لا شك أن البطانة الصالحة هى منَّة من الله تعالى لأى حاكم، وأنها من علامات توفيق الله له، فقد جاء فى سنن النسائى فى الحديث الذي روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ولي منكم عملا، فأراد الله به خيرا، جعل له وزيرا صالحا، إن نسي ذكّره، وإن ذكر أعانه". كذلك فإن النبى صلى الله عليه وسلم قد بيَّن أمر البطانتين، فقد جاء فى صحيح البخارى عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه. فالمعصوم من عصم الله تعالى"، وفي رواية فى سنن النسائى عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من والٍ إلا وله بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالا، فمن وُقي شرها فقد وُقي، وهو من التي تغلب عليه منهما". والبطانة –كما قال ابن حجر فى فتح الباري- هى "الدخلاء، جمع دخيل، وهو الذي يدخل على الرئيس في مكان خلوته، ويفضي إليه بسره، ويصدقه فيما يخبره به مما يخفى عليه من أمر رعيته، ويعمل بمقتضاه"، وبطانة السوء توجه الحاكم إلى كل ما فيه شر وفساد، وتمنعه من رؤية الحقيقة وتزين له الباطل، وتشجع الظالم على الاستمرار في ظلمه وتزين له سبل له توسيع دائرة الظلم والفساد، بينما لا تقود البطانة الصالحة الحاكم إلا إلى كل ما فيه خير البلاد والعباد، فتذكره بالله، وتنصحه وتأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر "بالضوابط الشرعية لنصح الحكام". لذلك فلن تجد حاكما شهد له التاريخ بالعدل والحكمة إلا وستجد أنه قد أحاط نفسه ببطانة صالحة، والمثل على ذلك الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، فإنه لما ولي الخلافة دعا إليه سالم بن عبدالله بن عمر، ومحمد بن كعب ورجاء بن حيوة فقال لهم: إني ابتليت بهذا البلاء فاشيروا عليَّ. فقال سالم: إن أردت النجاة غدا فصم الدنيا واجعل إفطارك منها الموت. وقال محمد بن كعب: إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المسلمين عندك أبا وأوسطهم أخا وأصغرهم ولدا، فوقِّر أباك وأكرم أخاك، وتحنن ولدك. وقال رجاء بن حيوة: إن أردت النجاة فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك ثم مت إذا شئت"، فهكذا تنصح البطانة الصالحة الحاكم. بينما لن تجد حاكما أفسد الأحوال إلا ومعه بطانة فاسدة تكون سببا فى ظلمه بل وفى هلاكه أو زوال ملكه، فقد جاء فى تفسير القرطبى أنه كان من أسباب تدمير ملك فرعون وزيرُه هامان: "قيل: إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان، فشاور هامان فقال: لا تفعل، بعد أن كنتَ مالكاً تصير مملوكاً، وبعد أن كنت رباً تصير مربوباً". ولهذا قال أبو حازم، التابعي الكبير، عندما حاول أحد بطانة الخليفة سليمان بن عبد الملك أن يصده عن نصح سليمان: "اسكت، إنما أهلك فرعونَ هامانُ وهامانَ فرعونُ". كذلك كان أحمد بن أبى دؤاد أحد أسباب فساد وظلم الخليفة المأمون لأهل السنة وانحرافه عن العقيدة السليمة، وأيضا كان الرافضى ابن العلقمى وزير الخليفة العباسي المستعصم بالله سببا فى فساده الذى أدى فى النهاية إلى اجتياح التتار لبغداد. فاللهم رب الأرض والسموات وفق حاكمنا إلى اختيار البطانة الصالحة التى تكون عونا له فى الحق والعدل، وباعد بينه وبين بطانة السوء.. إنك ولى ذلك والقادر عليه. لمزيد من مقالات عماد عبد الراضى