فى ظل ما يشهده المجتمع من انفلات دعوى وتضارب فى الفتاوى، وبروز تيارات متشددة تكفر وتستبيح الدماء باسم الدين، جاءت مبادرة الأزهر الشريف بإرسال قوافل دعوية الى جميع المحافظات، وصياغة خطاب دعوى جديد يتناول القضايا الدينية المختلفة، بأسلوب موضوعى ومنهجية علمية تركز على منهج الدعوة الوسطى المستنير. وأكد العلماء أن المرحلة الراهنة تحتاج إلى خطاب دعوى يجمع ولا يفرق ويدعو إلى التعاون والمحبة بين جميع أبناء الشعب، وتغليب المصلحة العامة، وتخطى العقبات التى تعترض مسيرة الدعوة، ومن أبرزها انتشار التعصب والتشدد والغلو والانتماءات السياسية والأيديولوجية. وعرض حقائق الإسلام عرضا موضوعيا يبين الرؤية الصحيحة التى جاء بها النبى صلى الله عليه وسلم- وطبقها عمليا وفهمها الصحابة رضوان الله عليهم- والذى ورد فى القرآن على لسانه الشريف صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى: «قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني...». أولويات الخطاب الديني وحول مبادرة الأزهر الشريف والمنهج الدعوى الذى تتبناه القوافل التى انتشرت بالمحافظات يقول الشيخ محمد زكى أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، أن أولويات الخطاب الدينى فى هذه المرحلة الحرجة، ترتكز على التعاطى مع الأزمات والأحداث المتغيرة والسريعة، ويتمثل ذلك فى عدة نقاط منها: إيقاظ الوعى فى الأمة، وتأصيل وحفظ مقاصد الشريعة، وتوفير الأمن، وتأكيد ما يجمعنا ولا يفرقنا، ودرء الفتن الطائفية بين المسلمين والأقباط، وتأصيل قيمة العلم فى بناء النهضة، وتأصيل قيمة العمل، وربط القضايا التنموية بالخطاب الديني، وصيانة حقوق الإنسان وتحريم انتهاكها، والتطرق إلى هموم الناسِ ومشكلاتهم، وصناعة الأمل فى الأمة والقضاء على اليأس الذى يتسرب إلى نفوس بعض الناس، ونشر ثقافة الحب. وطالب الأئمة والدعاة بالتركيز فى خطابهم الدعوى على التحذير من الشقاق والاختلاف والتعصب والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، والمحافظة على مصر الدولة والشعب والتاريخ من السقوط ، وان يدرك الجميع أن أعداء الأمة يتربصون بها من كل جانب وأن أولادنا وأحفادنا سوف يحاسبوننا على تفريطنا فى مستقبلهم بتخاذلنا فى الحفاظ على وطنهم . العقبات وآليات النجاح وأضاف: أنه لابد من وجود رؤية للتواصل مع الأئمة من قريب أو بعيد واتخاذ خطوات فعلية للاهتمام بالقائم على الخطابة من الناحية الصحية والتثقيفية، ووضع الحلول للعقبات التى تعترض مسيرة الدعوة، وانتشار روح التعصب والتشدد والغلو، وأيضا الانتماءات السياسية والأيديولوجية، ومعالجة الصور الذهنية السلبية الموجودة فى عقول بعض الناس والتى تمنعهم من الاستجابة للحق، فالإسلام يربأ بالمسلمين وينأى بهم عن هذا التعصب والتشدد ويدعوهم إلى السلام والوئام وعدم إصدار الأحكام الجزافية على الناس دون دليل أو برهان، وبفضل الله نتخطى هذه العقبات من خلال نصوص القرآن الكريم. كما يرى الشيخ محمد زكى أن أدوات نجاح الخطاب الدينى يجب ان ترتكز على عرض حقائق الإسلام عرضا موضوعيا يبين الرؤية الصحيحة التى جاء بها النبى صلى الله عليه وسلم- وطبقها عمليا وفهمها الصحابة رضوان الله عليهم- فإننا لو أحسنا عرض الإسلام بالمنهج الصحيح الذى جاء به النبى صلى الله عليه وسلم- الذى ورد فى القرآن على لسانه الشريف صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى »قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني...« (سورة يوسف)، فنحن بحاجة إلى عرض مفاهيم الإسلام عرضا موضوعيا صحيحا حتى تكون الدعوة خالصة لله تعالى، تتوخى الإصلاح بين الناس، قال تعالى: »إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب«، ونحن فى هذه المرحلة الراهنة نحتاج إلى خطاب دعوى يجمع ولا يفرق ويدعو إلى التعاون والمحبة بين جميع أبناء الشعب، ويدعو إلى تغليب المصلحة العامة، حيث إن مصلحة مصر فوق الجميع، وإننا سنسأل يوم القيامة عن كل ما بدر منا وعن مواقفنا وعن بواعث مواقفنا، فليتق الله الجميع فى مصر. من جانبه يقول الدكتور رمضان عبدالعزيز عطاالله، أستاذ قسم التفسير بجامعة الأزهر، إن الخطاب الدينى يلعب دورا مهما فى تشكيل ثقافة المجتمع، ويتنوع ما بين المتشدد والوسطي، ولكل واحد منهما مدرسته، ولكن يأتى الخطاب الذى يتميز بالوسطية ليكون له الأولوية، فى هذه المرحلة التى تحتاجها الأمة، فهذا الخطاب يسهم فى عدة محاور منها: تحقيق أمن المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ، ويجب أن يكون الخطاب الدينى الآن حاملاً للفكر الوسطى بفهم الأزهر من خلال الفكر الأزهرى المستنير الذى يقوم على الكتاب والسنة وحسن التأمل والتدبر فى نصوص الكتاب والسنة، حيث إن المجتمع المصرى خاصة، والمجتمعات الإسلامية بصفة عامة بحاجة إلى فهم الدين فهما صحيحا لاسيما فى هذه المرحلة التى انتشر فيها الغلو والتشدد ومحاولات الخروج عن وسطية وسماحة وإنسانية الإسلام. وأوضح أن الإمام الأكبر ركز خلال الفترة الماضية على إرسال قوافل علماء الأزهر، وهى بداية جديدة لإعادة روح السماحة والوسطية من خلال طرح الموضوعات الدعوية التى يحتاجها الناس فى هذه المرحلة الراهنة، خاصة بعد أن تعرض المجتمع المصرى لهزات شديدة أدت إلى نوع من الانقسامات والتصنيفات وإصدار الأحكام جزافا على الناس إزاء هذه الحالة، فكان على الأزهر الشريف أن يعيد الأمور إلى نصابها من خلال نشر مفاهيم الوسطية والقيم الإنسانية العليا، والخطاب الدينى الجديد الذى يقرب الناس ويجمعهم ولا يفرقهم، وذلك من خلال تلك القوافل التى تجوب جميع محافظات مصر لتأكيد الدور الريادى للأزهر الشريف. وفى سياق متصل يقول الدكتور أسامة فخري، الباحث بجامعة الأزهر، أن الخطاب الدينى الجديد الذى يقرب الناس ولا يفرقهم هو أساس وسطية المنهج وهو مفتاح الأمان للدعوة، ويبتعد بنا عن الشطط والخلل والإفراط والتفريط ويجعلنا أهل رفق وإحسان وعمارة وعمران، نقدر قيم الحوار والاختلاف ونؤسس للتعددية والتنوع، والمحافظة على الثوابت ونصون المعتقد والشرع من التبديل والتغيير ونحمى أمن وسلامة المجتمع ونمنع المزايدة على الدعاة بأنهم باعوا أخراهم بدنياهم، والمحافظة على الهوية بالتأكيد على مكوناتها وهى الدين واللغة والثقافة، وديننا الإسلامى ولغتنا العربية وثقافتنا الجامعة لموروثنا الحضاري. وأكد أن المحافظة على الهوية الإسلامية تقتضى المحافظة على الخصوصية الحضارية لهذا الشعب حيث يعيش غير المسلم فى كنف المسلم شركاء تاريخ وحاضر ومستقبل، هذه الخصوصية جعلت الإمام الشافعى يغير مذهبه عندما جاء إلى مصر حيث وجد النموذج الذى يؤسس به فقه الأمة فى خصال هذا الشعب المصري، الذى يصلى لله ومن ورائه معابد أجداده الفراعنة وما اختلت عقيدته، ويعيش أيضاً مع المسيحى فى بناية واحدة تجمعهم الفرحة وتقويهم المحن والشدائد، ولأن إدراك هذه الخصوصية يحفظ المجتمع من الانقسام والتفكك كما يجب أن ينطلق الخطاب الدينى من تأصيل قيم الحق والمساواة بين الشرائح والطبقات، وأن القانون يطبق على الكبير قبل الصغير والقوى قبل الضعيف والغنى قبل الفقير، فيأمن الجميع بتحاشيهم مخالفة القانون وأكل الحقوق بالباطل.