لا يزال الجدل الفقهي مستمرا حول مدي مشروعية تحديد سن أدني لزواج البنات بحجة أن ذلك يزيد العنوسة، ويحرم ما أحله الله. فما هو قول أهل العلم في ذلك؟ وهل يجوز لولي الأمر وضع ضوابط وشروط له في إطار المصلحة، ومنعاً للتفكك الأسري وتشريد الأطفال؟ الإجابة في السطور التالية. يري فضيلة الدكتور علوي أمين خليل أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر في البداية أن القياس علي زواج الرسول صلي الله عليه وسلم من السيدة عائشة في سن صغيرة، باطل، لأنها لم تكن بهذه السن الصغيرة التي يتداولها البعض، ولأن المستجدات الحالية في المأكل والمشرب والتعليم والثقافة، لا يصلح معها أن تتزوج الفتاة قبل أن تكمل تعليمها الثانوي أي في الثامنة عشرة، بالإضافة إلي أن السيدة عائشة كان لديها خصوصية حمل فقه وثقافة بيت النبوة بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم. فالمرأة الآن تحتاج لأن تعد لتكون مسئولة عن رعيتها، والطفلة في السن الصغيرة غير مؤهلة لهذه المسئولية قبل أن تتعلم، وتبلغ سن الرشد وهو تقريبا18 سنة، أو 21 عاما سن الذمة المالية، وبعض علماء الدين الذين يعترضون علي تحديد سن الزواج هم معترضون فقط من أجل الاعتراض وليس إلي سند ديني حقيقي. ويضيف د. علوي: ونوضح هنا أنه يجوز لولى الأمر العام (المتمثل في المؤسسات الشرعية) في حال ملاحظته تقصير بعض الآباء في القيام بواجبهم في حماية بناتهم وتزويجهن وهن في سن أو العاشرة أو الثانية عشرة أو الخامسة عشرة من رجال كبار في السن أو من شباب متهورين أن يضع بعض الموانع لحمايتهن مثل تحديد سناً معيناً للزواج. ويستند ولى الأمر في ذلك إلى المصلحة المرسلة التي جاءت الشريعة لحمايتها ، وكما يقول ابن القيم “حيثما كانت المصلحة فثم شرع الله “ . ويرى فضيلة الدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أن هذا الزواج تنظمه عدة قواعد فقهية: القاعدة الأولى : لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان والقاعدة الثانية : حيثما كانت المصلحة فثم شرع الله. وأضاف أن زواج القاصرات من الناحية الشرعية ليس سنة تتبع أو بدعة تجتنب؛ لأن الشرع لم يحدد سنا معينا للزواج ، فقد وقع في الأزمنة القديمة زواج لصغيرات السن ناضجات الجسد، فلا يمكن الافتراء على الشرع المطهر، ولكن الشرع حدد سنا لرفع الولاية المالية عن اليتامى، وذلك لقوله تعالى: (.. فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ.. ) . وأضاف : وفى ضوء ما سبق يجوز لولية الأمر ولمن يفوضه من الأجهزة والمؤسسات ذات العلاقة أن تحدد سناً معينا للزواج سواء للذكور أو الإناث ، موضحا أنه من المعلوم شرعا أن تصرف ولى الأمر يكون في المصلحة، ومن صلاحيته تقييد المباح، لذلك فتحديد سن الزواج سواء الحد الأدنى أو الأعلى لا بأس به شرعا في إطار المصلحة العامة طبقا للقاعدة، والتي فيها تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة . ويري نشأت جلال عثمان المحامي بمحكمة النقض أن قانون العقوبات وقانون الطفل يكفيان لمنع هذه الجريمة، ولكن منعها لا يتم بالقوانين فقط، بل بمواجهة شاملة لأشكال التمييز ضد المرأة والفتاة، التي ينظر إليها دائما علي أنها في مرتبة أدني من أخيها، من خلال التوعية بمقاصد الشريعة الإسلامية التي تدعو لحماية المرأة، بالإضافة إلي التطبيق الجيد من خلال أعضاء النيابة العامة والقضاة الذين تدربوا بالفعل علي مكافحة أشكال العنف ضد المرأة ومن بينها زواج القاصرات. ومن الناحية الإحصائية نستطيع أن نرصد زيادة في عدد القضايا التي تحال للمحاكمة الجنائية، لتصبح هناك الكثير من الأحكام المتواترة والسوابق القضائية للتصدي لهذه الجريمة، فالدول لا تقيم فقط بمدي امتلاكها للقوانين بل بكيفية تطبيقها، وخلال إحدي هذه الدعاوي القضائية استطلع القاضي رأي مفتي الديار المصرية في زواج فتاة عمرها 14 سنة من ثري عربي في الستين، فجاءت فتوي المفتي بأن مثل هذا الزواج لايعتبر زواجا شرعيا بل هو نوع من النخاسة، وأن مثل هذا الأب ترفع عنه الولاية عن ابنته، ولهذا توقع العقوبة علي الأب والزوج والسمسار والمحامي أو المأذون الذي كتب ورقة أو وثيقة الزواج، باعتبارهم شركاء في الجريمة، ويترك للقاضي تطبيق حدها الأدني أو الأقصي بحسب ظروف كل قضية، وكل هذا قد ساهم في حالات الإبلاغ عن مثل هذه الحالات سواء من أقارب الضحية أو جيرانها، بعد أن لمس الناس أن متابعة مثل هذه البلاغات أصبحت ملزمة ووجوبية ليحقق فيها أعضاء النيابة العامة تحقيقا قضائيا.