هذه المشاهد الفوضوية التي لم تعرفها مصر علي طول تاريخها تثير الكثير من علامات الاستفهام وتستدعي من الذاكرة تاريخا عظيما للشخصية المصرية التي كانت تقدم النموذج الأمثل للقدرة الهائلة علي وضع خط فاصل بين الحرية والفوضي واعتماد الانضباط السلوكي منهجا للتعامل علي جميع المستويات في البيت والشارع وداخل مؤسسات العمل والإنتاج. كانت أدبيات الثقافة الشعبية المصرية ترتكز إلي فهم المعني الصحيح لحدود حرية الفرد التي لاتصل إلي حد الفوضي, لأن حرية الفرد تبدأ باحترام حقوق الآخرين ومراعاة الصالح العام. ومن يقرأ تاريخ مصر بعناية يجد أن أفضل درجات الانضباط كانت تتحقق عندما يشعر الناس بأن الكل أمام القانون أي قانون سواسية وأن التعامل مع القضايا والأحداث يتم بمكيال واحد وليس بمكيالين.. لأنه ليس معقولا أن نتحدث عن الانضباط في مواقع العمل والإنتاج بينما الانضباط غائب ولا وجود له في الشوارع والحدائق والأماكن العامة. التي أصبحت أسيرة لواقع يعكس تسيبا وسلبية ولامبالاة. حيث نشهد يوميا انتهاكات وتجاوزات ومخالفات تخرق العين ورغم ذلك فإنها لاتخضع للمساءلة والحساب. وذات الصفحات المضيئة من تاريخ مصر تؤكد أن الانضباط لا يتحقق بالوعي فقط, وإنما يتحقق بالإعمال الصحيح للقانون.. وهذا الذي أقول به ليس تقليلا من أهمية الوعي وضرورة تكثيف الحملات الإعلامية الداعية لاحترام القانون والتحلي بالانضباط ولكن التجربة علمتنا في مواقع عمل عديدة أن اختصار الطريق لبلوغ الهدف الذي ننشده لن يتحقق إلا بتطبيق سيف القانون أولا بعدالة وصرامة وعلي الجميع دون استثناء وبما يعني التغييب الكامل لسياسة الحلول الوسط ولنهج المهادنة حيث لا حلول وسط ولا مهادنة مع أي خروج علي القانون! ولعل ذلك ما يدفعني إلي القول بأن الفهم الخاطيء لحرية الفرد يؤدي بالضرورة إلي حرية منفلتة تؤدي- تلقائيا- إلي تغييب الانضباط وتعميق السلوك الفوضوي الذي يهدد المجتمع بأسره. وغدا نواصل الحديث خير الكلام: الحرية هي حقك في أن تكون علي خطأ لا أن تفعل الخطأ! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله