فرض الحج في السنة التاسعة من الهجرة علي الصحيح من أقوال أهل العلم, قال سبحانه وتعالي:( ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ال عمران:97, وقال جل شأنه:( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) البقرة:197( الرفث: الجماع ومقدماته الفعلية والقولية, خصوصا في حضور النساء الفسوق: جميع المعاصي, ومنها محظورات الإحرام الجدال: المماراة والمنازعة والمخاصمة, لكونها تثير الشر وتوقع العداوة والبغضاء). وروي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم: عن أبي هريرة, أنه قال: الحجاج والعمار, وفد الله إن دعوه أجابهم, وإن استغفروه غفر لهم( اخرجه ان ماجه في سننه:2892). عن أبي هريرةقال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: من حج فلم يرفث, ولم يفسق, غفر له ما تقدم من ذنبه أخرجه الترمذي في سننه:811), وعن أبي هريرة رضي عنه: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال العمرة إلي العمرة كفارة لما بينهما, والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة( أخرجه البخاري في صحيحه:1773), وعن عبدالله بن بريدة, عن أبيه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبع مائة ضعف( أخرجه الإمام أحمد في مسنده:341), وعن أبي هريرة, قال: خطبنا رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج, فحجوا( اخرجه مسلم في صحيحه:1337), وعن أبي هريرة, أن رسول الله صلي الله عليه وسلم سئل: أي العمل أفضل؟ فقال: إيمان بالله ورسوله قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور(اخرجه البخاري في صحيحه:26) * حكمة مشروعية الحج: في الحج يجتمع المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها في مكان واحد, فيتشاورون فيما فيه مصلحتهم, وفيما عليهم بالنفع العام, ويحقق لهم التقدم والرقي الذي ينشدونه. وفيه يشاهد المسلم الأماكن المقدسة التي شهدت انتصار الإسلام في أيامه الأولي, ويري موطن النبي الكريم صلي الله عليه وسلم, ويعيش فترة من الوقت في الأماكن نفسها التي عاش فيها الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم أجمعين فيستيقظ شعوره الإسلامي, ليدفعه هذا الشعور للسير في الطريق نفسه الذي سلك هؤلاء الكرام لرفع كلمة الله خفاقة علي ربوع العالمين. وفيه تتضح المساواة الإسلامية في أبهي صورها وأجلي معانيها, حيث يقف المسلمون جميعا علي صعيد واحد, وفي وقت واحد, كلهم قد أظهر ضراعة وخشوعا لله تعالي, لا فرق بين جنس وجنس, أو بين غني وفقير, ولا امتياز لفرد علي فرد. ثم هو بعد هذا كله تدريب للنفس البشرية علي العبادة الحقة, والطاعة الصادقة, لأن الحاج يترك ماله, وبيته, وأهله, وعشيرته, ويذهب إلي مكة لأداء مناسك قد لا يدرك عقله سر حكمتها, ولكنه يفعلها تقربا إلي الله تعالي, وامتثالا لأمره عز وجل, ولذلك يرجع من حجه طاهرا من الذنوب كما ولدته أمه. وهو عامل فعال لتوحيد كلمة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها, ومظهر رائع كريم من مظاهر وحدة العقيدة الإسلامية الغراء, التي تجمعهم علي الحب في الله تعالي, وتهيئ لهم فرص التعارف والتآخي, التي يحس فيها المؤمن بالصلة الوثيقة التي تربط بين المسلمين في كل مكان. ففريضة الحج ثابتة بالكتاب والسنة وبإجماع المسلمين قاطبة إجماعا قطعيا, فمن أنكر فريضة الحج فقد كفر, ومن أقر بها وتركها تهاونا فهو علي خطر, إذ كيف تطيب نفس المؤمن أن يترك الحج مع قدرته عليه بماله وبدنه, وهو يعلم انه من فرائض الإسلام وأركانه؟1 كيف يبخل بالمال علي نفسه ودينه في أداء هذه الفريضة, وهو ينفق الكثير من ماله فيما تهواه نفسه وكيف يبخل بنفسه عن التعب في الحج, وهو يرهق نفسه بالتعب في أمور دنياه الفانية؟! وكيف يتثاقل عن فريضة الحج, وهو لا يجب في العمر سوي مرة واحدة, وكيف يتراخي ويؤخر أداءه, وهو لا يدري لعله لا يستطيع الوصول اليه بعد عامه ؟!.. وقد سمع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ليمت يهوديا أو نصرانيا رجل مات ولم يحج, وجد لذلك سعة وخليت سبيله, لحجة أحجها وأنا صرورة أحب إلي من ست غزوات, أو سبع. (أخرجه الفاكهي في أخبار مكة:381/1).