لن تأتي اثيوبيا لتطرق بابنا بمبادرة طمأنة بخصوص سد النهضة- كما ينتظر مسئول كبير بوزارة الري المصرية- طالما بقيت بمنأي عن عقوبات اقتصادية وتجارية وسياسية من دول عربية وصديقة مؤثرة,بل كلما طال وقت التفاوض كانت الفرصة أكبر لاستكمال بنائه. وليس أمام مصر بعد وقف المباحثات الا اللجوء الي محكمة العدل الدولية أو مجلس الأمن لضمان الحفاظ علي حقوقها التاريخية المكتسبة من مياه النيل بعد الاتفاق مع اثيوبيا علي احالة النزاع للمحكمة وتأمين عدم اجهاض مشروع القرار اذا تقدمت بشكوي لمجلس الأمن مع القيام بتحرك دبلوماسي مكثف وسياسي علي أعلي مستوي لاستخدام كل الوسائل المتاحة لدي الدول الشقيقة والصديقة للضغط علي الحكومة الاثيوبية لمنعها من الانتقاص من حصة مصر التي ليس لها مورد مائي غير النيل. يساعدنا في ذلك أن كثيرا من فقهاء القانون يعتبرون اتفاقيات المياه الموقعة في عهد الاستعمار مثل اتفاقيات الحدود الموروثة عنه ولا يجوز تعديلها أوالغاؤها من طرف الا بموافقة الأطراف الأخري.واتفاقيات تنظيم استخدام مياه النيل كثيرة تخص مصر واثيوبيا منها ثلاث تحظر اقامة أي سد أومنشأة علي النيل الأزرق أو نهري السوباط وعطبره ينقص أويؤخر وصول مياه النيل الينا:اتفاقية1891 بين بريطانيا وايطاليا نيابة عن الدول التي كانتا تستعمرانها, واتفاقية1902 بين الحبشة وبريطانيا التي كانت تحتل مصر والسودان, واتفاقية1929 بين مصر وبريطانيا ممثلة للسودان وكينيا وأوغندا وتنزانيا استكمالا لاتفاقية.1902 وتعطي اتفاقية1929 مصر حق االفيتوب ضد أي مشروع تقيمه دول المنابع من شأنه انقاص حصتها المائية.واذا كانت اثيوبيا تعتبر اتفاقيات الحقبة الاستعمارية غير ملزمة لها بدعوي أنها وقعت رغما عنها فماذا تقول بشأن اتفاق1992 الذي وقعته بكامل ارادتها مع مصر وينص علي ألا تضر أي منهما بالأخري وعلي استخدام مياه النيل وفقا لقواعد القانون الدولي؟.كما تعهد رئيس الوزراء الاثيوبي الراحل مليس زيناوي قبل سنتين بتعديل تصميم السد اذا ثبت أنه سيضر بمصر. وتنص القواعد العامة لادارة مياه الأنهارالتي أقرها معهد القانون الدولي في وارسو عام1961 علي استغلال مياه الأنهارالمشتركة لصالح جميع دولها وعدم الحاق أي أضرار باحداها باعتبار المياه موردا مشتركا لا يخضع لسيادة منفردة لدولة بعينها.وأكد أيضا علي مبدأ الحقوق التاريخية المكتسبة في مجال الموارد المائية وعدم المساس بها,وهو ما أكدت عليه أيضا اتفاقية فيينا لعام1978 الخاصة بتوارث المعاهدات والاتفاقيات وتم تطبيقه بالفعل من جانب محكمة العدل الدولية بحكمها في نزاع مائي بين المجر وسلوفاكيا عام.1997وبناء علي ذلك من حق مصر أن تسعي لضمان ألا يتسبب سد النهضة في نقص المياه أو تأخير وصولها وألا يكون هناك أدني احتمال لانهياره بسبب شدة انحدار مجري النيل الأزرق وطبيعة التربة. فمصر تعتمد في حياتها بنسبة96% علي النيل بينما لدي اثيوبيا10 أنهار حصيلتها122 مليار متر مكعب سنويا يخرج منها الي النيل71 مليارا ويتبقي لها51 مليارا تناهز حصة مصر(55.5 مليار) بخلاف936 مليارا أمطارا. الخلافات بين مصر واثيوبيا ليست حول بناء السد في حد ذاته وانما حول كيفية متابعة تنفيذ توصيات الخبراء الدوليين لتلافي سلبياته وكذلك آليات استكمال الدراسات الفنية والبيئية الخاصة به حيث رفض الاثيوبيون اقتراحات مصرية بالاستعانة بخبراء دوليين لتحديد الأضرار ووسائل تخفيفها ولتقريب وجهات النظر بشأن ادارة وتشغيل السد للحفاظ علي حصتي مصر والسودان.واعترفت اثيوبيا بأن للسد تأثيرا محدودا علي تدفق مياه النيل الأزرق الذي يمد النيل ب75% من مياهه,لكن الخبراء يتوقعون أن يقتطع تسعة مليارات متر مكعب من حصة مصر مطلوبة لزراعة مليوني فدان محدثا نقصا غذائيا يقدر بسبعة مليارات جنيه سنويا وعجزا نسبته25% في كهرباء السد العالي.أما عن خطر انهياره فقالوا ان معامل الأمان18 درجة فقط مقارنة ب8 درجات للسد العالي وتوقعوا انهياره في غضون25 سنة. واذا استمر جمود المفاوضات فليس أمام مصر سوي المطالبة بتنفيذ القانون الدولي والسعي لدي الدول الشقيقة والصديقة للضغط علي اثيوبيا بكل ما لديها من وسائل ليس لوقف بناء السد وانما لتعديل تصميمه للحفاظ علي حقوقنا.فالسعودية مثلا لديها استثمارات تقدر ب35 مليار دولار في اثيوبيا وتستورد6% من انتاجها الوطني ويعمل بها مئات الآلاف من الاثيوبيين.أما الامارات فتشتري سنويا نصف ما تصدره اثيوبيا من اللحوم الحية والمذبوحة وتعمل علي أرضها213 شركة اثيوبية.وفي الكويت وحدها90 ألف عامل اثيوبي. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى