية، فكانت أكثر من خمسة آلاف كتاب من الطبعات القديمة النادرة، وهى اليوم بين يدى القراء المترددين على المكتبة فى قاعة الكتب النادرة والمجموعات الخاصة.
وكان سامى خشبة فى شبابه المبكر ماركسياً، وقد اعتُقل سياسياً وهو دون العشرين من عمره، مع بقية اليساريين المصريين فى زمن “بطل العروبة” الذى أسكت كل الأصوات كيلا يرتفع صوتٌ فوق صوت المعركة، وانهزم فى كل المعارك. ولا أدرى، لماذا حدّثنى سامى خشبة عن زمن اعتقاله يوم وفاة أخته الوحيدة: سامية!.. يومها، فوجئتُ به يتصل تليفونياً ليقول لى إنه فى طريقه إلىّ من القاهرة إلى الإسكندرية، فأدركتُ أن أمراً قد وقع. قال، و كنا آونة المساء، إنه يريد أن يجلس على حافة البحر فى أى مكانٍ فذهبنا إلى “بحرى” وأمام الموج بكى كمن يرثى نفسه، ثم قال مستغرباً: كل الكائنات تحيا وتموت من دون اهتمامٍ بلحظة غيابها عن الحياة، إلا الإنسان “دايماً عامل دوشة” .
وخلال سنوات طوالٍ من المعرفة الوثيقة بسامى خشبة، لم يقع بيننا فى أىّ يومٍ أىُّ خلاف، ولم أره يوماً متكالباً على جمع المال مثل كثير من أقرانه (اليساريين) ولم أجده فى أىّ وقتٍ متساخفاً، مثل معظم الناس، من أجل الحصول على نفع مادى أو منصب. مع أنه كان يعيش حياة بسيطة الحال، وإن شئت الدقة قلت إنه كان أقرب للزهد فى المتاع الدنيوى وفى المناصب. كما كان مستقيماً فى سلوكه العام، ليس بحكم الوازع الدينى وإنما الخلقى (والبون بينهما شاسع) وإنما لأنه، حسبما كان يقول وهو يضحك: أصل أنا من برج الميزان .. كنتُ أتردَّد عليه كثيراً فى أثناء رئاسته هيئة المسرح، وفى يوم دخلت عليه إحدى المديرات من مرتديات الحجاب (كانوا ينادونها: الحاجة) لتحصل على توقيعه على بعض الأوراق فقال لها: ليس الآن. عادت “الحاجّة” بعد ساعة بالأوراق نفسها، فقال لها مثلما قال أول مرة! فتذمَّرت بلطفٍ وهى تقول: يا أستاذ سامى دى مكافآت لجان “الدفاع المدنى والحريق” لك ولنا! قال لها: عارف، وعارف كمان إن اللجنة لم تجتمع. قالت: عادى يعنى، طول عمرنا بناخد المكافآت دى.. قال ما معناه: لن أوقع، ولست متديناً مثلك يا حاجة “فلانة” لكننى لن استحلّ هذا المال، ولا أعرف كيف يمكنك أن تأخذى أجراً على عمل لم تقومى به.
يومها، خرجت السيدة “الحاجّة” غاضبةً.. وبعدها بسنواتٍ قليلة خرج “سامى خشبه” من دنياناً راضياً ، بعدما قدَّم الكثير من الإسهامات الفكرية و الثقافية التى لم يتحدّث عنه، ولم يتحدّث عنها من بعده أحدٌ. رحل عنا سامى خشبة، وبقيتُ من بعده أتذكره كثيراً فأُردِّد فى سرّى قول أمل دنقل:
كل الأحبّة يرتحلون، فترحل عن العين شيئاً فشيئاً، أفةُ هذا الوطن.
لمزيد من مقالات د.يوسف زيدان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.