بالسيلفي.. المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى عقب الانتهاء من الصلاة    بالدف والإنشاد.. آلاف المواطنين يحتفلوا بعيد الأضحى في الأقصر    عقب أداء صلاة العيد.. السماء تمطر «بالونات» بحى السيدة زينب    الآلاف يؤدون صلاة العيد في 159 ساحة بالفيوم    السيدات خلف الرجال.. طوابير بساحة القرنة غرب الأقصر لأداء صلاة العيد    ذبح 35 رأس ماشية فى أشمون بالمنوفية لتوزيعها على الفئات الأكثر احتياجا    الآلاف يؤدون صلاة عيد الأضحى المبارك في 196 ساحة بالمنيا    إنفوجراف| 40 جنيهًا.. ارتفاع في أسعار الذهب المحلية خلال أسبوع    أسعار اللحوم الحمراء فى الأسواق أول أيام عيد الأضحى المبارك لعام 2024    «المالية»: الإفراج عن بضائع ب17 مليار دولار منذ أبريل الماضي    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. أول أيام العيد    «القاهرة الإخبارية»: سقوط 5 شهداء في قصف إسرائيلي على مخيم الشابورة برفح الفلسطينية    الرئيس السيسى يشكر خادم الحرمين الشريفين وولي العهد على حُسن وحفاوة الاستقبال بمناسبة أداء فريضة الحج    آلاف الفلسطينيين يؤدون صلاة عيد الأضحى ب "الأقصى" فى ظل تضييق أمنى للاحتلال    الأوقاف الإسلامية بالقدس: 40 ألف فلسطيني أدوا صلاة عيد الأضحى بالمسجد الأقصى    بن غفير: من قرر تطبيق هدنة في رفح لا يجب أن يبقى في منصبه    بوتين يهنئ المسلمين بعيد الأضحى المبارك    هولندا تفتتح مشوارها فى يورو 2024 أمام بولندا اليوم    الزمالك يستأنف تدريباته استعداداً للمصري    تفعيل مبادرة «العيد أحلى» في مراكز شباب كفر الشيخ.. أنشطة ترفيهية وفنية    محاولة أهلاوية أخيرة لإنقاذ صفقة الجزائري «بلعيد» من الفشل    ارتفاع نسبة الرطوبة في الجو.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس عيد الأضحى    مصرع وإصابة 6 أشخاص إثر انقلاب سيارة ربع نقل بصحراوي المنيا    محافظ بني سويف يؤدي شعائر صلاة عيد الأضحى بساحة مسجد عمر بن عبدالعزيز    تعرف على مواعيد قطارات السكة الحديد على القاهرة - الإسكندرية والعكس    حسن الخاتمة.. وفاة ثانى سيدة من قنا أثناء أداء مناسك الحج    وفاة سيدة من كفر الشيخ أثناء الوقوف بجبل عرفات.. وأحد أقاربها: كانت محبوبة    «ولاد رزق 3» يقترب من تحقيق 30 مليون جنيه إيرادات في دور العرض    عادات وتقاليد مميزة في أول أيام عيد الأضحى المبارك بشمال سيناء    أحمد العوضي يذبح الأضحية بنفسه في أول يوم العيد.. سيلفي مع أهالي عين شمس    بدء توافد المصلين إلى ساحات المساجد لأداء صلاة عيد الأضحى المبارك    ما هي السنن التي يستحب فعلها قبل صلاة العيد؟.. الإفتاء تُجيب    بالبالونات والجلباب الأبيض.. أطفال الغربية يؤدون صلاة عيد الأضحى    بعد الذبح...ما حكم بيع جزء من الأضحية؟    محافظ كفر الشيخ يشارك أطفال مستشفى مركز الأورام فرحتهم بعيد الأضحى (صور)    محافظ السويس يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد بدر.. صور    الآلاف يؤدون صلاة عيد الأضحى في الوادي الجديد.. صور    توافد المصلين لأداء صلاة عيد الأضحى المبارك بساحات الجيزة.. صور    الألاف يصلون صلاة عيد الأضحى في مجمع أبو العباس بالإسكندرية    بالصور والفيديو.. توافد الآلاف من المصلين على مسجد خاتم المرسلين بالهرم لأداء صلاة العيد    عيد الأضحى 2024| توافد أهالي وزوار مطروح على الساحات لأداء صلاة العيد.. صور    محمد رمضان يحقق 80 ألف مشاهدة بأغنية العيد "مفيش كده" في ساعات    حماس: موقفنا واضح ومتوافق مع مبادرة بايدن وقرار مجلس الأمن    أنغام تحيي أضخم حفلات عيد الأضحى بالكويت وتوجه تهنئة للجمهور    محافظ جنوب سيناء يشارك مواطني مدينة الطور فرحتهم بليلة عيد الأضحى    العليا للحج: جواز عدم المبيت في منى لكبار السن والمرضى دون فداء    الجمعية المصرية للحساسية والمناعة: مرضى الربو الأكثر تأثرا بالاحترار العالمي    ريهام سعيد: محمد هنيدي تقدم للزواج مني لكن ماما رفضت    متلازمة الصدمة السامة، ارتفاع مصابي بكتيريا آكلة اللحم في اليابان إلى 977 حالة    دعاء لأمي المتوفاة في عيد الأضحى.. اللهم ارحم فقيدة قلبي وآنس وحشتها    93 دولة تدعم المحكمة الجنائية الدولية في مواجهة جرائم إسرائيل    «الموجة الحارة».. شوارع خالية من المارة وهروب جماعى ل«الشواطئ»    مش هينفع أشتغل لراحة الأهلي فقط، عامر حسين يرد على انتقادات عدلي القيعي (فيديو)    كرة سلة.. عبد الرحمن نادر على رأس قائمة مصر استعدادا للتصفيات المؤهلة لأولمبياد باريس    عاجل.. عرض خليجي برقم لا يُصدق لضم إمام عاشور وهذا رد فعل الأهلي    عاجل.. الزمالك يحسم الجدل بشأن إمكانية رحيل حمزة المثلوثي إلى الترجي التونسي    شيخ المنطقة الأزهرية بالغربية يترأس وفداً أزهرياً للعزاء في وكيل مطرانية طنطا| صور    للكشف والعلاج مجانا.. عيادة طبية متنقلة للتأمين الطبي بميدان الساعة في دمياط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علامات الإيمان تجمع بين الطمأنينة والخشية

قد يتصور أحدنا أن اليقين فى مغفرة الله ورضوانه يتعارض مع خشية الله والخوف منه، لذلك وجبت التفرقة بين الخشية والطمأنينة فى النفوس أولا، ثم سنندرج بعدهما لمعرفة ما هو اليقين الإيمانى الذى يدفع للطمأنينة التى غالبا ما تكون مشوبة بالخشية، حيث يقول تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}الرعد28؛ وبذات الوقت يقول ربنا تبارك وتعالى:{....إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}فاطر28؛ فكيف تجتمع الخشية والطمأنينة فى جسد المؤمن ونفسه؟

إن الخشية هى ذلك الخوف المشوب بالتوقير والإجلال الممزوجين بالمودة والمحبة، فالمؤمن يعيش حياته بين الخوف والرجاء، بين الأمل فى مغفرة الله والهم من الحساب، لا يرتاح له بال لكنه على ثقة من رحمة ربه، فالذكر له خصيصة بث الطمأنينة فى القلوب، فكلما كان المرء ذاكرا أصاب قلبه ما شاء له الله أن يصيبه من الطمأنينة، فإذا استمر على تلك الحال من الذكر وتلك النتيجة من طمأنينة القلب، فإذا حان أجل مغادرته الحياة فإن الله يُرَضِّيه ولا يتركه يعيش الخوف والخشية إلا وقد جعل الطمأنينة تطغى على جوانب نفسه، ثم الرضوان الأكبر يندرج فى لفائفه حتى قيام الساعة، وفى ذلك يقول تعالى بسورة الفجر: { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ{27} ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً{28} فَادْخُلِى فِى عِبَادِي{29} وَادْخُلِى جَنَّتِي{30}}.
لكن الخشية والخوف يظلان يعتملان فى نفس المؤمن بالدنيا والآخرة، ففى الآخرة سيتم تزويج النفوس للأجساد، ففى يوم القيامة ستتشقق الأرض عن الجثث فتتبعثر كل القبور قديمها وحديثها مهما مر عليها من عهود وأزمان، فتجمع العظام وتكتسى بحلل اللحم مرة أخرى، ثم تعود النفوس من مستقرها، حيث تلتقى النفس التى توفاها الله مع الجسد الذى كان مسجيا بالتراب فيتم البعث جسدا ونفسا، وفى ذلك يقول الله تعالى: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ }ق44؛ ويقول سبحانه: {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ}الانفطار4؛ويقول:{وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ}التكوير7.

فهنا يعود القلق للعبد، وبخاصة وهو بيدى خطب جلل وموقف عصيب ألا وهو يوم القيامة العامة، ولا يزول قلقه إلا حين يتسلم كتابه بيمينه، حيث يقول ربنا جل وعلا فى سورة الحاقة: { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ{19} إِنِّى ظَنَنتُ أَنِّى مُلَاقٍ حِسَابِيهْ{20} فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ{21} فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ{22} قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ{23} كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِى الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ{24}}؛ ففى ذلك الوقت يقطف العبد الثمرة النهائية لذكره الدائم لله، ففى الدنيا ثمرات وثمرات، وفى الآخرة نعيم مقيم.

فكل من اهتم برضا مولاه فإن الله يرضيه فى الدنيا بأن يصيبه بالطمأنينة التى ذكرناها، وبالسعادة بين أهله والحياة الطيبة فى الدنيا، وفى ذلك يقول الله عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}النحل97؛ فهذه إحدى ثمرات الذكر الدائم لله فى الحياة الدنيا، وفى الآخرة يقول ربنا: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً }النساء124.

والخشية هى ثمرة الإيمان بيقين، فلا تصيب الخشية كل مؤمن، لكن الخشية نعيم يصيب أصحاب اليقين، فكلما كان يقينك بالله عظيما كنت من الذاكرين كثيرا، وكلما كنت من الذاكرين كثيرا وقاك الله غوائل الذنوب فتكرهها، وأدخلك حظائر رحمته فتحب ذكره، وفى ذلك يقول تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}الحجرات7.

ولا يهمك بعد ذلك إن كانت لك بعض المعاصي، فقد بشَّر الله العبد الذاكر دائما بالمغفرة لذنبه، حيث يقول تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِى كَانُوا يَعْمَلُونَ}العنكبوت7؛ فحساب الذاكرين الله كثيرا والذاكرات يكون على نحو من أفضل أجر لأعمالهم ثوابا عند الله، فمن تصدق صدقة حُسبت له بسبعين، ثم تصدق بصدقة حُسبت له بسبعمائة، ثم تصدق مرة ثالثة بصدقة حُسبت له بألف، يكون حسابه يوم القيامة على سائر صدقاته على حساب الألف حَسَنَة، فذلك قوله تعالى: (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِى كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وفى آية أخرى يقول تعالى: {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِى عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِى كَانُوا يَعْمَلُونَ}الزمر35. وهنا يصيب المؤمن الرضوان الأكبر.

والخشية الحقيقية لها دلائل وعلامات يكون الإحجام عن المعصية أهم ثمراتها على الإطلاق، فذلك تبيان قوله سبحانه بآية سورة الحجرات: (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ)، فكلما كنت من أهل الخشية ازداد نفورك من المعاصي، لذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مما رواه البخارى بكتاب الإيمان حيث قال: [ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود فى الكفر كما يكره أن يقذف فى النار]. ويقول النبى :[قل آمنت بالله ثم استقم].

إيمان بيقين

والإيمان المطلوب من المسلم هو إيمان اليقين، وليس إيمان المعرفة، فميزان الفرق بين إيمان اليقين وإيمان المعرفة، هو مدى الالتزام بطاعة الله ومدى التصميم على عدم معصيته، وإن إبليس كان مؤمنًا، لكنه لم ينتفع بالإيمان، فأصبح من الكافرين.

فالعلم بحقيقة لا إله إلا الله تقتضى أولاً التّعرف عليه سبحانه وتعالى من خلال البيان العملى الذى يقدّمه فى آياته فى الكون، وآياته فى النفس، وآياته المقروءة فى القرآن.

وإن إيمان العبد يحتاج إلى رَشَفَات من حقائق لا إله إلا الله، وتلك الرَّشَفَات لا يجدها العبد إلا إذا جعل التّأمل فى مخلوقات الله وخَلقه حتّى تكون منهاجًا يوميًا للتدبر والاعتبار، فهو كلما فعل ذلك ازداد قُربًا من خالق السموات والأرض، وزاد يقينه وعَظُم إخلاصه لمولاه.

فالله عز وجل يقول: {اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً}الطلاق12؛ ففى تلك الآية يُعبّر الله فيها عن اسمين من أسمائه الحسنى هما [القدير / العليم]؛ فهو يعلم كل شيء، ويقدر على كل شيء، فعلمه يحيط بكل شيء، وبكل شخص، وقدرته تفوق كل شيء، وكل شخص، ولأسفى فإن الناس رغم علمها بأن الله على كل شيء رقيب، وعليم، وقدير، فإنها لا تستحى المعصية، وذلك لافتقار إيمانهم لليقين، وبالتالى لفاعلية الإيمان فى حياتهم.

إن صاحب اليقين الذى لا يتزحزح فى أن الله يعلم ويحاسب لا يستطيع أبدًا معصية الله، وإلا كان مجنونًا يُلقى بنفسه إلى التّهلكة، لكن غياب اليقين الإيمانى هو الذى يورد العباد مورد المعاصي، لذلك صدق الله بقوله:- {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ }يوسف106؛ فالناس تُشرك بالله هواها، وتُشرك بالله حين تخرج عن تعاليمه، وتفضيل ما يوسوس به الشيطان على تعاليم مالك الملك، وما ذلك إلاّ من الخَرَق العقلى الذى هم عليه، ولا يزال إبليس يُخفّف عنهم وطأة الشعور بالذنب، حتى تتبلّد أحاسيسهم.

إن من بين أسباب خلق الله للسماوات والأرض أن نعلم أن الله على كل شيء قدير، وأنه قد أحاط بكل شيء عِلما، وهو المستفاد من الآية 12 من سورة الطلاق السابق ذكرها، كذا لنعلم عدد السنين والحساب، والسماوات والأرض وما فيهن يمثلان كتاب الله المنشور الذى يجب قراءته لتثبيت الإيمان.

* فمن منا قام بتوظيف هذا البيان فى حياته؟.

* من منا جعل من خلق السماوات والأرض دليلاً له فى معرفة الخالق؟.

* من منا أحس بعظمة مواقع النجوم فى السماء؟.

* من منا اتخذ من منهاج سيدنا إبراهيم أسوة فى تأمل السماوات.

* من منا أدرك رحمة الله عليه فى خلق أعضاء جسده وقيامها بوظائفها بغير جهد منه؟.

وإذا ما تناولنا بالاعتبار العنصر الأخير فقط (رحمة الله فى خلق أعضاء الجسم)، ولنتّخِذ نموذجًا واحدًا من أعضاء الجسم وهو اللّهاة، فهل أدرك المسلم أن لسان المزمار المعلّق فى اللّهاة يمنع الماء والطعام من الدخول إلى الرئتين، وهو يمنع انزلاق لُعاب فمك أيضاً من الدخول؟، ولو دخل لفقد الإنسان الحياة، أليست هذه الأمور رحمة تنزل بك من الرحمن الرحيم وتعتمل فيك بلا جهد منك؟، فمتى يوقن العبد بمراقبة الله له؟، إنها مراقبة جدّية صارمة ودقيقة، ولكنها فى لُطف وخفّة.

* إن الإيمان الذى لا يحملك على طاعة الله لا قيمة له.

* والإيمان باليوم الآخر الذى لا يحملك على الامتناع عن المعاصى لا فائدة منه.

* إن الإيمان بالله دوائر متداخلة، فكلما كانت مرتبتُك الإيمانية مُركَّزةً فى الدائرة المركزية كلما كان ذلك أوثق لنجاتك، كان إيمانك فى دائرة خارجية حوسبت حسابًا يسيرًا، فإذا كان فى الدائرة التى قبلها كان حسابك أشد، وهكذا.

* فلابد من استحضار العبد اليقين الإيمانى الدّائم والمستمر بربه.

* ولا بد من مقاومة آفة نسيان العبد ميثاقه مع الله.

* ولا بد من اليقين بأننا نعيش على كوكب، كلُّ ما فيه يُسجّل علينا حركاتنا، وسكناتنا وأقوالنا، والله من فوق الجميع يعلم السر وأخفى، ويعلم ما فى أنفسكم فاحذروه.
فكلما كان حذرك دائمًا، ويقظتك مستمرة لخطوات ووساوس الشيطان، كنت من أصحاب النَّجاة.

لذلك فإن أمر الله لنا:- {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ}محمد19؛ من الأسس والدعائم التى يجب تدعيمها يوميًا، فكلما كان عِلمُك وصلتك بالله أوثق كان لإيمانك ثمرة أكبر، فالله يقول:- {الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ}الرعد29؛ فهو يستحثنا وبذات الترتيب الوارد فى الآية للإيمان، ثم عمل الصالحات بعد الإيمان الحقيقى الذى يفوح ثمره على صاحبه ومن حوله.
ويعصى العبد المؤمن ربّه بقدر بُعد إيمانه عن اليقين، ويبتعد العبد عن المعاصى بقدر إيمانه بربه، فالإيمان والمعصية على علاقة عكسية، فكلما زاد الأول ذبُل الآخر، وكلما قوىَ الآخر ذبُل الأول.

والإيمان لا يورَّث بل لابد أن يقيم العبد حقيقته الإيمانية الخاصّة به بنفسه، كما فعل ذلك نبى الله إبراهيم، على أن تكون تلك الحقيقة مطابقة لما جاء بنصوص كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أرى فى إيمان المقلّدين إلا أنه إيمان ذليل، لا ينبُع من قلبٍ سليم، ولا يصادفه عقل قويم.

وإيمان المقلّدين هو سبب انتشار المعاصى وتفشّيها، وسبب انعدام الإخلاص فى ممارسة الحياة بكل دروبها وصنوفها.

والصلاة والصوم والزكاة والحج ليست من دلائل الإيمان، لكنها بعض من وسائل نُموِّه فى قلب العبد المسلم، إذ إن الإيمان يجب أن يكون قبل أداء تلك الشعائر، بل يسبقها فى قلب العبد ودوائر اهتمامه.

إن مراجعة المسلم لأُسسه الإيمانية وينابيعها الأصلية أمرٌ لابد لكل مسلم من القيام به مرَّات ومرَّات.

إن حقيقة قول المسلم فى الصلاة [مالك يوم الدين] لابد وأن تبرز فى سلوكيات العبد فِرارًا إلى الله من المعاصي.

إن حقيقة قول المسلم فى الصلاة [إياك نعبد] لابد وأن تبرز فى سلوكيات العبد نَهَمًا فى عمل الصالحات وحُبًا لها، إن تلك الحقائق هى التى دفعت رسولنا صلى الله عليه وسلم إلى قول:- [وجُعلت قُرّة عينى فى الصلاة]، وقال:- [أرحنا بها يا بلال]، فتلك هى ثمرة اليقين الإيمانى تعالج القلوب المؤمنة حقَّ الإيمان، وبدون تلك المفاهيم تصبح الصلاة بلا روح، وفاقدة لكل ثمراتها، بل فاقدة لنية الصلاح اللازمة لقبولها.

فاليقين الإيمانى هو الذى يُبرز حياة الضمائر، أما الإيمان المعرفى الذى لا يقين فيه قد يبعث فى العبد الغرور بما يعرف، وقد لا ينتفع به العبد، ويلحق بذلك الإيمان القولى الذى لا علامة ولا دليل من فعل العبد عليه، وليتأمل المسلم قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}الجاثية23؛ فالآية تشير إلى العلم الذى لم ينتفع به صاحبه، وهو الإيمان الذى ليس له برهان تطبيقى من سلوك العبد، حتّى وإن كان ذلك العبد عالمًا بعناصر الإيمان.

إن اليقين الإيمانى يولّد دوافع حب الخير، وإن غيابه يجعل العبد يطيش فى متاهات الهوى أحيانًا، وحظائر الالتزام أحيانًا أخرى، وقد يجعله يموج فى متاهات التَّزمُّت أو العنت، ولن يتركه إبليس إلا وقد زيّن له الهوى، حتى يفقد العبد اتزانه فى الالتزام مع مولاه.

لابد لأهل الإيمان من علامة لإيمانهم، وهى لا تكون أبدًا إلا باليقين الذى تتشبع به القلوب المؤمنة، فيدفعها إلى حُب العمل الصالح وكراهية المعصية مع الذكر الدائم لله فهؤلاء هم الذين تتوفاهم الملائكة طيبين، وهؤلاء هم أصحاب الطمأنينة فى الدنيا والرضوان فى الآخرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.