الامل هو اهم عنصر فى نهوض الامم وتقدمها، بل ان هناك من الدول من اختصرت كل تجربتها ونظامها ونموذجها التنموى فى كلمة واحدة هى الحلم الامريكي، لانه بدون حلم لن يكون هناك ابداع، او اختراع، او فكرة جديدة، ولن تكون هناك تنمية، او نهضة حضارية حقيقية، وبدون امل لا يستطيع اى شعب ان يتغلب على ازماته، او ان يحقق اختراقا فى اى مجال، النصر فى المعركة حلم وامل، ومعركة الحياة دائمة، لذلك اعتبر الامام ابو الحسن الماوردى المتوفى 450 هجرية ان الامل الفسيح واحد من اهم وظائف الدولة والتزاماتها تجاه شعبها، فبدون امل، وامل فسيح لن تقوم الحضارة، وبدون حلم لن تنتصر الشعوب على تحدياتها، بل لا يستطيع الانسان ان يعيش، وقديما قالها الشاعر: اعلل النفس بالآمال ارقبها. ما اضيق العيش لولا فسحة الامل. ومصرنا وشعبها يحتاج الى الامل الفسيح الواسع، الذى يطلق الطاقات ويحرك الهمم، ويشعل العزائم، لتبنى نهضتها، وتعيدها الى مكانها، ومكانتها، نحن نحتاج الى الامل اكثر من احتياجنا للموارد المادية، فالامل هو الذى يوجد تلك الموارد، ويفجرها، ويعظم من تأثيرها، ويضاعف فوائدها، ولكن للاسف الشديد تسلطت على شعب مصر مجموعة من البوم والغربان، تلاميذ مدرسة الكلب فى الاعلام، من اولئك الذين لم يتعلموا من الاعلام؛ باتساع فنونه ونظرياته؛ الا ان الخبر الحقيقى الذى يمثل سبقا اعلاميا: تليفزيونيا او صحفيا، ليس هو ان كلبا عض انسانا، فهذا طبيعي، وليس خبرا، وانما يكون خبرا عندما يعض الانسان الكلب، فانحصر فكرهم وتدريبهم، وتمحورت عقولهم فى الكلب، واصبحوا تلاميذ نجباء فى مدرسة الكلب. هذه الطبقة من الاعلاميين يحتكرون جميع وسائل الاعلام المرئية والمقروءة، منذ ايام الرئيس الاسبق حسنى مبارك، كل همهم واهتمامهم الاعلانات الاستهلاكية، الغرائزية المدمرة للنفوس والقيم والارزاق، والعوائد التى تحصلها القنوات الخاصة من الاعلانات، والتى يصب نصيب وافر منها فى حساباتهم الشخصية، ودخولهم الفلكية التى تصل الى الملايين، يقتاتون من دماء وآلام الفقراء، والبسطاء وعوام الناس، ولا يتصدقون عليهم بمليم احمر، هذه الطبقة من الاعلاميين الذى تحولوا كالحرباء من تاييد نظام الى آخر معاكس له، وثائر ضده دون حياء، او بقية من خجل، يتحركون مع مصالحهم ونجوميتهم، ودخولهم الشخصية، والعوائد الضخمة التى تعود على قنواتهم حتى ولو بدماء الغلابة ومستقبلهم، يدمرون مصر، ويحطمون الامل فيها، يهرولون وراء سبق صحفى او تليفزيونى، حتى ولو كان وراءه خراب مصر، ومصادرة مستقبلها، وتحطيم نفسية شعبها، والقضاء على الامل. ان طبقة الاعلاميين فى مصر اصبحت شعبا قائما بذاته، تماما مثل الاخوان المسلمين، لا يهمهم الا مصالحهم ودخولهم، ومصالح قنواتهم، لا يشغل بالهم مستقبل شعب، او آمال وطن، يجرون وراء الخبر الكلبى بغض النظر عن تأثيره او تداعياته، لذلك اصبحوا كالبوم والغربان، يهللون ويسعدون كلما حدثت مصيبة، او وقعت كارثة، تجدهم فى غاية الحيوية عند حدوث التفجيرات، وازهاق الارواح، وكأنهم فى عرس تلفزيوني، كلهم همة ونشاط، وتحليل وابداع فى التفسير والتأويل، والتنبوء، دون ان يدركوا انهم يحطمون نفسية شعب ويقتلون الامل فيه، وينشرون القبح والتجهم على وجوه البشر. هذا النوع من البوم والغربان اصبح خطرا على مصر وشعبها، لانه لا يستطيع ان يعيش ويتكاثر، وينتشر الا فى الخرائب والمقابر، وعلى جثث الضحايا، وللاسف الشديد، اصبح البوم والغربان يقودون المثقفين، واساتذة الجامعات، والمبدعين، وعلماء الدين، بحكم انهم يملكون مفاتيح الشهرة، ومخازن المال، فظهرت هناك طبقة من مثقفى التليفزيون، وعلماء التليفزيون، واساتذة التليفزيون، الذين تجدهم فى ثلاث قنوات فى وقت واحد، وكأنهم صنف من الجن، او انهم مستنسخون، اصبح هؤلاء المثقفون والمحللون شركاء للبوم والغربان فى تخريب مصر، يجاملونهم ويسايرونهم، حتى يكونوا على موائدهم فى المرات القادمة. لقد ادمن اعلام البوم والغربان الحديث عن السلبيات ومواطن الفشل، وتضخيم الازمات، ونشر الفضائح، والرذائل فى المجتمع، وكان جزءا اصيلا فى ازمات مصر، ولم ولن يكون جزءا من حلول هذه الازمات طالما ظل هذا البوم والغربان يطلون علينا صباح مساء، بل ان ادمانهم للحديث عن الازمات والمشاكل، لم يقف عند حدود تجاهل الايجابيات، او الافكار الجديدة، الابتكارات التى تمتلئ بها مخازن مراكز البحوث فى مصر، بل لقد تجاوز ذلك، واصبحوا يحاربون كل شىء بدون هدف، وبدون سابقة من علم، او تجربة، ولعل مراجعة موقف الفضائيات المصرية من جهاز معالجة فيروس الكبد خير مثال على سلوك البوم والغربان. وحتى لا نكون مثلهم نقف عند لعن الظلام، ونقد البوم والغربان، ونغرق فى السلبيات، ونغوص فيها بطريقة تحول بيننا وبين المستقبل والحلم والامل، اقترح طريقتين للخروج من سجن البوم والغربان: أولاهما: ان تتم مقاطعة برامج البوم والغربان، دون ان نحدد اسماء اشخاص، او برامج، او قنوات، بل نترك الامر لكل انسان ان يقرر بنفسه ولنفسه، اى قناة، واى برنامج يغرس فيه الامل، ويفتح نفسه على الحياة، وايها يفعل العكس، وعليه ان يقاطع من يفعل العكس، ويعلن مقاطعته لهم ويشجع من حوله على ذلك، بل ولا يشترى السلعة التى يعلنون عنها، فتكون مقاطعة مزدوجة للقناة او البرنامج، وللسعلة التى تمول وتدعم هذا البرنامج، وثانيتهما: ان ينهض الشباب فى القرى والمدن والارياف، لانشاء وسائل بديلة للفضائيات، للتثقيف والترفيه، وخلق حياة ثقافية فى كل قرية، ونجع وكفر، بحيث تعود مصر الى سابق عهدها حينما كان فى كل قرية فنان، وفرقة وشاعر واديب، لابد من كسر احتكار العاصمة، ومن فيها، وافلاسها لباقى مصر، من خلال القضاء على الابداعات المحلية الجميلة، لابد ان نعود الى الفعاليات المحلية، ونشجعها، ونستغنى عن تليفزيونات البوم والغربان. لمزيد من مقالات د. نصر محمد عارف