عندما تشتعل حرارة شهور الصيف يصبح الإتجاه شمالا بحثا عن نسمه هواء ضرورة إنسانية .. ويصبح التفكير فى قضاء أجازة لبضعة أيام فى الساحل الشمالى ضرورة منطقية.. ودائما عندما أرى هذا الساحل ذو الرمال الناعمة والمياه الزرقاء الصافية التى لا مثيل لها فى العالم يدفعنى عقلى إلى التفكير فورا فى السياحة بالساحل الشمالى والتى يجب أن تكون أحد مشروعات مصر القومية فى عصر الرئيس عبدالفتاح السيسى إذا كنا نريد دعما للاقتصاد القومي.. ولا نقصد هنا مجرد الكلام عن التنمية السياحية بل نقصد خلق مجتمعات ومراكز سياحية وزراعية واقتصادية متكاملة. لقد سبق أن كتبت مقالات عديدة فى السنوات الأخيرة حول هذه القضية كان من بينها مقال عنوانه(العجمى سقط سهوا والساحل الشمالى سقط عمدا) أشرت فيه إلى أنه إذا كانت مصر قد قبلت أن يكون الساحل خاصة فى منطق العجمى حتى مارينا قد سقط فى عالم العشوائيات والغابات الأسمنتية المسماه بال(القرى السياحية) نتيجة إنشغال مصر بقضايا أخرى غير السياحة فإنه من غير المقبول أن يستمر الجزء المتبقى من الساحل من مارينا إلى مرسى مطروح بعيدا عن الإستغلال السياحى الحقيقى. هل من المعقول أن سواحل مصر الشمالية كلها على البحر المتوسط من شمال سيناء مرورا بالعريش وبورسعيد ودمياط والاسكندرية لا تستفيد مصر منها سياحيا لدعم الاقتصاد القومي؟ إن نظرة على جميع الدول المطلة على البحر المتوسط شماله وجنوبه تظهر إلى أى مدى كم أخطأنا فى حق مصر.. انظروا إلى اليونان وفرنسا وإيطاليا ولبنان وكيف تستفيد هذه الدول من ملايين السياح على شواطئها طوال العام تقريبا.. وانظروا إلى تونس ذات الصيت السياحى ماذا فعلت فى شواطئها على البحر المتوسط لقد تحولت السياحة على الساحل التونسى إلى مورد قوى للعملات الصعبة. أما نحن فى مصر فقد اضعنا الساحل الشمالى كله أقصد كل شواطئ مصر على البحر المتوسط. وإذا رجعنا إلى التاريخ يعرف أن الخواجه الإنجليزى (بيانكى) قد اكتشف روعة هذا الساحل قبل نحو 90 عاما وبنى فيلا له هناك فى الشاطئ المعروف باسمه حتى الآن بمنطقة العجمى. كان من المفروض ومن يومها أن ينتبه المصريون إلى القيمة السياحية فى الساحل الشمالى لكن لم يحدث ذلك فربما كان لهم عذرهم فقد كانت مصر مشغولة بالإحتلال الإنجليزى وبالحرب العالمية ثم جاءت ثورة يوليو والحرب مع إسرائيل إلى أن تم تحرير كل التراب المصرى بالكامل فى بداية الثمانينات. لقد سمعنا وقرأنا فى السنوات الأخيرة عن كثير من الدراسات واللجان والقرارات التى كلها تبشر باستغلال الساحل الشمالى سياحيا لكن لا شىء على أرض الواقع يحدث أبدا. كان آخر ما عرفناه فى بدايه هذا القرن أن هناك تخطيطا وتنسيقا يجرى بين عدة وزرات وجهات مصرية منها السياحة والإسكان والمجتمعات العمرانية ومحافظة مرسى مطروح وكان الكلام دائما عن أنه تم وقف تخصيص أى أراض لبناء قرى سياحية جديدة للمصريين .. وكان المسئولون يبشرون دائما بأن هناك تفكير مستمر فى إقامة مراكز سياحية كبرى بمثابة مدن سياحية فى هذه المنطقة بل كان هناك اقتراح بأن تكون هناك محافظة سياحية بإسم ( العلمين) على غرار المحافظات السياحية على البحر الأحمر لكن شيئا لم يحدث. أذكر إننى التقيت بأحد منظمى الرحلات الألمان الكبار منذ نحو خمس سنوات تقريبا وحدثنى هذا الخبير يومها عن روعة الساحل الشمالى المصرى وإستغرابه عن عدم التفكير فى إستغلاله بل أنه زار بعض القرى السياحية وفكر فى إنشاء شركة تسويق للترويج لهذا الساحل عالميا لكن تعذر ذلك لأسباب كثيرة أهمها عدم وجود مواصفات موحدة للوحدات السكنية وقال لى أيضا أنه لا بد من خلق مدن سياحية متكلملة تجذب استثمارات عالمية وتخصص الأرض فيها بالمزادات وهذه المدن السياحية تكون على غرار شرم الشيخ بل يمكن أنت تتسوق عليها. أين التخطيط؟ أين الرؤية السياحية؟ لماذا الاستمرار فى إهدار ثروة مصر بهذا الشكل. هل نحن غير قادرين على أن نستغل هذا الساحل سياحيا أين المشكلة وكيف نبدأ؟ ونحن نقول لن تكون هناك سياحة فى الساحل الشمالى إلا إذا تم وضع تخطيط لبناء عشرات الفنادق وتطوير البنية الاقتصادية وتطوير المطارات .. صحيح أن هناك بضع فنادق متناثرة فى مارينا وسيدى عبدالرحمن وغزالة وألماظة ومرسى مطروح لكن كلها لا تشكل سوى بضعة آلاف من القرى الفندقية لا تفى الغرض أبدا ولا توجد مقصدا سياحيا فمن المعروف أنه إذا كنا نريد أن نوجد مقصدا سياحيا أو مدينة سياحية على غرار شرم السيخ والغردقة فلا بد أن تتوافر الآلاف من الغرف ربما تصل إلى 30 أو 40 ألف غرفة أو أكثر يرتبط بها مطار أو مطارين دوليين ليس هذا فقط بل تكون هذه القرى على شكل مراكز وتجمعات كبرى ويكون لها ظهير سياحى بمعنى أن تكون بها خدمات ترفهية من مطاعم وكافيهات وملاعب وحياة مجتمعية متكاملة للترفيه لأن السائح لا يمكن أن يأتى من بلده ويجلس فى الفندق فقط. إن هذا الساحل الشمالى وحده يمكن أن يحقق لمصر ما تحققه السياحة المصريه كلها من مليارات الدولارات..فماذا نحن فاعلون؟ لمزيد من مقالات مصطفى النجار