وأنا بين النعاس واليقظة.. أترقب صاحيا أو ناعسا لأعرف أذان الفجر.. جاءني مولانا عبد الرحمن الجبرتي من سحابات الغيب.. ليوقظني ويحرك بوصلة انتباهي قائلا: استيقظ يا هذا وانتبه لما أقول والليل أوشك علي الأفول.. انكم تتحدثون هذه الأيام عن الفقراء عندكم الذين ازدادوا فقرا وعوزا وأصابهم سهم رفع أسعار المحروقات فأشعل كل ما هو جميل وطيب في حياتهم.. ورفع أسعار كل شيء من رغيف الخبز إلي ركوبة الطريق إلي هدمة تستر عورة ولقمة تسد جوعه.. اعلم يا هذا اننا حتي في أيام هجمة الفرنجة علينا بقيادة بونابرتة.. كان الفقراء في نن أعيننا لم ننسهم أبدا.! قلت له محتجا: هل نزلت إليّ من عالم الغيب لكي تغيظني أو تفرسني كما أنا مفروس خلقة مما أصاب فقراء قومي وأنا منهم في لقمة العيش والجري والرمح وراء اللقمة الحلال في زمن المحال؟ قال: كلا وألف كلا يا فتي الفتيان.. دعني أقرأ عليك ما جاء في رزنامة المصروفات للدولة المصرية من أيام دخول الفرنجة مصر عام 8971 بقيادة بونابرتة.. وهذه الصفحة منزوعة من محفظة المالية لدولة مصر أيام الحملة الفرنسية وما بعدها.. قلت له وأنا أفرك عيني من النعاس وقد استيقظت تماما: هات ما عندك يا سيد المؤرخين؟ قال: إليك قائمة مصروفات مصر: 1 يمنح من الميري نقدا: 31 مليونا و901 آلاف مريني.. إلي الدراويش والغلابة ومعدومي الدخل والعجزة.. أقاطعه بقولي: وما هو هذا المريني.. عملة فرنسية أم عربية؟ قال: المريني عملة كانت متداولة في مصر.. وهو يساوي ثلاثة فرنكات فرنسية في زمن الحملة الفرنسية+ 3 ملايين مريني للأرامل والأيتام+ أما فقراء الجامع الأزهر فقد كانوا ينفقون جراية دائمة قوامها الأرز والعسل.. بما قيمته 02 ألفا و984 مريني.. ولعلمك يا عزيزي كان يتولي توزيع هذه الإعانات الحكومية نحو عشرة من الموظفين المعتمدين.. قلت في نفسي دون صوت: يعني الفقير الغلبان أيام الحملة الفرنسية وما قبلها وما بعدها كانت الدولة المصرية ترعاه وتحتضن آلامه في صدرها.. يا سلام سلم! ........... ........... قبل أن يفارقنا مولانا الجبرتي أمسكت بذراعه وقلت له: لكن الدولة المصرية الآن لم تقصر في حق الغلابة ومحدودي الدخل.. ويكفي انها تدعمهم في السراء والضراء ب 141 مليار جنيه دعما للسلع والمشتريات ومستلزمات الحياة من أرز ودقيق وسكر وزيت وشاي ولحوم وأسماك ومحروقات أيضا.. وآن الأوان لكي تخفف من أعباء هذا الرقم المذهل 141 مليار جنيه كل سنة تصوروا! بل أن 76% من هذا الدعم لا يصل إلي مستحقيه الحقيقيين.. ويبتلعه الأغنياء القادرون في جوفهم! هل تتصور يا شيخ المؤرخين أن مصروف الدولة المصرية 005 مليون جنيه كل طلعة شمس علي الدعم وحده.. ويذهب 76% منه إلي غير مستحقيه! يتكلم عمنا ومولانا الجبرتي بعد أن أزاح عمته الخضراء وأمسك بيديه مروحة يدوية راح يجلب بها الهواء إلي وجهه المنتفخ والذي يتصبب عرقا: لماذا لا يأخذ رئيسكم المنتخب الفتي الهمام والقائد الضرغام عبد الفتاح السيسي من الأغنياء ويعطي الفقراء؟ قلت: لقد فعل بالفعل.. جلس مع رجال الأعمال جلسة عمل وأخذ منهم خمسة مليارات جنيه دعما لميزانية مصر! فقاطعني عمنا الجبرتي بقوله: لا تكفي يا عزيزي أنتم بلد مديون مديون مديون إلي يوم القيامة.. ديون لنادي باريس بالعملات الصعبة وديون داخلية للبنك المركزي المصري بمليارات الجنيهات مين يسددها.. الناس الغلابة في مصر.. عم عطوه وعم بلال وعم علان والست أم الخير التي تجري علي قوت خمس عيال بعد أن خرج بعلها أي زوجها من الدار ولم يعد؟ قلت له: تصور نحن في مصر نأخذ من الغلابة ونعطي الموسرين القادرين؟ يسألني بلهفة: إزاي وحياة أبوك؟ قلت: لأن 43% فقط من الدعم يصل إلي الغلابة بينما يستفيد منه الأغنياء والموسرون وحدهم.. هل هذا معقول؟ ............ ............ مولانا الجبرتي يبل ريقه بكوب قمر الدين قبل أن يؤذن المؤذنون من فوق أكثر من ألف مئذنة في القاهرة وحدها لأذان الفجر.. ويقول لي: لقد كان رجل الأعمال فريد خميس شجاعا عندما قال: رفع أسعار الطاقة عندكم أفضل من إعلان إفلاس الدولة المصرية الذي كان وشيكا! قلت: نفس ما قاله فاروق العقده عندما قال إن رفع الدعم لم يكن له بديل! ولكن كما نعلم أن خريطة الفقر في مصر قد طالت واستطالت.. حتي طالت نحو 93% من الشعب المصري حسب آخر الاحصائيات.. بعد أن كان ترمومتر الفقر لا يتعدي درجة 23.. يعني 23% من الشعب المصري تحت خط الفقر.. هل هذا معقول يا سيد الفتيان؟ قلت: آن الأوان لكي نأخذ من الأغنياء لكي نعطي الفقراء؟ قال: ألم يعدنا رئيسكم الذي يجلس علي كرسي الحكم الآن.. بأن تقوم الدول العربية بعقد مؤتمر للمانحين.. لكي تقف مصر مرة أخري علي قدميها؟ أنا أعرف أن اخواننا العرب فى المملكة العربية السعودية وفى دولة الإمارات وفى الكويت وعدونا.. وقد ساعدونا كثيرا وبقى أن يكملوا جميلهم؟ قلت: لقد وقفت هذه الدول إلى جانب مصر ومدت يد العون إلينا.. ولكن بصراحة.. لا أحب أن يتم عقد مؤتمر عربى للمانحين لإنقاذ مصر.. ليقدموا مشروعاتهم التى تفتح بيوتا وتشغل شبابا وتصب فى موارد الدولة المصرية.. أهلا بكل هذا.. لكن مصر لن تمد يدها إلى أحد.. لا تقبل هبات من أحد.. لكن تقبل مشروعات تفتح بيوتا وتعمر مدنا.. تقبل شراكة حقيقية، إخواننا العرب بالمال.. ونحن بالرجال والعقول المتفتحة والآمال العريضة. يصفق عمنا الجبرتى لما أقول ويضيف من عنده: دعنى أنعش ذاكرتك ياعزيزى بما حدث على أيامى.. قبل 225 سنة بالضبط.. عندما طلب نابليون بونابرت من مشايخ الأزهر وفى مقدمتهم عمر مكرم أن يضيف إلى الجامع الأزهر أروقة جديدة ويحوله من جامع إلى جامعة على غرار جامعات الغرب.. ولكن مشايخ الأزهر غضبوا وأعلنوا رفضهم المشروع المشبوه الذى كانوا يريدون به أن يحولوا الأزهر الشريف إلى مسخة عصرية! أسأله: وماذا فعل نابليون؟ قال: تراجع وقال لرجاله ابعدوا عيونكم عن الأزهر.. أما كفاكم أن دخلتم بخيولكم ساحته؟........................ ........................ نبهنى مولانا الجبرتى: وأنا تائه سارح فى ملكوت الله وأذان الفجر يهز كيانى كله.. ألا يكفى أنه خارج من مئذنة جامع الحسين شهيد كربلاء وابن على بن أبى طالب كرم الله وجهه.. إلى ما قرأه فى إحدى الصحف المصرية وأظنها صحيفة التحرير.. من أن نحو 40 فى المائة من حصيلة صندوق دعم مصر الذى أنشأه عبدالفتاح السيسى رئيس مصر الآن.. قد تبرع به ودفعه عن طيب خاطر مواطنون مصريون عاديون من أمثالى وأمثالك.. دفع كل واحد منهم عشرة جنيهات لا أكثر باجمالى حتى الآن نحو 400 مليون جنيه! قلت: تانى الغلابة برضه هم الذين يحلون مشكلات مصر! قال مولانا الجبرتى: دعنى أنعش ذاكرتك.. ألم يعدنا رئيسنا وسيد القوم فينا.. فى أثناء حملته الانتخابية قبل انتخابه وبعدها أيضا.. بأن يحصل لمصر على 100 مليار جنيه لصندوق دعم مصر.. وكل ما دفعه رجال الأعمال حتى الآن لا يتجاوز المليارات الخمسة.. ده غير ما دفعه الغلابة من دم قلبهم؟ قلت: هذا الصندوق لم يدخل فيه حتى الآن ما سوف تدفعه دول عربية شقيقة مثل المملكة السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة ودولة الكويت. قال: لو أن كل صاحب دخل ثابت أول كل شهر تبرع ولو بجنيه واحد لصندوق دعم مصر.. لاستطعنا من خلال عام أو عامين أن نرفع رقم ما فى صندوق دعم مصر إلى أرقام فلكية! قلت له: ياعمنا يا مؤرخ مصر العظيم.. الناس بتدور على لقمة عيشها.. قزازة زيت.. كيلو سكر، كيلو رز، كيلو لحمة ولو مستوردة، الغلابة ياعزيرى موش هيسددوا ديون مصر ويدعموا مصر وحدهم، الأغنياء هذا دورهم الآن! ........................... ........................... صلينا الفجر ودعونا وابتهلنا إلى الله أن يصون مصر كما صانها عبر مشوار طوله أكثر من خمسة آلاف عام حتى الآن.. قبل أن نفترق قال لى مولانا عبدالرحمن الجبرتى مؤرخ مصر أيام الحملة الفرنسية وأيام صعود نجم محمد على حتى تولى باسم الشعب وبدعم الشعب كرسى مصر العظيمة: فيه حاجة عاوز أقولها لك وخصوصا كما اعلم انك صديق لكبار الفنانبن فى مصر. قلت: لدينا فنانون عظام يضعون مصر فى صدورهم مكان القلب.. من أمثال: عادل امام ومحمود عبدالعزيز ويحيى الفخرانى.. ماذا نريد منهم ياترى؟ قال: ألست قريبا منهم بالقدر الذى يسمح لك بأن تطلب منهم أن يقدموا دعما لصندوق دعم مصر.. وأنا أعرف أن كل واحد منهم ينال أجرا من مسلسلاته يتراوج بين 40 مليونا و20 مليونا.. كما سمعت؟ قلت: لقد تبرع الممثل العالمى ليوناردو دى كابريو بمبلغ 7 ملايين جنيه استرلينى لحملة إنقاذ الأسود فى غابات إفريقيا.. وتبرعت انجلينا جولى الممثلة الأمريكية الجميلة بملايين الدولارات لإنقاذ الأطفال الذين شردتهم الحرب فى سوريا. وأنا شخصيا قريب من اثنين، من الثلاثة هما. عادل إمام ومحمود عبدالعزيز.. ولكن ليس بالدرجة التى تسمح لى بأن أطلب من أى منهما بالتبرع لصندوق دعم مصر.. هذا شئ ينبع من داخل الانسان.. لا أحد يطلبه منه.. بل نفسه يسارع إن أراد بالمساهمة فى إنقاذ البلد الذى صنعه وأحبه أهله ورفعوه إلى أعلى درجات الفن والحب والحياة. ......................... ......................... أيها السادة.. ليس بالأغانى والأناشيد وحكايات الحب والهيام ننقذ مصر.. لقد امتلأ صندوق دعم مصر عن آخره بقصائد الحب وأغانى الحب.. وحان الوقت لكى نقدم لمصر أمنا ما هو أكثر من كلمات الحب.. فهل نقدر؟{ لمزيد من مقالات عزت السعدنى