على مدى سنوات طويلة عاش مئات العلماء والخبراء المصريين أمل أن تدخل مصر عصر التكنولوجيا النووية وتستفيد من التقنيات العلمية الحديثة لإنتاج الطاقة وتحقيق التنمية العمرانية والصناعية فى جميع ربوع الوطن. ورغم الإخفاقات المتتالية والتحديات المحلية والإقليمية التى تواجهها المنطقة فإن الأمل مازال معقودا أن تخرج مصر والمنطقة العربية من كبوتها الراهنة وتولى الاهتمام الأكبر للعلم والتكنولوجيا باعتبارهما قاطرة التنمية والثورات الصناعية. اليوم نعرض عبر هذه الصفحة آراء الخبراء والمتخصصين حول جدوى الاستثمار فى مشروع مصر لإنتاج الطاقة النووية للأغراض السلمية الذى يعد السد العالى الجديد الذى ستبنيه مصر لإنتاج الطاقة وتدعيم المشاريع التنموية والصناعية. إنه المشروع الذى درسه الخبراء لسنوات وعقود طويلة وتم تحديثه وتطويره العديد من المرات ولم يتبق الآن إلا قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى بأن نعلن البدء فى المشروع النووى المصرى. خبير الشئون النووية والطاقة: تأخرنا عقودا طويلة بسبب الإنصات لغير المتخصصين على مدار سنوات طويلة كانت للدكتور إبراهيم العسيرى خبير الشئون النووية والطاقة ومستشار وزير الكهرباء وكبير المفتشين بالوكالة الدولية للطاقة الذرية إسهامات كبيرة فى ملف مصر النووى لإنتاج الطاقة والذى تأخر تنفيذه كثيرا بسبب الإنصات لغير المتخصصين على حد تعبيره، وأن الأمل معقود اليوم على أن يصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى قرارا بالبدء فى المشروع النووى إما بالتكليف المباشر أو بالإعلان عن مناقصة عالمية لإنشاء أول محطة نووية لإنتاج الطاقة الكهربية. يوضح الدكتور العسيرى أنه فى ظل تناقص مصادر الوقود الإحفورى من غاز طبيعى وبترول، فإن إستراتيجية إنتاج الكهرباء فى مصر تتطلب الاعتماد المتزايد على الطاقة النووية, مدعومة بالتوسع فى استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة. وكما تشير الأرقام فإن حجم إنتاجنا الكلى من الطاقة الكهربائية يقدر بنحو 24 ألف ميجاوات وهو غير كاف خاصة فى ظل الحاجة لما يقارب 3 آلاف ميجا وات سنويا من الطاقة لتلبية احتياجات الصناعة والتنمية . وما تؤكده الدراسات هو أن إنتاج محطات الطاقة النووية ستسهم فى إنتاج 8 آلاف ميجاوات كحد أدنى خلال سنوات معدودة ولا يمكن بأى حال الحصول على هذا الكم الهائل من الطاقة عبر أى مصادر أخرى غير المحطات النووية. ويؤكد د. العسيرى أن إستراتيجية مصر للطاقة النووية والتى وضعها كبار العلماء على مدار سنوات طويلة لايمكن أن تكون ألعوبة فى إيد مرتعشة تغيرها وتبدل فيها تأثرا بأحداث محلية أو انقيادا لسياسات دول خارجية أو طبقا لأهواء أشخاص هنا أو هناك ليسوا متخصصين فى الطاقة النووية أو إستراتيجيات إنتاج الطاقة. فقد ساهم غير المتخصصين فى تأخير مشروع مصر النووى فى إنشاء محطات لإنتاج الطاقة نحن فى أشد الحاجة إليها فى الوقت الراهن لتلبية الاحتياج المتزايد لها للتنمية العمرانية.ففى عصر الرئيس حسنى مبارك تم إعطاء إشارة البدء لتنفيذ المشروع النووى المصرى وشرعت مصر فى أعمال تحديث الدراسات, وتعاقدت هيئة المحطات النووية مع شركة استرالية على إجراء دراسات جديدة, وشكلت هيئة المحطات النووية لجنة على مستوى علمى رفيع من خبراء الجيولوجيا، ولجنة من خبراء الزلازل، وأجرينا دراسات للمياه الجوفية، ورصدنا التيارات البحرية واتجاهات الأرصاد على مدار العام ودراسات على درجات الرطوبة وأرسلنا كل هذه الدراسات الوافية إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية التى أقرت بأن موقع الضبعة النووى أنسب موقع فى مصر والشرق الأوسط لإنشاء محطات نووية وأقرت بعدم ممانعة الوكالة لإقامة محطات نووية فى موقع الضبعة. ورغم كل هذه الدراسات ماطل متخذ القرار خلال حكم مبارك وكذلك حكم الإخوان بهدف خلق رأى عام مضاد لإقامة المشروع النووى فى موقع الضبعة.ولو تم تنفيذه فى حينه لكان لدينا الآن 8 محطات نووية اعمل منذ عام 2000 وبإجمالى قدرة كهربية تزيد على 8400 ميجاوات ولما وقعنا فى أزمة الطاقة الكهربية الحالية ولكان فى استطاعتنا الآن تصنيع محطاتنا النووية إسوة بالهندوكوريا الجنوبية واليابان وغيرهم.
وعن المواصفات الفنية للمفاعلات فقد تم الاستقرار على أن تكون من نوع مفاعلات الماء العادى المضغوط وهذا النوع من المفاعلات لم تحدث به حادث تسرب إشعاعى واحد على مستوى العالم إلى البيئة الخارجية منذ تشغيله فى الخمسينيات من القرن المضى ومن المقرر أيضا أن تكون المفاعلات من الجيل الثالث من تصميم المفاعلات وهو أحدث التصميمات العالمية وتقدر نسبة الخطر من تشغيلها أقل من واحد من العشرة مليون أى تقترب من الصفر.وكما تظهر الدراسات العلمية فإن المحطة النووية الواحدة تغطى تكاليفها فى فترة من 4 إلى 5سنوات وذلك من وفر تكلفة الوقود النووى عن الغاز الطبيعى أو البترول فى حالة رفع الدعم عن الطاقة وبالأخذ فى الاعتبار أن عمر تشغيل المحطات النووية يبلغ 60 عاما فإن هذا يغطى تكلفة المشروع بشكل كبير. وفيما يتعلق بتكلفة المشروع النووى يوضح الدكتور العسيرى أن تكلفة المفاعل الواحد تصل إلى 4 مليارات دولار تتحملها الدولة أو الشركة الموردة حيث تم وضع الاشتراطات بأن تكون 85% من مكونات المفاعل مستوردة والنسبة الباقية محلية الصنع على أن تسدد تلك المبالغ بعد تشغيل المشروع وبفترة سماح وذلك من وفر تكلفة الوقود النووى عن تكلفة الغاز الطبيعى أو البترول. علما بأن تكلفة الكيلووات ساعة من المحطات النووية أقل من جميع المصادر الأخرى بما فيها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والغاز الطبيعى والفحم والبترول فيما عدا المساقط المائية. كما أننا خلال مراحل الإنشاء سنكتسب خبرات نتيجة نقل التكنولوجيا النووية والتدريب على التصميم والإنشاء والتشغيل والصيانة، إضافة إلى زيادة مساهمة التصنيع المحلى لمكونات المفاعلات التى سيتم إنشاؤها حتى نصل إلى التصنيع الكامل لها محليا مثلما حدث فى كل من الهند و كوريا الجنوبية. ولعل مايجب إلى الإشارة إليه هو أنه يوجد حاليا 72 محطة نووية تحت الإنشاء على مستوى العالم بالإضافة إلى 435 محطة نووية تعمل وتغطى حوالى 17% من إجمالى الطاقة الكهربية المنتجة على مستوى العالم. ويؤكد الدكتور العسيرى أن محطات الطاقة النووية هى مشروع الأجيال القادمة ولصالحها ، تماما كما كان مشروع السد العالى، وكما حمى السد العالى مصر من فيضانات وسنوات قحط مياه كارثية سيحمى مشروع الطاقة النووية الوطن من نقص طاقة كارثى فى المستقبل لايمكن تعويضه بالطاقة الشمسية أو طاقة الرياح وحدهما . ولو لم يتم تنفيذ المشروع النووى فى مصر قد نضطر إلى استيراد الكهرباء من الإمارات أوأسبانيا تماما كما نستورد القمح من الخارج مع الفارق فالقمح يمكن الاحتفاظ بمخزون استراتيجى منه لعدة أشهر ولكن كيف يمكن ذلك مع استيراد الكهرباء؟! تاريخ المشروع 1954: الإعلان عن إنشاء لجنة الطاقة الذرية المصرية وقيام الاتحاد السوفيتى ببناء مفاعل نووي للأبحاث بأنشاص تم تشغيله عام 1961. 1964: أول محاولة لمصر لإقامة محطة نووية لتوليد الكهرباء بموقع برج العرب، 30كم غرب الإسكندرية. أعدت مواصفات المشروع وطرحت فى مناقصة عالمية تقدمت لها 4شركات أمريكية وألمانية بتقنيات مختلفة ومعها عروض بمحطة تحلية مياه البحر بقدرة 20 ألف متر مكعب يوميا بالإضافة إلي مصنع وقود نووي ومفاعل أبحاث بقدرة 40 ميجاوات. 1966: صدر خطاب الاعتزام لشركة أمريكية إلا أن حرب 1967 أخرت المشروع. 1971: تقدمت مصر ببحث للمؤتمر الدولى للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية بجنيف، وشمل البحث دراسة امكان ادخال محطات قوى نووية وإدماجها فى شبكة الكهرباء حتى عام 2000، وتمت صياغة البرنامج النووى المصرى طويل المدى. 1974: اتخذ القرار بالبدء فى البرنامج النووى فى ضوء نتائج الدراسات السابقة، بالشروع فى إقامة المحطة النووية الأولى بقدرة 600ميجاوات، فى سيدى كرير غرب الإسكندرية، وتم اختيار مفاعل الماء العادى المضغوط والتعاقد على خدمات الإثراء اللازمة للوقود النووى. يونيو 1974: وقعت مصر اتفاقية تخصيب اليورانيوم مع لجنة الطاقة الأمريكية، وتم الاتفاق مع الرئيس السادات على توريد محطة نووية لمصر بقدرة 600 ميجاوات لكهرباء بواسطة الشركات الأمريكية. فبراير 1975: تقدمت شركات أمريكية بعطاءاتها وشملت أيضا وحدة تجريبية لإزالة الملوحة بقدرة 20 ألف متر مكعب مياه عذبة يوميا وكان متوقعا تشغيل المحطة النووية عام 1982/1981. 1978: قبل توقيع العقد وبدء الخطوات التنفيذية للمشروع اشترطت الولاياتالمتحدة أن يكون لها حق التفتيش على جميع المنشآت والأنشطة النووية وتم رفض الشرط وتوقف المشروع وتحول موقع سيدي كرير إلى قرية سياحية ومطار ومحطة كهرباء تقليدية. 1979: وضع الرئيس السادات خطة لإنشاء 8 محطات نووية بإجمالى قدرة كهربية 8400 ميجاوات وتوصل لاتفاق مع فرنسا لتوريد أول محطتين نوويتين، وتشكلت مجموعات عمل مشتركة لعمل الدراسات لموقع الضبعة. 1981: مع بداية عصر الرئيس مبارك كان القرار بأن يتم التنفيذ من خلال مناقصة عامة وليس من خلال الأمر المباشر مع فرنسا وهو ما أخر المشروع عدة سنوات. 1982: تم التعاقد مع بيت خبرة استشاري سويسرى ووضع مواصفات محطة الضبعة. 1983: مصر تطرح مناقصة عالمية لإنشاء محطة نووية بقدرة ألف ميجاوات. 1984 - 1985: تم التفاوض مع المتناقصين وفازت ألمانيا بالمناقصة. أبريل 1986: وقوع حادث مفاعل تشيرنوبيل 1990: الرئيس مبارك يوقف المشروع دون الرجوع إلي الخبراء أو المجلس الأعلى للاستخدامات السلمية للطاقة النووية أو مجلسى الشعب والشورى. 2007: مبارك يعلن البدء ثانية فى المشروع النووي بالضبعة. أكتوبر2013: الرئيس عدلى منصور يعلن فى ذكرى حرب أكتوبر عن اعتزام الحكومة تدشين مشروع استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية ديسمبر2013: القوات المسلحة ووزارة الكهرباء تجتمع بأهالى الضبعة لتقنين أوضاعهم.