لقد من الله على أمة الإسلام برسولها الذي زكاه ربه فقال له {وإنّك لعلى خلق عظيم}؛ ومن هنا جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إتمام مكارم الأخلاق هدفًا لبعثته وغايةً لرسالته، وكفى بذلك تنويهًا وتشريفًا لمنزلة الأخلاق في دعوته؛ حيث قال: "إنما بُعثت لأتممَ مكارم الأخلاق"، وإذا كنا بحاجة إلى الأخلاق، فما أكثر حاجتَنا إليها في هذا العصر، عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات! وذلك لما حلَّ بمجتمعنا من تغيُّرات بسبب التطور الذي حدث في عصرنا الحاضر في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فأثر على فكر شبابنا وأنتج ثورات وأفكارًا، وأثّر أيضًا على أخلاقيَّات مجتمعنا المسلم؛ سواء بالإيجاب أو بالسلب، فلا يستطيع أحدٌ أن يغفل الإمكانيَّات الرائعة التي تقدِّمها لنا تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأيضًا لا نستطيع أن نتجاهل الآثار السلبية التي ترتَّبت على هذا الانفتاح المعلوماتي والإمكانيَّات التكنولوجيَّة، خاصة أن مَن يمتلكون ويحتكرون هذه الإمكانيَّات يختلفون معنا عقائديًّا وفكريًّا، فما يعدُّ عندهم مباحًا وعاديًّا نجد له ضوابط أخرى في ديننا الحنيف، وكذلك ثقافة المتلقِّي وعدم توفُّر الوعي الكافي للقيام بالانتقائيَّة المعلوماتيَّة لأَخْذ ما ينفع وتَرْك ما يَضرُّ؛ ومن هنا فقد سبَّب ذلك كله آثارًا في المجتمع الإسلامي بكلِّ مستوياته؛ سواء على مستوى الفرد أو الأسرة؛ ومن هنا كان لزامًا علينا رصد هذه الظاهرة وتزكية أخلاقنا؛ كي نواكبها ونستفيد منها ولا نتأثَّر بها سلبًا، وما كنا نتخيله بالأمس لهوًّا وتسليةً ها هو اليوم أنشأ ثورة وفكرًا، وما ثورة 25 يناير إلا نتاجًا لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ولذلك؛ فلا بدَّ من توضيح الآداب والأخلاق التي ينبغي أن يلتزمها المسلم حِيال الإنترنت وغيرها؛ فالعالم الإلكتروني ليس مُجردًا من الأخلاق والآداب التي ينبغي الالتزام بها في الحياة التقليديَّة؛ إذ إن هذا العالم الإلكتروني تكتنفه أخلاقُ العالم التقليدي، إضافة إلى بعض الآداب التي فرضتها طبيعة هذا العالم الإلكتروني الجديد. نحن المسلمين، بحكم عقيدتنا وأصالتنا العربيَّة، لا بد أن نحرص على الخُلق الحَسن والأدب الرفيع، وأن نكون من المؤمنين بالسلوكيَّات الإنسانيَّة المهذَّبة؛ ولهذا ليس من الصعب أن نطبِّق ما نتبنَّاه من أخلاق في واقع الحياة اليوميَّة على سلوكنا في عالم الإنترنت وغيرها من وسائل الاتصالات، فينبغي أن نتذكَّر دائمًا أن الإنترنت هو وسيلة للاتصال؛ إذ يُمكنك عن طريقها إرسال الرسائل ومحاورة الآخرين، وعرض أفكارك وآرائك والاطلاع على أفكار الآخرين وآرائهم، فهي وسيلة للتفاعل والتعامل بين الأشخاص والمؤسسات والهيْئَات المختلفة، وعند استخدام أيِّ وسيلة اتصال ينبغي الالتزام بمجموعة من الأخلاق والآداب العامة، ومن هذا المنطلق جاء مفهوم آداب الإنترنت. لا بد أن نحاول فَهْم أبعاد وتأثيرات هذه الأداة التي أصبحت متاحة جدًّا أمامنا، وأصبح الكثيرون يستخدمونها، وأصبحت هي الملاذ الوحيد للبعض، فصار لزامًا أن نتعلَّم "أخلاقيَّات وفِقه الإنترنت" بالمعنى الواسع للمعرفة، وليس من الناحية الشرعيَّة فحسب، ويبدو أن "الشات" - غُرَف الدردشة الإلكترونيَّة - ستظلُّ عنصرًا مغريًا وجذَّابًا، وأنها تلتهم وقتًا هائلاً دون عائد يوازي هذا الوقت الذي ينفقه الإنسان فيها، ما لم يكن محدد الهدف ومؤقَّت المدى، ومن المقلق حقًّا وجود بعض المواقع التي تحتوي على أفكار مسمومة تشكك في العقيدة، أو تغالط في التاريخ، وأشفق على مَن تُتاح أمامه هذه المواد دون أن تكون لديه أدنى خلفيَّة عن تلك القضايا، فكيف إذًا نتفاعل مع هذه المتغيِّرات؟ وكيف نتعامل مع هذه التحدِّيات؟! فعللينا إذن أن نلاحظ ما يلي: لفت الانتباه إلى الاهتمام بالثورة المعلوماتيَّة التي حدثت، وما جرى من تغيُّر في أخلاقيَّات المجتمع المسلم. ومحاولة التأقْلُم مع هذه المعلومات الوافدة، وماذا يجب علينا تِجاهها من الناحية الأخلاقيَّة؟ ولا بد من إبراز الآثار المترتبة على هذا الانفتاح المعلوماتي، وكذلك توضيح ما ينبغي أن يكون عليه سلوك المسلم حِيال وسائل الاتصال. لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر