"عيد سعيد". كانت الرسالة القصيرة التى قفزت أمامى على شاشة تليفونى المحمول فى آخر أيام شهر رمضان. وعلى الرغم من قصر الرسالة وقلة حروفها فإنها حملت الكثير من المعانى والمشاعر. فعيد الفطر هو يوم فرح وسرور وأفراح للناس فى الدنيا والآخرة. وكما جاء فى لسان العرب فإن أصل كلمة "عيد" من عاد، يعود، فقد سمى العيد لأنه يعود كل عام بشكل متجدد. ولعيد الفطر مظاهره المميزة. فالبداية تأتى بالإفطار إيذانا بنهاية شهر الصوم، ثم تأتى صلاة العيد حيث التكبير "الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد"، وتعظيم الله وذكره، والصلاة فى جماعة، وتبادل التهانى مع الأهل والأصدقاء وتنشط مظاهر صلة الرحم ويزداد الود. وينتشر تناول وتبادل تقديم الحلوى (الكحك والغريبة والبسكويت بأنواعه). ويكثر تقديم التهانى وتبادل الدعاء بالخير. والعيد يأتى مصحوبا ب"صدقة الفطر" التى تضم الفقراء والمحتاجين إلى مظلة الفرح والخير والود والرحمة التى تظلل كافة أركان المجتمع. بل وتتم قراءة الفاتحة على المقابر لإدخال الفرحة والخير على الأموات فى العالم الآخر. وكان كل ما سبق من مظاهر إيجابية يمثل مشهد عيد الفطر على مر القرون. ولكن يبدو أن هناك من يرى عيد الفطر من منظور آخر. فهناك من يترقب عودة الشياطين وإنفلاتها من أغلالها بعد انقضاء شهر رمضان المعظم. وعلى الرغم من عدم التصريح المباشر بالأمر فإن المظاهر والدلائل تشير إلى واقع مثير للقلق. فقبل أيام وساعات من فرحة عيد الفطر نجد كافة وسائل الإعلام والصحافة تشير وتتحدث عن "حالة الطوارئ.. إستقبالا للعيد"!! وهى حالات طوارئ ربما توازى فى شدتها وإحكامها ما يمكن أن يكون عليه الأمر فى حال إستقبال "هولاكو وجحافل التتار"!! فحالات الطوارئ تشمل "إنتشار القوات" مما يعنى إنتشار الآلاف من قوات الأمن وإلغاء الإجازات ووضع مرفق الإسعاف والمستشفيات فى حالة الإستعداد القصوى لإستقبال "الضحايا"!! وتنتشر عربات المطافئ إستعدادا لمواجهة "فرحة أحدهم غير المحسوبة بالعيد"!! وللحق فإن هناك من يجهزون أنفسهم للإنطلاق مع تكبيرات العيد لتنفيذ باقة هائلة من الأعمال غير المشروعة بداية من الأعمال الإرهابية المحلية أوالدولية وصولا إلى التحرش والمعاكسات والنصب والإحتيال والإتجار بالمخدرات وتعاطيها تحت شعار "كل سنة وأنت طيب" و"أهلا بالعيد"!! وعلى الصعيد المالى يتم الإعلان عن تخصيص الملايين وربما المليارات إستعداد "للعيد" أيضا! فهناك مستوى آخر من الطوارئ. فكل بيت يعانى من حالة الطوارئ الخاصة به. فمثلما تسببت طوارئ الإستهلاك فى إثقال كاهل الموازنات الحكومية بطول الأمة وعرضها إستعدادا "للعيد"، نجد أن كل بيت يمر بحالة طوارئ إستعدادا لمواجهة "إلتزامات العيد". ولا يعد الشغف والقلق الذى يعترى العاملين أثناء إنتظارهم للمرتبات أو للحوافز أو منح العيد قبل "ساعة الصفر" بخاف عن أحد. فكل خطوة يخطوها الفرد داخل بيته أو خارجه لها مدلولها المادى المالى البحت. "كل سنة وأنت طيب" عبارة طيبة ولكنها تحمل معنى واحد هو أن تضع يدك داخل جيبك وتخرجها منه وقد أمسكت بورقة مالية تقدمها للواقف أمامك تحت مسمى "العيدية". ويتكرر الأمر فى كل مكان تذهب إليه ومع كل متر تخطوه! وهناك ما يسمى بقائمة "طلبات أو إحتياجات البيت" وهو لفظ متحضر وراق لوصف "فرمان مطالب البيت"! والنتيجة المؤكدة هى تلبية ما يرد بالفرمان من مطالب "مرعبة" مثل الكحك المتميز والغريبة والبسكويت والبيتى فور ولعبة للعيل وأخرى للأمورة، وبالطبع لا يمكن إغفال باقى الإلتزامات تجاه الآخرين خاصة إذا إرتبط العيد بالتزاور. والمؤسف والمثير للشفقة فى آن أن كل منا يؤدى إلتزامه وهو على يقين بأن البائع نهبه تحت شعار"كل سنة وأنت طيب" !! ولم يكن من العجيب أن أصبحت كل فئة داخل المجتمع تضغط على الفئة الأخرى فى محاولة لإستخلاص إلتزامات العيد منها، وغالبا ما يتم ذلك بطرق غير مشروعة محفوفة بالغل والكراهية والحسد و.."كل سنة وأنت طيب". لقد حان الوقت لأن ينقى المجتمع عقله وسلوكه من شوائب الإحتفال بالعيد ليعود الإحتفال بالعيد إلى أصوله كمصدر فرح وسعادة وإبتهاج وخير حقيقى للجميع، وليكون حقا "عيدا سعيدا". وعلى الرغم "من كل شئ" لا يسعنى فى تلك الساعات الحاسمة سوى القول "عيد سعيد"! دارت تلك الأفكار فى ذهنى فنحيت تليفونى المحمول جانبا ونظرت إلى الأفق فى صمت . لمزيد من مقالات طارق الشيخ