الفن هو الوجه الآخر للإنسان، فإذا كان فننا هكذا.. فلأننا هكذا .. وإذا كان الفن قد انطفأ.. أو أفلس فى مرحلة ما، فلأن الانسان فى مصر فى ذات المرحلة كان منطفئا.. ومفلسا. عندما كان الانسان فى مصر عظيما، كان فنه عظيما، وعندما صار هابطا كان فنه هابطا. وإذا كان الفن فى مصر، يعيش فى هذه الأيام ذروة تساقطه وانهياراته.. فإلى أى حد يمكن اعتبار الفكر الفنى مسئولا عن هذه الانهيارات. إن الفنان يحاول أن تصبح مساحة الفرح فى العالم أكبر، ومساحة الحزن أقل.. انه يحاول أن يجعل الشمس أكثر حنانا، والسماء أكثر زرقه.. وعندما تفلس علاقة حب بين رجل وامرأة، فهذه يعنى أن اللغة التى يتكلمان بها قد انكسرت. ان كل لغة تحمل فى بنيتها حالة الطقس، وطبيعة الانسان التى يتكلمها .. وتعكس فى ايقاعاتها الايقاعات النفسية للشعب. إن الفنان هو رجل القناعات التى لاتقنع.. ورجل الأسئلة التى لا أجوبة لها. ان أهميته تكمن فى قدرته الدائمة على الضجر، وليس الفنان العظيم هو الذى يقرر أنه عظيم.. أو حديث . أو خطير.. فعظمة الفنان، أو حداثته، أو خطورته، يقررها الوجدان العام، وتحكم فيها محكمة شعبية لاتقبل الرشوة ولا الابتزاز. هذه المحكمة الفنية الشعبية، هى وحدها التى تستطيع إن تأخذ الفنان إلى المجد، أو ان تأخذه إلى السجن. ان الفنان هو السفر داخل الانسان، وهو فنان ضد القبح .. ومهمته الأساسية أن يحتج على كل الممارسات والأساليب التى جعل العالم مرعبا.. ومظلما.. وقبيحا. ومعرفة الإنسان نفسه هى الشرط الأساسى لتحقيق السعادة. ومن ثم هى الوسيلة الوحيدة لتجنب أسباب الشقاء والخيبة. ولاقيمة لفن لايحدث ارتجاجا فى قشرة الكرة الأرضية، ولايحدث شرخا فى خريطة الدنيا، وخريطة الانسان ان الابداع هو الخروج من التشابه، و المبدع هو الوطنى الحقيقي. وتحيط سوسيولوجيا الفن بالعديد من الموضوعات والمسائل المتباينة بدءا من التحليلات المحدودة النطاق مثل كيف ينتج أولئك الأفراد الذين يطلق عليهم «فنانون» ابداعاتهم الفنية. إن الثقافة هى بمنزلة «روح» المجتمع، وفن المجتمع هو الأشد تعبيرا عن هذه الروح. والواقع أن أزمة الفن اليوم، هى أزمة ثقافة، كما هى أزمة مجتمع، وقد تكون أحيانا أزمة فى الرؤي، والأفكار التى تهيمن، وتوجه، وتتحكم، ولو استعرضنا أنواع الفن الجماهيرى الرئيسية، لتأكدت لنا صحة هذا فالسينما تعانى أزمة كمية، وكيفية فى آن واحد. أزمة كمية تتجليء فى بطء النمو، وتراجع عدد الأفلام المنتجة سنويا. وأزمة كيفية تظهر فى هبوط مستوى مضمونيهما الفنى والإنساني، ولايمكن أن نتحدث عن أزمة، وتوصف ملامحها، دون أن نتطرق إلى أسبابها، فالفن الذى يتراجع، لابد أن يكون موجودا فى مجتمع يتراجع. إن أزمة الفنون فى بلادنا ينبغى أن تكون دافعا لنا.. جميعا، الدولة ومؤسساتها، وكذلك وسائل الاتصال الجماهيرية الفائقة القوة والبالغة النفوذ على دفع الرؤية السوسيولوجية للفنون، لماذا يتراجع الإبداع؟ من هم المبدعون؟ وهى هناك أزمة إبداع؟ ومن هم جمهور الفنون فى بلادنا؟ إن وسائل الاتصال الجماهيرى من صحافة واذاعة وتليفزيون وغيرها متهمة فى بلادنا، بأنها عدو للثقافة الراقية وقد يسميها البعض ثقافة الخاصة أو ثقافة الصفوة، وهذه تسميات مغرضة لمحاربتها؟ وهل متهمة أيضا بأنها تخلق كيانا ثقافيا جديدا هو ثقافة العامة، التى من أهم سماتها السطحية، من أجل إرضاء كل الأذواق. والميل إلى التسلية، وليس التثقيف وبناء الشخصية، وسيطرة القوالب النمطية فى الفكر والذوق. وبعد الحديث عن الفن والفنان فى مصر، أنتقل إلى فيلم مصرى ونال شهرة وذيوعا وكثيرا من التوصيات والقرارات (حلاوة روح) كما سألت بوصفى أستاذة فى علم الاجتماع عن رأيى فى الفيلم. والحقيقية أن عهرة هذا الفيلم لاترجع إلى أنه بعد الأحداث الجدلية التى تسبب فيها فيلم سينمائى لأن فيه مشاهد لاطفال تستغل بشكل سييء، ولاشك أن معظم القائمين على صناعة الفيلم لايرون غير الجوانب المادية فيما يقدمون غير عابئين بالمجتمع، وهم يتمتعون بقدر كبير من الذكاء يجعلهم قادرين على دراسة المجتمع جيدا ليقدموا موضوعات تجذب المراهقين تعتمد على الرقص والمخدرات، وأيضا اللعب على غرائز الجسد، وهى اللعبة، التى يتبعها الكثير من المؤلفين والمخرجين، وهم على استعداد تام للاستهانة بأى قيم فى المجتمع حتى يحققوا الكسب من المفترض أننا ننظر للأطفال نظرة الاب لابنه، حتى نقدم له ما يحترمه ويحافظ على أخلاقه. واعترض مثقف على مهاجمة البعض ممن تغيرهم من النخبة الثقافية رواد الفكر العاقل المستنير لقرار منع عرض الفيلم. واعتبروه انتهاكا للمادة 67 من الدستور التى تنص على حماية الدولة لحرية الابداع والفكر، ونسوا المادة 47 التى تدعو إلى الحفاظ على الهوية الثقافية. أما عن الابداع فهو أن يأتى فى المبدع بشيءد لايستطيعه غيره، فهل العرى والسفاف، إبداع، وهل أصبح دور الفن تعميم العشوائية والسلوك السىء بحجة أنها موجودة فى الحياة والواقع. والحقيقة أن قومى الطفولة، اهتم جدا بالإساءة التى تقع على الأطفال، من حالات عنف أو تحرش.. إلخ وفى محاولة للخروج من صناع فيلم «حلاوة روح» وجو الفيلم المشحون والمبتذل تذكرت صغيرتى «سالمة» ذات السنتين فقد كانت دائمة الولع بمسلسل الداعية. وكانت تردد هذا المسلسل فى أغانيه الجميلة وتقول مع المنشدين ومعهم الأطفال وتقول يارب.. يارب. تحيا مصر.. تحيا مصر.. كانت سالمة صغيرتى تسألنى حتى عن يوسف بطل المسلسل. تبقى عندى تحية، وعرفان، للمؤلف والمخرج، والفنانين ومصر أولا وأخيرا. لمزيد من مقالات د. سامية الساعاتى