رغم ما يمثله الاقتصاد والأمن من أهمية قصوى فى برنامج الرئيس القادم لمصر ، إلا أن المدقق فى جميع مشكلات المصريين الحالية يجد أن البعد الثقافى عامل مشترك فى جميع التحديات التى يواجهها المصريون حالياً. وبنظرة دقيقة إلى جميع التحديات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والسياسية التى تواجهها مصر حالياً نجد أن ضعف الوعى الثقافى كان أحد الأسباب المباشرة لها ، وبقدر التنمية الثقافية لدى الشعب المصرى يكون دوره الإيجابى فى مواجهة جميع التحديات الداخلية والخارجية التى تحيط به . فعلى المستوى الاجتماعى ، لا يمكن فهم كثرة الأمراض المزمنة والمتوطنة التى يعانى منها المصريون بمعزل عن ضعف منظومة التوعية الصحية والثقافة الغذائية والصحية السليمة . ولا يمكن فهم أبعاد ظاهرة العنف والإرهاب الذى تعانيه مصر بمعزل عن غياب دور فاعل لمؤسسات الدولة المعنية بالتوعية الدينية التى تؤكد اعتدال وسماحة الدين الإسلامى ، وتهميش دور الأزهر الشريف والمؤسسات الدينية لعقود طويلة مضت . ويصعب فهم حالة الفوضى والانفلات الأخلاقى فى الشارع المصرى بمعزل عن ضعف منظومة التربية التى يشترك فى تحمل مسئولياتها الأسرة والمدرسة والجامعة والمؤسسات الثقافية والتوعوية فى المجتمع . كما أعطت مؤسسات التعليم جل اهتمامها بالتعليم دون أن يحظى الجانب التربوى والسلوكى بالاهتمام الواجب. وتغيب عن المصريين فى الظروف الحرجة التى تمر بها البلاد حالياً ثقافة ترشيد الاستهلاك ، رغم الحاجة الماسة إلى ذلك فى كل جوانب الحياة : الكهرباء ، المواد البترولية ، المياه ، الخبز ، وغيرها من السلع الاستهلاكية . ولا يمكن فهم حالة التردى الأخلاقى التى وصل إليها الحوار بين المصريين حالياً بدون فهم الخلل الواضح فى أداء أجهزة الدولة الثقافية المعنية بالارتقاء بآداب الحوار ، وثقافة التنوع والاختلاف، وأن الاختلاف فى الآراء لا ينبغى أن يكون على حساب العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة والأصدقاء والزملاء . ويصعب فهم حالة الفوضى التى تعيشها الطرق فى مصر ، وتعاظم مشكلة المرور دون النظر إلى البعد الأخلاقى وغياب المسئولية الفردية من جانب البعض الذى يبحث عن المصلحة الشخصية على حساب المصلحة العامة للآخرين، كما يصعب فهم السلوكيات الانتهازية لدى بعض المسئولين فى استغلال المنصب العام لتحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح الذاتية على حساب المصالح العامة فى ظل غياب ثقافة المحاسبة . وتسود لدى قطاع من العاملين فى مؤسسات الدولة سلوكيات عدم الانضباط وعدم احترام مواعيد العمل ،إضافة إلى غياب الحرفية وإعمال الضمير المهنى والأخلاقى . كما يغيب عن معظمنا ثقافة المبادرة الإيجابية لحل مشكلات الحياة اليومية التى أدمنا التعايش معها ، ونكثر الحديث بشأنها ، دون أن نجهد أنفسنا بآليات الحلول التنفيذية التى يمكن أن تسهم فى حل هذه المشكلات . إننا فى أمس الحاجة إلى تحديث المنظومة الثقافية للمصريين ، بما يواكب احتياجات المجتمع المصرى الملحة ، وبما يستجيب لطموحات المصريين فى مستقبل أفضل للجميع. وينبغى أن تركز هذه المنظومة على إعلاء قيم الانتماء للوطن، وتقديس قيمة العمل والمهنية والحرفية فى أدائه، والانضباط فى كل مناحى وسلوكيات الحياة ، واحترام آداب الحوار، ومراعاة حق الطريق، وترشيد الاستهلاك، وإدارة الوقت بشكل سليم، والمبادرة والإيجابية فى التعامل مع المشكلات اليومية، ومشاركة مؤسسات الدولة فى حل المشكلات القائمة، والتخلص من السلبية والتواكل، وإعلاء مبدأ المحاسبة، وإعلاء قيمة العلم والتخطيط العلمى فى كل أنماط حياتنا، وإعلاء قيمة التشاور مع الآخرين والبعد عن الدكتاتورية فى اتخاذ القرار. إن التسويق المجتمعى لهذه المنظومة القيمية ليس مسئولية جهة بعينها،بل ينبغى أن تفعل من خلال استراتيجية شاملة ، وخطط تنفيذية واضحة ، تتوازى مع جهود الدولة وخططها فى المرحلة القادمة، لأن الاهتمام بالتنمية الاقتصادية دون اهتمام مواز بالتنمية الثقافية لن يحقق ثماره المرجوة، ولنا فى الماضى القريب عظة وعبرة. أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة لمزيد من مقالات د. عادل عبدالغفار