لتفادى الاصابة بحالة احباط يجب ألا نبالغ فى التوقعات بشأن نتائج المباحثات الثلاثية المصرية-السودانية-الاثيوبية فى الخرطوم غدا حول سد النهضة الذى يهدد بانقاص حصة مصر من مياه النيل وذلك رغم الانفراجة التى حدثت بانعقاد قمة السيسي- ديسالين على هامش القمة الافريقية الأخيرة والنقاط السبع التى نتجت عنها. صحيح أن ما تضمنته النقاط السبع يبعث على التفاؤل الا أنها لا تضمن انهاء الخلاف بين ما ترى القاهرة أنه تأثير سلبى لسد النهضة على حقوقها التاريخية المكتسبة فى مياه النيل الذى لا نهر لديها سواه وبين وجهة النظر الاثيوبية التى أكدت مرارا أن السد لن يضر بمصالح مصر.فالتزام أديس أبابا فى البيان الصادر عن القمة بالقانون الدولى وعدم الاضرار بمصالح مصر لا يعنى أن الخلاف سينتهى قريبا لأنه لا جديد فى الأمر تقريبا.فلم تعترف اثيوبيا يوما ما بأنها تخالف القانون الدولى ببناء السد دون موافقة دولتى المصب والممر(مصر والسودان) ولا بأن ما تفعله يضر بالمصالح المصرية،وبذلك فان ما تراه مصر مخالفا للقانون الدولى واضرارا بحقوقها المائية لا تراه اثيوبيا كذلك.وهنا يمكن أن تتعثر المباحثات طويلا مالم تكن هناك ارادة قوية ورغبة حقيقية فى انهاء النزاع بسرعة بما يحقق مصلحة الطرفين.وهذا بدوره لا يحدث الا اذا وافق الطرفان على الاحتكام الى خبراء دوليين يكون لهم القول الفصل فى الخلاف حول ما يضر وما لا يضر فى مشروع السد والالتزام بتنفيذ توصياتهم،وهو ما طالبت به مصر فى المفاوضات السابقة ورفضته اثيوبيا مما أدى الى فشلها.كما أعلن وزير الرى المصرى حسام مغازى أن القاهرة ستسعى خلال مباحثات الخرطوم لحسم ثلاث نقاط أساسية هى مشاركة خبراء أجانب من جهة استشارية دولية فى المحادثات من البداية وليس فقط عند الخلاف بين خبراء الدول الثلاث كما ترى اثيوبيا،والتطمينات التى تريدها مصر بشأن سلامة جسم سد النهضة وعدم انهياره،ونظام ملء بحيرته البالغ حجمها 74 مليارم3،وهى كلها محل خلاف شديد بين البلدين.. فهل أعادت القيادة الاثيوبية فعلا النظر فى موقفها بعد اجتماع زعيمى البلدين فى مالابو عاصمة غينيا الاستوائية أم أن الرؤية ستبقى مختلفة حول ما اذا كان بناء السد بتصميمه الحالى مخالفا للقانون الدولى المنظم لاستخدام مياه الأنهار المشتركة؟.فالقانون يقضى بعدم قيام أى دولة فى حوض نهر مشترك بأى انشاءات على مجرى النهر أو فروعه أو روافده من شأنها انقاص المياه أوتأخير وصولها الى دول المصب أو الممر فيه الا بعد اخطار دول الحوض الأخرى والحصول على موافقتها.ثم من الذى يحدد ما اذا كان سد النهضة يضر بحقوق مصر المائية المكتسبة على مدى آلاف السنين..خبراء اثيوبيا صاحبة السد أم خبراء محايدون مشهود لهم بالخبرة والنزاهة يتفق عليهم البلدان؟. أما بقية نقاط البيان الرئاسى المشترك الذى اتفق الجانبان على البدء الفورى فى تنفيذه بروح من التعاون والنوايا الصادقة فليس فيها شيء قطعى يمكن المحاسبة عليه اذا لم يتم العمل به وهي: احترام مبادئ الحوار والتعاون كأساس لتحقيق المكاسب المشتركة وتجنب الاضرار ببعضهم بعضا وإقامة مشروعات إقليمية لتنمية الموارد المائية لتلبية الطلب المتزايد على المياه ومواجهة نقصها والاستئناف الفورى لعمل اللجنة الثلاثية حول سد النهضة بهدف تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية واحترام نتائج الدراسات المزمع إجراؤها خلال مختلف مراحل مشروع السد وأن تلتزم الحكومة المصرية بحوار بنّاء مع إثيوبيا يأخذ احتياجاتها التنموية وتطلعات شعبها بعين الاعتبار وأن تلتزم الدولتان بالعمل فى إطار اللجنة الثلاثية بحسن النية وفى إطار التوافق. حصة مصر الحالية من مياه النيل لا تتجاوز 55٫5 مليار متر3 ويهدد سد النهضة بانقاصها بنحو تسعة مليارات متر3 سنويا عندما يكتمل بناؤه عام 2017 اذا لم يتم الاتفاق بين البلدين على أسس تشغيله بما لا ينقص أويؤخر تدفق المياه،وتقدر وزارة الرى العجز القائم حاليا بسبب الزيادة السكانية والتوسع فى مشروعات التنمية واستصلاح الصحارى بنحو سبعة مليارات متر3 سنويا آخذة فى الزيادة.كما تناقص نصيب الفرد فى مصر من 1893 م3 سنة 1959 الى 936 م3 عام 1996 ثم الى 740 م3 عام 2007 ومن المتوقع أن يهبط الى 582 م3 سنة 2025 بسبب زيادة المساحة المنزرعة من 5٫8 مليون فدان عام 1980 الى ثمانية ملايين فدان عام 1997 وزيادة احتياجات قطاع الصناعة الى 2٫2 مليار م3 خلال الفترة نفسها متوقعا أن ترتفع الى 4,2 مليار م3 عام 2017. الخلاصة أنه لا مفر من التوصل الى اتفاق مع اثيوبيا ودول المنابع الأخرى للحفاظ على حصة مصر من مياه النيل والتعاون المشترك لانقاذ مليارات الأمتار المكعبة من المياه الفاقدة فى المستنقعات والبخر فى دول المنابع ليستفيد بها الجميع بدلا من العراك على 84 مليار م3 فقط هى التى تصل الى السودان ومصر من اجمالى 1680 مليار م3 تهطل من السماء على دول المنابع سنويا.أما مشروع نهر الكونغو فله قصة أخري. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى