لافتة جدا مسالة أننا كمسلمين فرضت علينا زكاة الفطر لتطهير صيامنا. ولافتة جدا أكثر مسألة أن يتم هذا التطهير بأن يدفع الصائم الجائع مالا للصائم الآخر الجائع. هل الهدف أن يستشعر أبناء الأمة الواحدة أنهم جسد واحد، فإذا تألم الواحد بين «الكل» شعر به «الكل» .. إذ الواحد هو الكل، والكل واحد؟ هل هذا حديث فى الدين؟ لا.. بل فى السياسة، وفى صميم السياسة. انظر من فضلك إلى هؤلاء الذين سيدفعون زكاة الفطر. من هم؟ إنهم «الكل».. كلنا سندفع زكاة الفطر. طيب.. ولمن سوف ندفعها؟ للكل. الكل يدفع للكل. الكل صاروا واحدا. أليس الله الخالق الرازق واحدا؟ وأين السياسة فى تلك القصة يا مولانا؟ .. فى المواطنة يا عم الحاج. أليست المواطنة هى أساس السياسة فى العصر الحديث؟ ويعنى إيه مواطنة لا مؤاخذة؟ مواطنة يا سيدى جاية من مواطن( سيتيزن بالإنجليزى!) ومعناها أننا جميعا سواسية أمام الدولة، لا فرق بين غنى وفقير، أو قوى وضعيف، أو رجل وامرأة، أو أبيض وأسود، أو مسلم ومسيحى ويهودى! ما هذه اللخبطة .. وهل يدفع المسيحى زكاة فطر؟ لا يا سيدى.. إنه يدفع صدقات أخرى تقررها الكنيسة، وبالتالى فالمعنى نفسه موجود. إنه وهو يدفع سوف يشعر بالآخر الفقير، وبأن الواحد جزء من الكل. وعلى أى حال فهذا ليس موضوعنا.. فلا تأخذنا أرجوك إلى المتاهات. إن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عندما فرض زكاة الفطر قال إن الكل سيدفعونها بمن فيهم الفقير نفسه، ولذلك جعلها الرسول الكريم مجرد ثمن وجبة من أوسط ما تأكلون، يعنى حاجة كدة بتاعة ثلاثة أو أربعة سندويتشات طعمية. ليس المهم كم سوف تدفع، إنما المعنى الكامن خلف هذا العطاء. ها أنت تعود بنا إلى الدين من جديد! لا ياسيدى .. مازلنا فى بحر السياسة نبحر.. وإن شئت فاسأل روحك: عندما يدفع فقير معدم زكاة فطر لفقير معدم آخر مثله، كلاهما غلبانان، وفى مركب العوز يجدفان.. فبماذا يحس؟ آه هنا مربط الفرس وبيت قصيد السياسة. إن هذا الفقير سيحس بأنه مواطن. إنه- وهو المعتاد على مد يده للأغنياء ليأخذ- ها هو يمد يده ليعطى. والحياة هكذا «أخذ وعطاء». إن صوتا بداخل الفقير سوف يصرخ فى الأغنياء: يا أستاذ «غنى» أنت تعطى وأنا أيضا مثلك أعطى. أنا إذن مواطن مثلك ولست كمالة عدد. وطبعا يمكن أن يتبجح غنى من إياهم (شبع حديثا بعد جوع) فيخرج للفقير لسانه متهكما: لا يا حلو.. إنك أعطيت فقيرا مثلك بينما أنا أعطيكما أنتما الاثنين فماذا أعطيتمانى؟ هنا تأتى السياسة لتجيب: لقد أعطيناك أصواتنا لتنجح فى الانتخابات، وأعطيناك قوة شرائية ما كنت بدونها لتبيع سلعك التى أنتجت، فكانت سوف تبور. وأعطيناك سلاما اجتماعيا وأمنا وأمانا ما كنت بدونها لتحيا مطمئنا على مالك وعرضك وعيالك. وما الغرابة فى ذلك.. ألسنا جميعا واحدا كما أن الله واحد؟ أرأيت موضوع زكاة الفطر أخذنا إلى فين؟ لا.. وهناك ما هو أكثر. إن فى الزكاة- بجانب المواطنة- ديمقراطية أيضا. أليست الديمقراطية هى أساس السياسة وإدارة شئون الدولة هذه الأيام( أو هذا ما ينبغى أن يكون ما لم يكن للبعض رأى آخر!) زكاة الفطر منتهى الديمقراطية .. كيف يعنى؟ سل روحك: هل وأنت تخرج الزكاة يرغمك على إخراجها أحد؟ أبدا. دفعت ما دفعتش أنت حر. طيب وانت رايح تصوّت فى الانتخابات هل يرغمك أحد على التصويت لمرشح بعينه؟ أبدا. وهل يرغمك أحد على الذهاب إلى الصناديق أصلا؟ أبدا. هنا قد يتبجح متبجح فيهمس: آه .. قالوا ها ندفّعكوا غرامة خمسمائة جنيه. ( يا سيدى معلهش، المسامح كريم، حكومة وغلطت، استغفر ربك وقل وأنت راض النفس: الله يسامحك يا حكومة). هل مازلت مصرا على أن زكاة الفطر دين وليست سياسة؟ إذن خذ هذه: فى إشارات المرور.. هل يتوقف الفقير وحده أمام الإشارة الحمراء دون الغنى أم أن كليهما يتوقفان؟ إنها المساواة التامة أمام القانون. أفلا يوحى لك التزامنا جميعا، فقراء وأغنياء، بأداء زكاة الفطر بمعنى قريب من هذا المعنى «المساواة»؟ .. إياك أن تسخر فتقول: وهل الفقير لديه سيارة أصلا؟ يا سيدى ربنا يرزقه ويجيب.. وفى كل الحالات سوف يدفع الزكاة! لمزيد من مقالات سمير الشحات