الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام لا يتم الإسلام إلا به حال الاستطاعة، لقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)، وقول النبى صلى الله عليه وسلم: «بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً». فالحج واجب على كل مسلم مستطيع مرة واحدة فى العمر. والحج فى اللغة يعنى القصد مطلقًا، وفى الاصطلاح يعنى قصد مكة لأداء المناسك وعبادة الله كما أمر، استجابة لأمر الله وابتغاء رحمته ورضوانه، أو هو قصد البيت الحرام للنسك، قال قتادة: «لما أمر الله عز وجل إبراهيم عليه السلام أن يؤذن فى الناس بالحج نادى: يا أيها الناس، إن الله عز وجل بنى بيتًا فحجوه. أى فاقصدوه»؛ وقال صلى الله عليه وسلم: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» إذًن فالحج من مكفرات الذنوب يرجع المسلم بعدها بصفحة بيضاء من رب العالمين. وقد جعل الله البيت العتيق مثابة للناس وأمنًا، وأكرمه بالنسبة إلى نفسه تشريفًا وتحصينًا ومنة، وجعل زيارته والطواف به حجابًا بين العبد وبين العذاب، فهو حصن يستطيع به العبد أن يتقى عذاب الله، كما أن الحج شعيرة دينية تذكر المسلم بأبى الأنبياء سيدنا ابراهيم الخليل عليه السلام وتضحياته هو وأسرته فى سبيل إرضاء الله عز وجل «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ . فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ». كما أن الحج هو تمام الإسلام وكمال الدين؛ لاشتماله على العبادة كلها، ففيه العبادة المالية، والجسدية، والقولية، وفيه الصلاة والصدقة والكفارة والنذر والتلاوة، وفيه الذكر والدعاء وغيرها، ولا تجد عبادة من عبادات الإسلام إلا واشتمل عليها الحج؛ لذا أصبح ممثلاً لتمام الإسلام وكماله. وفى أحاديث كثيرة رغَّبَ الشارعُ فى أداء فريضة الحج، فقد روى البخارى عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الأعمال: إيمان بالله ورسوله، ثم جهاد فى سبيله، ثم حج مبرور»، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: «أيها الناس، إن الله قد فرض عليكم الحج فحُجُّوا». أما عن فضل الحج فقد جاءت أحاديث كثيرة تبين فضل الحج، منها ما رواه البخارى عن أبى هريرة أنه قال: سمعت رسول الله يقول: «من حج، فلم يرفث ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه»، وفى حديث آخر عند البخارى يقول: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة». كما أن الحج يرتفع إلى درجة أعلى من الجهاد كما ورد فى صحيح البخارى عن عائشة أنها قالت: قلت لرسول الله: «يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: «لكن أفضل من الجهاد حج مبرور»، وفيه يوم عرفة الذى قال فيه صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة». كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رَهَّبَ من ترك الحج والعمرة، وحذَّر من التقاعس عن أدائهما حال الاستطاعة المادية والبدنية فى أحاديث كثيرة وهذا ما يغفل عنه بعض المسلمين فى أوقاتنا هذه معتقدين أن الحج لكبار السن فقط . وللحج آداب عظيمة، وأخلاق قويمة، يحسن بالحاج أن يقف عليها، ويجمل به أن يأخذ بها؛ ليكون حجه كاملاً ومبرورًا، وسعيه مقبولاً ومشكوراً والتى من أهمها إخلاص النية لله تعالى، فلا يقصد به رياءً ولا سمعة، والمبادرة إلى التوبة النصوح، والتفقه فى أحكام الحج، والحرص على اصطحاب الرفقة الطيبة، وتخير النفقة الطيبة، وحفظ اللسان، وغض البصر، لقوله تعالى: «ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ» [الحج:30]، ولقوله تعالى: «فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِى الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِى الألباب»، وعليه أن يحرص على كل ما يقربه إلى ربه، ويعينه على أداء نسكه، وليحذر كل الحذر من كل ما يفسد عليه حجه، أو ينقص أجره من قول أو عمل. وعلى الحاج من أجل قبول حجه أن يلتزم بأن تكون نفقة الحج حلالاً، وقصده زيارة بيت الله وتعظيم شعائره، وأن يكون طيب النفس بالبذل والإنفاق، وترك الرفث والفسوق والجدال، وأن يكون متواضعًا مبتعدًا عن أسباب التفاخر والمخيلة فيكتب فى ديوان المتكبرين، وغيرها من الآداب التى نسأل الله تعالى للجميع قبول حجهم وغفران ذنبهم. فالحج فريضة من فرائض الدين، وركن من أركانه، ودعامة من دعائمه التى يقوم عليها، والحج شرعه الله موسمًا سنويًّا يلتقى فيه المسلمون تجمعهم غاية واحدة على أصفى العلاقات بينهم وأنقاها، ليشهدوا منافع لهم، ويذكروا الله على أكرم بقعة على وجه المعمورة، شرفها الله وهى مكةالمكرمة وعرفة وبقية الأماكن الشريفة. لمزيد من مقالات د شوقى علام