صندوق العزة والكرامة الذى تم تأسيسه فى مصر لصالح الفقراء، بعد الدعوة الكريمة التى تبناها الشيخ محمد حسان، فى مواجهة المعونة الأمريكية، وإصرار الشعب المصرى على الاستغناء عنها، خاصة أن أمريكا كثيراً ما تلوح بقطع هذه المعونة كوسيلة للضغط على الإدارة المصرية لتنفيذ سياساتها فى مصر والشرق الأوسط.. هذا الصندوق بلا شك هو ثمرة طيبة، ونبتة حسنة لو نمت وترعرعت، وسقاها الخيرون مما رزقهم الله سبحانه من الأموال. ولا يستطيع أحد أن يزايد على وطنية الشيخ محمد حسان وإخلاصه وحسن نواياه وحبه لوطنه، ورغبته الصادقة فى تخفيف آلام الفقراء والمحتاجين فى مصر، وتحقيق حد الكفاية لهم، وهو الحد الذى كفله الإسلام لكل من يعيش فى كنف الدولة الإسلامية.. ولكن هذا الصندوق لو ترك للتبرعات الاختيارية من الأغنياء والمحسنين وأصحاب رءوس الأموال، فلن يتوافر له رأس المال المطلوب لمواجهة الفقر فى مصر، وسد حاجة المحتاجين والمعدمين، وإن توفر رأس المال هذا العام فقد لا يتوافر فيما يأتى من أعوام. ولذلك فإنى أقترح مصدرين مهمين لتمويل هذا الصندوق، الأول هو أموال مصر المنهوبة التى نهبها وسرقها أركان النظام السابق وأذنابهم على مدى ثلاثين عاماً، فهذه الأموال فى الحقيقة هى حق لفقراء مصر، ولولا ما جرى فى مصر خلال العهد السابق من فساد وسرقة ونهب وسلب لتحسنت أحوال هؤلاء الفقراء. أما المصدر الثانى: وهو مصدر غنى بموارده، فيتمثل فى الزكاة المفروضة، التى جعلها الله حقاً للفقراء فى أموال الأغنياء، فهى ليست هبة أو صدقة يقدمها الغنى للفقير، ولكنه حق أصيل، قاتل الخليفة أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، من امتنعوا عن دفعه بعد وفاة النبي، صلى الله عليه وسلم. وهذه الفريضة الغائبة اليوم فى مصر لن تفعّل وتقوم بدورها الخيرى والتكافلى والتنموى إلا إذا قامت الدولة بتنظيمها والقيام عليها عن طريق هيبة رسمية مستقلة، تتولى جبايتها وصرفها فى مصارفها الشرعية التى حددها القرآن الكريم، بحيث تكون بعيدة عن الضرائب وعن ميزانية الدولة. والقيام على الزكاة واجب أصيل من واجبات الدولة المسلمة، ونحن هنا لا نتحدث عن صدقات تطوعية يدفعها رجال الأعمال والأغنياء للفقراء والمحتاجين، تحت مسمى أعمال البر والخير والإحسان، ولكن أتحدث عن حق هؤلاء الفقراء فى أموال الأغنياء، هذا الحق الذى حدده المالك الأصلى للمال وهو الله سبحانه، بأنصبة محددة، ودعا من استخلفهم فى هذا المال أن يدفعه أصحابه من الفقراء المساكين، طوعاً أو كرهاً. فخطاب الزكاة موجه فى القرآن الكريم إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - باعتباره الدولة الإسلامية، وإلى كل من يتولى خلافة المسلمين وحكمهم من بعده، ولذلك جاء الخطاب بلفظ «خذ»، أى أمر يأخذ الزكاة من الأغنياء، فقال تعالى: «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها»، ويوم أن كانت دولة الخلافة الإسلامية تجمع الزكاة وتوزعها من مصارفها، قاتل الخليفة أبو بكر الصديق - كما ذكرنا - من امتنعوا عن دفع الزكاة، لأن هذه النسبة التى تكون فى الغالب 2.5٪ من رأس المال، ليست حقاً لصاحب المال بل للفقراء والمساكين، ومن يمتنع عن دفعها إنما يأكل أموال الفقراء بالباطل.. وهذه حقيقة ربما لا يعلمها كثير من الأغنياء فى مصر والأمة الإسلامية. ولا يظهر الفقراء فى بلد إسلامى ويستشرى الفقر إلا نتيجة شح الأغنياء وامتناعهم عن دفع الزكاة، فالإحصائيات تقول إن زكاة الأموال فى مصر التى يجب أن يدفعها الأغنياء تصل إلى المليارات سنوياً، وأن هذه الزكوات لو أخرجت كل عام، فسوف تكفى فقراء مصر وتفيض، وستقوم بدور كبير فى ترويج الشباب والفتيات الذين يقتلهم الفقر ونار العنوسة. ولكن الذى يحدث أن أصحاب الملايين والمليارات لا يدفعون الزكاة كما حددها الله سبحانه، وإنما يدفع بعضهم بعض الصدقات وربما دون حساب، لنجد فى النهاية أن ما يدفعه لا يعد إلا قدراً يسيراً مما يجب فى ماله من زكاة. ولنأخذ مثالاً واحداً لرجل أعمال يصل رأس ماله مثلاً إلى أربعين مليار جنيه، أتدرون كم تبلغ الزكاة التى يجب أن يدفعها سنوياً؟ إنها تبلغ 2.5٪ من رأس المال هذا، أى مليار جنيه، وهذا مبلغ كبير فى موازين الفقراء والمحتاجين، فهل صاحب الأربعين ملياراً يدفع زكاة ماله كما حددها الله؟، والله الذى لا إله غيره لو دفعها، ودفعها غيره من أصحاب المليارات فى مصر، لفاضت أموال الزكاة على حاجة الفقراء والمساكين، ولما وجدنا جمعية خيرية تستجدى الناس فى الطرقات والأندية ووسائل المواصلات، لكى تجمع تبرعات بسيطة لكفالة الأيتام والإنفاق على الأرامل والفقراء. فليعلم كل غنى مسلم فى مصر وغيرها من البلدان الإسلامية، مهما بلغت ثروته، أن الزكاة بحساباتها التى حددها الله دين فى عنقه للفقراء والمساكين وحق لهم، ولا ينفع فيها الفواتير المضروبة والحسابات المزورة التى تعد خصيصاً للتهرب من الضرائب، فحسابات الزكاة وحسابات الثروة التى بين أيديكم لا ينفع فيها التزوير ولا التضليل، لأنها حسابات مع الله سبحانه وتعالى الذى لا يخفى عليه شيء فى الأرض ولا فى السماء. فاتقوا الله يا أصحاب الملايين والمليارات، ودعكم من الفتات الذى تدفعونه باسم الصدقات وأعمال البر والخير، وطهروا أموالكم وادفعوا زكاتها كما حددها الله، ولا تستكثروها على الفقراء فهم حقهم، الذى إن منعتموه عنهم فسوف تحاسبون عليه يوم القيامة، واعلموا أن فى مصر من الفقراء والمحتاجين والمضيعين والمعوزين من يقتلهم الجوع وذل الحاجة، وهم ينتظرون حقوقهم التى فرضها الله سبحانه فى أموالكم.