تعليم الفيوم يحصد 5 مراكز متقدمة على مستوى الجمهورية فى المسابقة الثقافية    «مصادرة الآلة وإلغاء مادة الضبط».. إحالة 12 طالبًا ب«آداب وأعمال الإسكندرية» للتأديب بسبب الغش (صور)    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في أول أيام عمل البنوك    أسعار البيض والفراخ فى الأقصر اليوم الأحد 19 مايو 2024    الاحتلال الإسرائيلي يرتكب 9 مجازر في اليوم ال226 للعدوان على غزة    الدفاعات الجوية الروسية تدمر 61 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليلة الماضية    قبل زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا اليوم    اليوم.. الزمالك يسعى للفوز على نهضة بركان للتتويج بالكونفيدرالية للمرة الثانية في تاريخه    بعد نشرها على «شاومينج».. «التعليم» تكشف حقيقة تداول امتحان اللغة الأجنبية في الإسكندرية    مصرع 6 أشخاص وإصابة 13 آخرين في تصادم أتوبيس على الدائري بشبرا الخيمة    كشف تفاصيل صادمة في جريمة "طفل شبرا الخيمة": تورطه في تكليف سيدة بقتل ابنها وتنفيذ جرائم أخرى    الإثنين المقبل.. إذاعة الحوار الكامل لعادل أمام مع عمرو الليثي بمناسبة عيد ميلاده    دراسة طبية تكشف عن وجود مجموعة فرعية جديدة من متحورات كورونا    ترامب: فنزويلا ستصبح أكثر أمانًا من الولايات المتحدة قريبا    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأحد 19 مايو    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    ماس كهربائي وراء حريق أكشاك الخضار بشبرا الخيمة    الأهلي ينشر صورا من وصول الفريق إلى مطار القاهرة بعد التعادل السلبي أمام الترجي    الفنان سامح يسري يحتفل بزفاف ابنته ليلى | صور    حظك اليوم وتوقعات برجك 19 مايو 2024.. مفاجأة للجوزاء ونصائح مهمة للسرطان    جانتس يطالب نتنياهو بالالتزام برؤية متفق عليها للصراع في غزة    تعرف على سعر الدولار اليوم في البنوك    ظاهرة عالمية فنية اسمها ..عادل إمام    بأسعار مخفضة.. طرح سلع غذائية جديدة على البطاقات التموينية    انخفاض أسعار الفائدة في البنوك من %27 إلى 23%.. ما حقيقة الأمر؟    خبير اقتصادي: صفقة رأس الحكمة غيرت مسار الاقتصاد المصري    رامي جمال يتصدر تريند "يوتيوب" لهذا السبب    8 مصادر لتمويل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات وفقًا للقانون (تعرف عليهم)    استهداف قوات الاحتلال بعبوة ناسفة خلال اقتحامها بلدة جنوب جنين    الخارجية الروسية: مستقبل العالم بأسرة تحدده زيارة بوتين للصين    القومي للبحوث يوجه 9 نصائح للحماية من الموجة الحارة.. تجنب التدخين    "التنظيم والإدارة" يكشف عدد المتقدمين لمسابقة وظائف معلم مساعد مادة    بوجه شاحب وصوت يملأه الانهيار. من كانت تقصد بسمة وهبة في البث المباشر عبر صفحتها الشخصية؟    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    بن حمودة: أشجع الأهلي دائما إلا ضد الترجي.. والشحات الأفضل في النادي    مع استمرار موجة الحر.. الصحة تنبه من مخاطر الإجهاد الحراري وتحذر هذه الفئات    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    باسم سمرة يكشف عن صور من كواليس شخصيته في فيلم «اللعب مع العيال»    تعزيزات عسكرية مصرية تزامنا مع اجتياح الاحتلال لمدينة رفح    رضا حجازي: التعليم قضية أمن قومي وخط الدفاع الأول عن الوطن    باقي كام يوم على الإجازة؟.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    شافها في مقطع إباحي.. تفاصيل اتهام سائق لزوجته بالزنا مع عاطل بكرداسة    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    إجراء من «كاف» ضد اثنين من لاعبي الأهلي عقب مباراة الترجي    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    رقصة على ضفاف النيل تنتهي بجثة طالب في المياه بالجيزة    أخذتُ ابني الصبي معي في الحج فهل يصح حجُّه؟.. الإفتاء تُجيب    مدافع الترجي: حظوظنا قائمة في التتويج بدوري أبطال أفريقيا أمام الأهلي    دييجو إلياس يتوج ببطولة العالم للاسكواش بعد الفوز على مصطفى عسل    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    بذور للأكل للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    وزير روسي: التبادلات السياحية مع كوريا الشمالية تكتسب شعبية أكبر    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    تعرف علي حكم وشروط الأضحية 2024.. تفاصيل    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزكاة فريضة إسلامية ونظام ربانى


الشيخ/ محمد عبد الله الخطيب
من علماء الأزهر الشريف، والعضو السابق بمكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين
للأسف الشديد استمعت إلى أحد أعضاء لجنة الدستور يتحدث عن الزكاة حديثا لا يزيد بحال من الأحوال عن فهم أمى للإسلام، فيقول فى أسباب إبعاد الزكاة أن تكون ركنا وبنودا فى الدستور ويُقلب يديه مستصغراً لها أنها عَلاقة بين الغنى والفقير ولا داعى لوضعها فى الدستور. وأقول له: إن الزكاة فريضة فرضها الله يجمعها الحاكم من الأغنياء بواسطةِ الذين أعدتهم الدولة لجمعها وتقوم الدولة فى الإسلام بتوزيعها على الفقراء وأضرب مثلاً لأسلوب حضارى راق أن تفتح الدولة بنوكا تسمى بنوك الزكاة وتتابع الأغنياء الذين لم يقوموا بإخراج الزكاة وعمل إحصائيات دقيقة لمعرفة هؤلاء الأغنياء وحصر مستحقى الزكاة فى كل مدينة حصراً أميناً وتجعل لهم بطاقات رسمية تُعطى لكل منهم ما يكفيه فى كل شهر يعيش عليه بنظام دقيق ولا مانع أن يُطلب من الأغنياء المساهمة فى رأس مال تلك البنوك حتى يكفى مستحقى الزكاة والمسألة ليست تخميناً ولقد قام المرحوم العالم الاقتصادى العظيم الدكتور/ عيسى عبده بوضع تصور لهذا الأمر فوجد أنه بتنفيذ هذه الصورة التى أشرنا إليها لا يوجد مريض ولا محتاج ولا فقير ولا ساكن قبور، بل يغتنى الجميع وتعود للمسلمين مكانتهم الاجتماعية، وينتهى الذين يمدون أيديهم وهى صورة مزرية لا تليق بالإسلام والإنسان، أما القول بأنها علاقة فردية بين الغنى والفقير فهذه أقوال نعرف أهدافها، وهى إسقاط الصفة القانونية لكل ما جاء به الإسلام، فالمسلم يصلى أو لا يصلى لا يهم، فهذه أحوال شخصية هو خُيِّر فيها، والغنى يزكى أو لا يزكى لا يهم، والقادر يذهب الحج أو لا يذهب لا يهم. فعمل أبى بكر وجهاده لمانعى الزكاة فى نظر هؤلاء كان عملاً غير صحيح، ويزعمون أنها الحرية، وجمع الرسول والصحابة ومن جاء من بعدهم للزكاة كفريضة فرضها الله عز وجل آمراً لرسوله بأخذها فقال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} واستمر الحال على هذه الصورة، رب يأمر وعباد ينفذون، ولا مجال للتلاعب.
وفى عهد عمربن عبد العزيز رضى الله عنه أخرجوا الزكاة تنفيذا لأمر الله فقال: زوجوا الشباب، وأنفقوا على الفقراء من أهل الكتاب.
لقد اتضح الآن من الفهم الصحيح للزكاة أنها إنقاذ دائم لفقراء المسلمين وغيرهم، وحياة كريمة لكل إنسان يعيش فى ظل الدولة الإسلامية العظيمة، وشأن الإسلام العظيم فى التراحم والتواصل بين الجميع.
شأن الزكاة شأن باقى العبادات الإسلامية، إنها تهدف إلى خير الإنسان فى الدنيا وسعادته فى الآخرة، هى نظام الله الذى ارتضاه سبحانه لعباده {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [سورة الإسراء].
لقد اعترف العلماء والباحثون الأجانب بما للزكاة من أثر صالح فى حياة الفرد والأمة يقول: ماسينيون "إن لدى الإسلام من الكفاية، ما يجعله يتشدد فى تحقيق فكرة المساواة، وذلك بفرض الزكاة يدفعها كل فرد لبيت المال، وهو يناهض عمليات المبادلات التى لا ضابط لها، وحبس الثروات، كما يناهض الديون الربوية، والضرائب غير المباشرة، التى تفرض على الحاجات الأولية الضرورية ويقف فى الوقت نفسه إلى جانب الملكية الفردية، ورأس المال التجارى، وبذا يحل الإسلام مرة أخرى مكانا وسطا بين نظريات الرأسمالية، ونظريات الشيوعية.
فالزكاة تكافل اجتماعى، وتعاون أخوىّ فرضها الحق سبحانه وتعالى على المسلمين وأمرهم بها، تكررت فى القرآن الكريم فى حوالى اثنتين وثلاثين آية، مقرونة بالصلاة فى بعضها، قال الله تعالى: {فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج].
ولقد أوصى رسولنا صلى الله عليه وسلم بها فى أحاديث كثيرة، منها ما روى عنه أنه قام فى الناس فقال: (يا أيها الناس، إنه أتانى من ربى فى المنام فقال لى: يا محمد، لا صلاة لمن لا زكاة له، ولا زكاة لمن لا صلاة له، مانع الزكاة فى النار والمتعدى فيها كمانعها).
وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا عندما بعثه إلى اليمن قائلا: "إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله تعالى، فإذا عرفوا الله تعالى، فأخبرهم أن الله تعالى فرض عليهم زكاة، تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فخذ منهم، وإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب".
وقد سئل بعض السلف، كم يجب من الزكاة فى مائتى درهم، فقال: أما على العوام بحكم الشرع فخمسة دراهم، وأما نحن فيجب علينا بذل الجميع، واعتبر هؤلاء الأعلام إخراج النصاب أقل درجات الواجب وأقرب إلى البخل .
من أهداف الزكاة
1 - الانتصار على النفس:
{هَا أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [سورة محمد].
إن القرآن الكريم يواجهنا بواقع حالنا، ويعالج شح النفوس بالمال، وما يبذله المسلمون ما هو إلا رصيد لهم عند ربهم، يجدونه يوم يحتاجون إلى ذرة من عمل صالح، ولذلك يبذل المسلم فى سبيل الله ولا يلتف هنا أو هناك ليأخذ أجرا من مخلوق، فأجره هناك عند ربه محفوظ، قال تعالى: {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت].
2 – التحذير من البخل:
إن اختيار الحق سبحانه لنا لحمل دعوته، وتبليغ رسالته تكريم وفضل وعطاء، فيجب أن نكون أهلا لهذا التكريم، فإن لم نحاول أن نكون أهلا لهذا الشرف، وننهض بهذه التكاليف، إن لم نفعل ذلك فإن الله يسترد ما وهب من نعمة، وما أعطى من خير {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} وإنه لإنذار شديد، لمن عرف طريق الله، وذاق حلاوة الإيمان، وأحس بفضل الله، وكرامته عند الله، كيف يسلب الإيمان من قلبه، ونور الله الذى يملأ كيانه.
إن المسلم الحق لا يمكن أبدا أن يطيق الحياة، أو يذوق طعمها، إذا طرد من كنف الله، وأبعد عن جواره، وأغلقت دونه الأبواب، والحياة يومها تصبح جحيما، عند من يتصل بربه، ثم يطبق دونه الحجاب، فلنتأمل هذا الإنذار، ولنسابق إلى أداء ما فرض الله علينا.
3 – الحض على دوام التصدق:
وإذا كانت دورة الحول، وموسم الحصاد ميعادا لاحتساب الزكاة وصرفها لمستحقيها، فإن شهر رمضان العظيم ميدان آخر لإخراج زكاة الفطر، وموسم لتقديم الفدية من أصحاب الأعذار، وإذا كانت الصدقات سنة وقربى فى كل زمان ومكان، وعند كل مناسبة فهى صدى صوت القرآن إلى نهاية الدهر.
وإذا كان القرآن قد أهاب بنا فى كل وقت، فإن أحوال إخواننا فى فلسطين وفى العراق وفى أفغانستان وفى الصومال وفى السودان لتفرض علينا أن نفكر فيهم، وأن نقتطع من أقواتنا وضروراتنا ما يدفع الغوائل عنهم، يجب أن نكون عونا لإخواننا فى كل مكان، وقد أحيط بهم من كل مكان، اليهودية والصليبية تكشر عن أنيابها اليوم وأحقادها لا تنتهى، والمؤامرات لا تقف عند حد، والفتن تشتعل نارها، وكلها مواجهة إلى المسلمين؛ فيجب شرعا أن نبذل وأن نتربى على الجهاد فى سبيل الله، وعلى حب التضحية والثبات والإخلاص والتجرد لله رب العالمين.
4- فى عالم التطبيق:
حينما أدرك أبو بكر الصديق رضى الله عنه هذه المعانى الجليلة تبرع بكل ماله، وحين سئل ماذا تركت لعيالك قال: تركت لهم الله ورسوله، وتبرع عمر رضى الله عنه بنصف ماله، وتبرع عثمان رضى الله عنه بمعظم أمواله، وتبرع عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه بثلث ماله، وكان صلى الله عليه يتبرع بكل ما كانت تصل إليه يديه، وكان فى رمضان كالريح المرسلة كرما وجودا وعطاءً.
5 – تطهير النفس:
من صفة البخل، والبخل أحد المهلكات، قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (ثلاث مهلكات، شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه) وقال تعالى: {شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} إن البخل مجبنة مزرية، تدع صاحبها بين الناس مسلاة وسخرية، وتضعه فى سجن من الحرمان مظلم الجنبات، متماسك اللبنات، وتحلّه من أولاده وأقاربه ومعارفه مكان البغض والكراهية، يستعجلون رحيله ويستبطئون حياته، ويتمنون وفاته، ولا أدرى لمن يعيش البخيل ؟ وما فائدة وجوده فى هذا الجو المشحون حوله بالذل والكراهية والضياع، وهيهات أن يصبح شجرة مديدة الظلال مشرقة الثمر والإيناع، ألا أن يصطنع الجود والسماحة والصلة والبر والتعاون بين الناس، ولا يشده إلى هذه الجداول الصافية، والمزايا السامية، إلا إذا اعتاد تقديم الزكاة وإعطاء الصدقات لا سيما فى شهر رمضان .
6 – تقديم صورة من الشكر صادقة:
وفاء لما أنعم الله به من قدرة على أداء الزكاة فى المواسم المناسبة لها، وترجمة مادية عن إحساسه بصنيع الله، وجعل يده أداة إرسال لا أداة استقبال، يد تبعث الاطمئنان والرضا، وتمسح القلق ومضاضة الانتظار عن نفوس الجوعى والمحرومين، فى شهر حرم الكل فى نهاره ما كان مباحا ومستساغا وشهيا .
7 – الوفاء بالدين قبل حلول أجله:
أدب رفيع لا يستأهله إلا من خصهم الله برضاه، وجملهم بتوفيقه، وزكاة الصوم من رمضان لها نهاية لا تصلح بعدها لسد باب الفريضة، قال الرسول الكريم صلوات الله عليه " فرض رسول الله زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهى زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهى صدقة من الصدقات" والمراد بالصلاة فى الحديث الشريف صلاة عيد الفكر، ووقت إخراجها يبتدئ من هلال رمضان، ورمضان كله وقت لها، فمن بادر بإخراجها قبل نهاية الشهر، إظهارا للرغبة فى الامتثال، وفرحا بأداء ما عليه من دين، وتخلصا مما عساه يحدث من مفاجآت الأحداث، وغوايات الشيطان، وخروجا من حرج العصيان عند التأخير، وإدخالا للسرور على نفوس الفقراء، وتطهيرا لقلوبهم من الحقد على الأغنياء والمقتدرين، ومكافحة لعوامل الخمول والكسل وتعاطفا وارتباطا بين طبقات المسلمين، وتجميعا لهم حول مائدة العيد إخوانا متحابين، لا يشغلهم فى يوم العيد إلا لقاءاتهم فى مواكب التكبير وتجمعات الصلاة، وتصافحهم فى الزيارات والطرقات باسمين هانئين .
فمن تعود التبكير فى أداء الزكاة تعود التبكير فى أداء واجباته فى مختلف شئونه الدينية، ومعاملاته الدنيوية، ومن استطاع التخلص من حب المال، وآثار حب الله عليه، وقدم الوديعة لأصحابها قبل أوانها، صار فى حياته مطبوعا بطابع الوفاء، ومثالا كريما لتعاليم الإسلام، وحسبنا فى هذا المقام حديث قدسى عن رب العزة حيث يقول "الفقراء عيالى والأغنياء وكلائى، فمن بخل بمالى على عيالى أذقته النار ولا أبالى"
ولعل بعض العلماء لم يرتكب شططا حين قال: إن الفقراء أصحاب فضل على الأغنياء حين يقبلون منهم الزكاة، لأن الزكاة ثمالات الذنوب، فإذا لم تجد هذه الثمالة، من يقطعها عن أصحابها شربوا من الماء الآسن، وعاشوا فى ضباب قاتم .
لهذا لا ينبغى لمخرجى الزكاة أن ينظروا إليها بعين المبالغة والاستعظام حتى لا يكتنفهم الزهو والعجب، والزهو مهوى الضياع، وطريق التهلكة، فما أحقهم بالتواضع، وأجدرهم بالخجل حين يقدمون للفقراء النصاب المحدود فى أقل مراتب البذل، وهم يعلمون أن من المسلمين من تبرعوا بكل ما لهم، غير تاركين لأولادهم وأهليهم شيئا، وفى مقدمتهم أبو بكر .. ويرضى الله عن عائشة، فقد جاءها يوما مائة ألف درهم فوزعتها جميعا على الفقراء، وهى يومئذ صائمة، فقالت لها أم ذرة . أما استطعت فيما أنفقت أن تشترى بدرهم لحما تفطرين عليه ؟ فقالت لو كنت ذكرتنى لفعلت .
وإذا كانت الزكاة عينية فيجب أن تكون أجود أنواعها، قال تعالى (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وقال أيضا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُوا فِيهِ) ناهيا ومحذرا من التصدق بالتالف والخبيث .
ولعل تطور أساليب الكسب، وتغير الأنظمة الحكومية، واستخدام الآلة قد غير من صفات الاستحقاق وأسقط من الحساب بعضا آخر، وأمن قسما ثالثا على عيشه ورزقه، مما جعل مخرجى الزكاة فى وضع يحملهم على الدراسة والبحث عن حالة المستحقين، ولعل أقربها إلى الرضى والقبول والثواب، أعطاء الفقراء المستقيمين الأتقياء الصادقين فى تقواهم، المخلصين فى عبادتهم، المتفرغين لتجارة الآخرة، قال الرسول صلوات الله عليه "اطعموا طعامكم الأتقياء، وأولوا معروفكم المؤمنين" وقال أيضا "لا تأكل إلا طعام تقى ولا يأكل طعامك إلا تقى"
وكذلك أعطاء أهل العلم الفقراء، لاشتغالهم بأشرف أنواع العبادة، وقد كان رسول الله صلوات الله عليه يتعهد أهل الصفة، ويكفلهم من ماله، ويقوم على خدمتهم بنفسه إجلالا لتقواهم .
ولعل أفضل المستحقين وأحقهم بعد ذلك من صان ماء وجهه عن ذل السؤال، ومنعته عزة نفسه من التسول، لا يسأل إلا ربه، ولا يشكو بثه وحزنه إلا لخالقه، قال تعالى فى أمثالهم _يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا) فأين هؤلاء المتعففون من هذه المخلوقات التى تتخذ السؤال وسيلة للكسب، وطريقا للعيش، بل جادة للادخار والإثراء، رغم تظاهرهم بالفقر وإسرافهم فى مظاهره، وقد يصبح العطاء زكاة وصلة رحم، وذلك عندما يعطى المزكى صدقة الفطر وغيرها لقريب فقير "والأقربون أولى بالمعروف"
وعلى الرغم من أن الزكاة حق معلوم، فرضه الله فى أموال الأغنياء للفقراء، دون من أو أذى، وأن إخراجها أمر لابد منه، لتطهير رأس المال من شوائب الاستثمار وأدران حب المال .
على الرغم من كل ذلك، فإنه ينبغى لمستحقى الزكاة شكر المخرجين لها، تشجيعا وتأدبا وتوثيقا لوشيجة الأخوة والحمية الإسلامية، وعملا بحديث سيد الأنام "من أسدى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تستطيعوا فادعوا لله حتى تعلموا أنكم كافأتموه" وقال أيضا "من لم يشكر الناس لم يشكر الله".
أما شكر المستحقين لربهم على ما ساقه الله إليهم على يد أبناء المسلمين فهو فى غير حاجة إلى تنبيه أو حث للقيام به، فالله الخالق الرازق، وحول وحدانيته يجب أن تتجه القلوب بالعبادة وتلهج الألسنة بالشكر على نعمائه وآلائه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.