انتشر علماء الأزهر الشريف والأوقاف المشاركون فى القافلة الدعوية التى تزور محافظة الأقصر، فى مساجد المحافظة، وذلك وسط ترحيب شديد من أهالى المحافظة، الذين طالبوا العلماء بتكرار الزيارة، لما لعلماء الأزهر والأوقاف من قدر كبير فى نفوسهم، حيث كان عنوان خطبة الجمعة "الأزهر الشريف ودوره فى خدمة القضايا الشرعية والوطنية". وأكد العلماء على مكانة الأزهر الشريف فى العالم الإسلامى وأنه يستعيد الآن مكانه الصحيح، باعتباره الصوت الأعلى فى العالم الإسلامى، وذلك فى عهد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف. قال الدكتور محمد أبو زيد الأمير، عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بالمنصورة، دعت شريعة الإسلام إلى التعامل بالأخلاق الحسنة والقيم النبيلة، ومن القيم التى دعت لها شريعة الإسلام السماحة والمروءة، فقد ورد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، "إنما بعثت بالحنيفية السمحة " أى السهلة المحفوظة عن الإفراط والتفريط. وأضاف فى خطبة الجمعة بمسجد السيد أبو الحجاج الأقصرى، أن الناظر لدعوة الإسلام يتبين له أنه ما انتشر أمرها إلا على هذا الأساس القويم، فالنبى المصطفى (صلى الله عليه وسلم) ما قال كلمة نابية ولا تحدث بلفظة جافية، ولكن كانت سمته السماحة والعفو، فيحدثه الحق جل علاه، فيقول "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر ". وتابع: إن من الظواهر التى يأباها الإسلام ويرفضها الغلظة والتعنت وعدم تقدير الناس قدرهم والتى نرى كثيرًا منها فى هذا الزمان، مما أودى بنا إلى ما نحن فيه الآن، فالسعادة كل السعادة إنما تكون فى اتباع هدى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى سماحته ومروءته، وإننا فى هذه الحقبة العصيبة التى تمر بها مصرنا الحبيبة فى أمس الحاجة إلى التعامل بهذه القيم النبيلة، وهذا ما يدعوا إليه الأزهر فى مناهجه الوسطية، فنسأل الله أن يحفظ مصر واحة للأمة والأمان، وأن يحفظ مصر وأهلها من كيد الكائدين العابثين، وأن يجعل كيدهم فى نحورهم أنه ولى ذلك والقادر عليه. وقال الدكتور سيف الدين رجب قزامل، عميد كلية الشريعة بطنطا، إن الله تعالى يقول "فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون"؛ فقد جعل الله الأزهر الشريف هو القائم بهذه المهمة للأمة الإسلامية منذ بدأ، فأخلص علماؤه لمهمتهم فعرفوا كل ما يتعلق بكتاب الله تعالى وسند نبيه (صلى الله عليه وسلم)، وما يتعلق بالوسائل التى لا يمكن فهم القرآن ومعرفة دقائقه وبيان أحكامه إلا بمعرفتها، ولذلك عرفوا دقائق اللغة العربية وعرفوا ما يتعلق بسيرته (صلى الله عليه وسلم)، والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه وأسباب النزول وغير ذلك مما يتوقف على فهم النص الكريم، ولذا وجدنا الأزهر بتبحر علمائه فى فهم القرآن الكريم وسنة رسوله الكريم لا يتعصبون لمهب معين ولا يروجون لمذهب معين. من جانبه، قال الدكتور محمد عبد العاطى عباس، رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية التربية جامعة الأزهر القاهرة، إن نشأة الأزهر الشريف كانت منذ أكثر من ألف عام، ورغم قدمه الزمانى فإنه لم يكتسب مكانته العلمية والرئيسية فى العالم كله إلا من خلال تعدد أدواره تبعًا لتعدد المهام التى أسندت إليه، والآمال التى انعقدت عليه، وإلا فهناك مساجد أقدم منه فى الوجود، لكن لم تكن لها نفس المكانة أو القيمة أو الأهمية التى حظى بها الأزهر الشريف، مثل جامع البصرة والكوفة وعمرو بن العاص وأحمد بن طولون والزيتونة والقرويين. وأضاف فى خطبة الجمعة بمسجد العتيق بالعوامية، أن الأزهر كان له أدوار عدة منها ما هو علمى معرفى وهذا هو الدور الرئيسى والأهم، حيث قصده الدراس والباحثون من كل فج عميق، لينهلوا من علومه الدينية واللغة العربية، ثم يرجعون إلى أوطانهم كالنجوم الزاهرة فى دياجير الظلام الحالك، ثم ذاع صيته واحتل مكانة كبيرة فى قلوب العوام حتى رفعوه إلى مقام المقدسات فى الإسلام، فكما أضفوا صفة الشرف على المصحف والقدس والكعبة أضفوه على الأزهر، فلا يذكر مجرد من اللقب فيقولون الأزهر الشريف، كما يقولون المصحف الشريف، والقدس الشريف، والكعبة المشرفة. وتابع: ثم حمل الأزهر بفضل علمائه الربانيين على عاتقه ببيان ونصرة مذهب أهل السنة والجماعة، واعتمد وسطية الإسلام فلم يجنح إلى الإسراف، كما لم يركن إلى التشدد والتنطع فى الدين، ثم ظل الأزهر طوال تاريخه الوكيل الرسمى عن الأمة وعن الشعوب يحمل همهم ويعمل على إزالة العقبات التى تهددهم، وكثيرا ما كان لعلمائه يقفون أمام طغيان الحكام نصرة للشعوب المقهورة والمظلومة، واختتم خطبته عن الأزهر وأدواره فى عصرنا الراهن، وما قام به من أجل الحق والعدل وإرساء دولة القانون على يد فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب. وقال الدكتور عبد المنعم أبو شيعشع، وكيل كلية أصول الدين بطنطا، إن الأزهر الشريف منذ أنشئ فى منتصف القرن الرابع الهجرى وهو قائم على دراسة العلوم الدينية والعربية حفيظ على التراث الإسلامى متابع لأداء الرسالة، التى بدأت أولى خطواتها منذ فتحت مصر فى العام الحادى والعشرين للهجرة، وظل الأزهر وسيظل بفضل الله تعالى مؤديًا للأمانة على خير وجه. وأضاف فى خطبة الجمعة بمسجد إبراهيم عياد ببندر الأقصر، أن الأزهر الشريف ظهرت أهميته الدينية والوطنية فى أوقات المحن والشدائد، حيث آوى إليه حملة العلم يسهمون فى تعليمه وطلاب المعرفة ينهلون من معينه وأعاد العلماء بجهودهم الضخمة تبدد من كتب التراث فى دجلة. و قال الشيخ محمد عبد الرازق عمر، وكيل وزارة الأوقاف لشئون المساجد والقرآن الكريم، إنه كان للأزهر دوره وتأثيره فى مختلف الحقب التاريخية التى مرت به، وكان له دور بارز فى جميع الأحداث والثورات السياسية التى تعاقبت على مصر والأمة الإسلامية، فقد قاد الأزهر وشيوخه ثورة مصر والمصريين ضد الحملة الفرنسية فى ثورة القاهرة الأولى عام 1798 ثم فى ثورة القاهرة الثانية عام 1800م، وبعد خروج الفرنسيين قاد الأزهر وعلماؤه رغبة الشعب فى حكم أنفسهم بأنفسهم وكانت ثورة 1805م من أهم الثورات الأزهرية التاريخية، حيث اختار علماء الأزهر محمد على واليًا على مصر. و أضاف فى خطبة الجمعة بمسجد "المقشقش" ثم ساند الأزهر وعلماؤه الحركة الوطنية المصرية ضد الاحتلال الإنجليزى، وكان طلبة الأزهر فى مقدمة الطلاب المصريين فى ثورة 1919، بل إن قائد الثورة نفسه سعد زغلول كان من رجال الأزهر الذين تعلموا وتخرجوا منه. ظل الأزهر يقود مقاومة مصر للاحتلال حتى ثورة يوليو 1952 ثم من على منبر الأزهر بدأت مقاومة الشعب المصرى للعدوان الثلاثى عام 1956. وقال الشيخ علاء الدين عقل شعلان، مدير الإدارة العامة للتفتيش العام بوزارة الأوقاف، فى خطبته بمسجد الشيخ عوض الله، أن الأزهر الشريف يستعيد الآن مكانه الصحيح، باعتباره الصوت الأعلى فى العالم للإسلام السنى، فهو بيت الأمة المصرية كلها بصرف النظر عن الدين أو المذهبية أو التوجه الفكرى، ويظهر فى اللحظات الفارقة وقد ظهر فى الحملة الفرنسية وفى ثورة 1919 والثورة المصرية، ثم ظهر فى حرب السويس ثم ظهر فى 25 يناير، ومازال مستمرًا وهو مصمم على هذا الدور، لأن ما يهمه هو تجميع الأمة المصرية كلها بكل طوائفه. من جانبه، قال الشيخ أحمد ترك، مدير إدارة المساجد الكبرى، إنه روى الإمام البيهقى بسنده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)؛ وإذا كان القرآن محفوظًا بإرادة رب العالمين من أى عابث أو لاعب أو مزيف للأديان عبر تاريخ البشرية لقوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، فإن علوم الإسلام وشرائعه ولغته العربية حفظها الله بالأزهر الشريف منهجًا وعلماء، ونستطيع أن نقول بكل يقين ما قاله الدكتور محمد البهى رحمه الله: إن تاريخ الأزهر هو تاريخ علوم الإسلام منذ القرن الرابع الهجرى وتاريخ علوم الإسلام هو تاريخ الأزهر، و أنا أرى فضل الأزهر ساطعًا فى مضمون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث السابق وحديث (أفضل القرون قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل). حيث ذكر النبى صلى الله عليه وسلم أفضل القرون ثلاثة 1- القرن الذى عاش فيه رسول الله 2- القرن الثانى 3- القرن الثالث. هذا يعنى أن القرون الثلاثة الأول عُصم الإسلام قرآنًا وسنة من الغلو والتحريف والتأويل، ومن بداية القرن الرابع الهجرى يحتاج الإسلام إلى من يقوم مقام عدول القرون الثلاثة الأولى. وأضاف فى خطبة الجمعة بمسجد أبو يوسف بالكرنك، أن الأزهر الشريف حمل أمانة العلم والدعوة وتسلمها من القرون الثلاثة السابقة ولا يزال قائمًا بها وعليها إلى الآن، رغم كيد الكائدين له وللإسلام عبر ألف سنة، ولا نظير للأزهر الشريف فى حمل تلك الأمانة، وكأنه هو الأمثل الذى ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبجانب الدور العلمى والثقافى للأزهر الشريف برزت هذه المؤسسة العظيمة كأحد أهم معالم الوطنية فى تاريخ البشرية، بل علمت العالم كله الفارق بين الدور السياسى والدور الوطنى، عندما وقف بجانب الأمة المصرية والعربية فى صراعاتها المشروعة مع الاستبداد والاستعمار ولا أدل على ذلك من موقف الشيخ عمر مكرم وثورة الشيخ السادات والشيخ الدودير والشيخ الشرقاوى، ولم يذكر التاريخ أن هؤلاء الشيوخ كان لهم توجهًا سياسيًا حزبيًا يقسم الأمة ويضعها فى مستنقع الاستقطاب والفتن وهذا هو دور الأزهر الشريف أيضًا من ثورة الثلاثين من يونيو. الأزهر الشريف هو الآن القادر على حمل العلم وتوريثه للأجيال جيلا بعد جيل، ينفى عن الإسلام تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. وهو المؤسسة الوحيدة القادرة على جمع كل الفرقاء عند النوازل والصراعات، وعلينا أن نلتف حوله وحول شيوخه العلماء التفاف الصحابة برسول الله طلبًا للهداية والعلم. وقال الدكتور حسن السيد خليل، الباحث الشرعى بمشيخة الأزهر الشريف، إن الإسلام دين سماوى يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم هو دين صالح لكل زمان ومكان، من تمسك بمبادئه وعمل بأركانه وفرائضه وتخلى عن المحرمات فاز فى الدنيا والآخرة، وعاش فى سعادة لا تقدر بمال أو جاه مهما كان فقيرًا فى الأمور المادية الدنيوية فهو غنى بالقيم والأخلاق الإنسانية فهو دين عرف قيمة العلم ودوره فى تحقيق الرفاهية لبنى آدم جميعًا، فأمر بتحصيله وحث عليه وبين فضله، وحذر من كتمانه لأن العلم أمانة عند العالم يؤديها إلى طلاب العلم على أكمل وجع وعلى العالم أن يكون لديه قناعة بما معه من خير لا يضاهيه عرض الدنيا. وأضاف فى خطبة الجمعة بمسجد خالد بن الوليد بالكرنك، لقد ظل الأزهر الشريف قلعة الإسلام عبر العصور وأهم مؤسسة إسلامية فى مصر والعالم الإسلامى، لما لدوره ومكانته من مرجعية عليا فى الدعوة الإسلامية والإفتاء فهو جامع وجامعة علميه إسلامية تحمل على عاتقها منذ أكثر من ألف عام مهمة حفظ ودراسة وتوضيح الشريعة الإسلامية، ونقل الرسالة الإسلامية لكل الشعوب.