لا شك أن الإلحاد مدمر للفرد والمجتمع ، فكياننا الحضاري والمجتمعي والقيَمي كمسلمين ومسيحيين قائم على البعد الإيماني، ومنبثق منه، ومرتبط به كل الارتباط، فأي محاولة للنيل من المقوّم الإيماني لحياتنا إنما هي محاولة لاقتلاعنا من جذورنا، وتمزيق نسيجنا الاجتماعي، والقضاء على سائر الجوانب القيَميّة والأخلاقيّة التي لا يمكن أن تقوم لمجتمعاتنا قائمة بدونها. فالإلحاد صناعة أعداء هذه الأمة الذين فشلوا في زرع الفتنة بين نسيجها الوطني شديد الصلابة والتماسك ، فعمدوا إلى محاولة جديدة لتدمير هذه الأمة وهدم بنيانها من أساسه بزرع الحيرة والشك في أصحاب النفوس الضعيفة بإيهامهم أن انسلاخهم من عقائدهم الراسخة سيفتح أمامهم باب الحرية في الشهوات والملذات واسعًا، بلا وخز من ضمير أو رقابة لأيّة سلطة إيمانية، غير أن السير في هذا الدرب مُدمّر لصاحبه، مُهلِك له في دنياه وآخرته، فواقع الملحدين مُر مليء بالأمراض النفسية والجسدية من الشذوذ والانحراف والاكتئاب وتفشّي الجريمة، واتساع نطاق الانتحار والقتل والتدمير، ويقول الحق سبحانه : « وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا » . فحياة من يؤمن بالله واليوم الآخر هي حياة الرضا والسكينة والطمأنينة، وحياة من لا يؤمن بالله (عزّ وجلّ) هي حياة القلق والاكتئاب والأمراض النفسية ، يقول نبينا(صلى الله عليه وسلم ):« مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا كُتِبَ لَهُ وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ نِيَّتَهُ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ وَجَعَلَ غِنَاهُ فِى قَلْبِهِ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِىَ رَاغِمَةٌ ». ولا شك أن ثقة الإنسان في وجود خالق رازق، وأنه لن تموت نفس حتى تستوفي أجلها ورزقها، وما قدّره الله كان، وأن ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه وما أخطأه ولم يكن ليصيبه، وأن الأمة لو اجتمعت على أن تنفع الإنسان بشيء لم تنفعه إلا بشيء قد كتبه الله له، ولو اجتمعت على أن تضرّه بشيء لم تضرّه إلا بما كتبه الله عليه، إنما تُربّي في نفسه الطمأنينة والرضا بما قسم الله، وعدم الخوف من البشر وممالأتهم بالنفاق أو الغش أو الخداع أو الرياء أو الكذب، لأن صاحب الإيمان على يقين في أن الخلق مجرد أسباب يعملها الله حيث يشاء، وأنها لا تُقدّم ولا تُؤخّر بذاتها ، ولا تُغني من إرادة الله (عزّ وجلّ) شيئًا، لأن أمره سبحانه كما قال في كتابه العزيز: « إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ »، فتطمئن بذلك نفوس أصحاب الإيمان، يقول الحق سبحانه: « الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ » . فالأمن النفسي والطمأنينة لا يمكن أن تتحقق بمعزل عن الإيمان بالله، يقول سبحانه : « الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ»، والتعبير بإنما يدل على القصر والحصر، فالمؤمنون وحدهم أصحاب الأمن الحقيقي الحياتي والنفسي، الدنيوي والأخروي، وغيرهم من الملحدين لا يمكن أن تَطمئّن قلوبهم ، ولا أن يتحقق لهم هذا الأمن أبدًا، بل هم في صراع نفسي متراكم من محنة إلى أخرى ، فهم لا يسعدون بشهواتهم وملذاتهم، بل يضيقون بها من جهة ، ويسرفون ويتفنون فيها من جهة أخرى ، بما يخرجها عن كونها نعيمًا إلى كونها نقمة وجحيمًا لا يطاق في كثير من الأحوال . كما أن الإنسان الذي لا يؤمن بالخالق ولا باليوم الآخر، وبأن هناك يومًا للحساب والعدالة الإلهية لا يكون له وازع من ضمير يحول بينه وبين الفساد والإفساد في الأرض، فلذته هي الحاكمة، وشهوته هي المسيطرة، وهي التي تقوده إلى هلاكه وإن ظنّ وتوهّم أنها وسيلة لتحقيق سعادته. كما أن عدم إيمان هؤلاء الملحدين بالله يجعلهم خطرًا على المال، خطرًا على الأعراض، خطرًا على الأوطان، لأن الدين الصحيح يُعزّز الوطنية الصادقة، وإذا ارتبطت الوطنية الصادقة بالفهم الصحيح للدين مدت صاحبها بقوة لا تُعادلها قوة، وصار العمل لصالح الوطن لديه فريضة دينية ووطنية، فصار على استعداد للتضحية من أجله بالنفس والنفيس . فالمؤمن الحقيقي يسعى لسعادة الإنسانية كلها ، وقد قال ربنا ( عزّ وجلّ ) لنبينا ( صلى الله عليه وسلم ) : «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ »، فالأديان السماوية جاءت من أجل سعادة البشرية، حتى قال أهل العلم، حيث تكون المصلحة فثمّة شرع الله، وقالوا لا يمكن لصحيح العقل أن يتصادم مع صحيح النقل، فالدين هو الفطرة الصحيحة » فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ » . لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة