فى الماضى القريب كنا نشكو دوما من افتقاد المجتمع المصرى ثقافة الاعتذار واحترام آدمية البشر، فكم من جرائم ومآس متتالية وقعت دون أن يكترث أى مسئول كبيرا كان أو صغيرا بالتوقف عندها ومحاولة التخفيف عن المتضررين منها وإشعارهم بأن هناك من يهتم بهم وببؤس حالهم. ما سبق يعد مدخلا ضروريا للتوقف عند دلالات ورسائل زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى ضحية التحرش فى ميدان التحرير فى المستشفى، واعتذاره لها ولكل سيدة مصرية، وهى خطوة غير مسبوقة من قبل الجالس على قمة السلطة فى مصر، خصوصا إذا وضعنا فى اعتبارنا أنه لم يمض على توليه الرئاسة سوى أيام قليلة. أولى هذه الرسائل المهمة أن الدولة انطلاقا من دورها فى المحافظة على كيان المجتمع وثوابته لن تسمح تحت أى ظرف بتكرار مثل هذه الحوادث البشعة التى تتعارض مع قيمنا الدينية والاجتماعية، وأن وسيلتها فى إنجاز هذا الهدف الحيوى ستكون بتطبيق القانون بحسم وحزم وعدم التهاون مع المخالفين له، وأن التنفيذ الصارم له سوف يشكل الحائط الآمن الذى يستند إليه جميع أفراد المجتمع. أما الرسالة الثانية فهى أن مصر بدأت مرحلة جديدة أساسها الجدية والصرامة لتحقيق أهداف ثورتى 25 يناير و30 يونيو فى العدالة والكرامة الإنسانية، وليس أدل على ذلك من توجيه الرئيس السيسى اعتذاره للمجتمع بأسره بمختلف فئاته التى ترغب فى الإحساس بأن الدولة فى أعلى مستوياتها تضعها فى تقديراتها وحساباتها الآنية والمستقبلية، وهو ما كانت تأمله لعقود متتابعة، وأن كرامة المواطن مصونة. الرسالة الثالثة أن العدالة البطيئة تشكل خطرا داهما، إذ أن الضرورة فى بعض الأحيان تحتم معاقبة المخطئ والمتجاوز فى حق المجتمع بأسرع ما يمكن لكى يكون عبرة لكل من يفكر فى انتهاك القانون والاستهانة به، وهذا لا يعنى أن الغرض من العدالة الناجزة هو غلق ملفات القضايا التى تحظى باهتمام جماهيرى أو إرضاء الناس باصدار أحكام مشددة، وإنما أن تأخذ الإجراءات مسارها الطبيعى مع الاسراع بوتيرتها ومحاسبة من يثبت ادانته وتبرئة ساحة المظلوم. الرسالة الرابعة إن مؤسسات الدولة من قضاء واعلام عليها الاضطلاع بدورها فى حماية ثوابت المجتمع وعاداته وتقاليده وليس هدمها بممارسات تعد فى حد ذاتها شكلا من أشكال التحرش الذى يحاربه الجميع وينتقده بشدة، فبعض وسائل الإعلام مثلا تمارس التحرش اللفظى من خلال الإساءة للناس، والطعن فى سمعتهم بدون حسيب أو رقيب. يحدث هذا دون أن تتحرك الجهات المعنية لتصحيح تلك الأوضاع الخاطئة، فكثير من المؤسسات الإعلامية لا يشغلها سوى إثارة فرقعات فى قنواتها الفضائية وصحفها لجذب المواطنين لمتابعتها، ثم التباهى بأنها تحظى باكبر نسبة متابعة من الجمهور، بينما تصمت النقابات المعنية عن اتخاذ إجراءات قابلة للتنفيذ لوقف تلك الممارسات . الرسالة الخامسة أن الشرطة عليها التصرف بقدر أكبر من الحزم لدى تعاملها مع الخارجين على القانون والذين يستهينون بالجوانب الاخلاقية والقيمية، والشدة المستهدفة لا يجب ترجمتها على أنها رخصة بفعل ما تريده دون ضوابط وكوابح، كلا بل أن تفعل ذلك فى إطار قانونى وهو ما يضمن عدم حدوث انتهاكات من قبل الأجهزة الأمنية، وتقلل من أحاديث وشائعات التعذيب فى السجون وأقسام الشرطة. الرسالة السادسة والأخيرة أن الدولة عادت وبقوة وستكون حاضرة فى المشهد لتصحيح الأخطاء تباعا، وأنه قد ولى زمن الانفلات والقفز فوق القانون، وأن سياسة الثواب والعقاب ستصبح شعار الفترة المقبلة. لمزيد من مقالات رأى الاهرام