سألنى يوما صديقى اللدود: كيف يعيش المصريون بمرتباتهم الهزيلة وكيف يدبرون حياتهم ومعظمهم تحت خط الفقر دون أن يثوروا أو تنتشر بينهم الجريمة ؟ !!!...... وكان ردى وقتها أن المصريين لديهم قدرة هائلة على التكيف مع الظروف , ويبدو أن هذه القدرة اكتسبوها من تاريخهم الطويل فى التعامل مع أنماط متعددة من الحكام والحكومات , وتغير الظروف والأحوال التى يعيشون تحت وطأتها , فلديهم مرونة كبيرة فى التعامل , ولديهم قدرة على قبول الأمر الواقع والتكيف معه أيا كان هذا الأمر , ولديهم صبر طويل على الظروف الضاغطة والقاصمة , ولديهم أمل فى رحيل من يظلمهم بشكل قدرى لا دخل لهم فيه ( اصبر على جارك السو , يا يرحل يا تجيله داهية تاخده ) , فهم يراهنون دائما على حل المشكلات بالصبر . فالمصرى كثيرا ما يقبل الأمر الواقع ويغير فى نفسه وفى شخصيته وفى ظروف معيشته لكى يلائم هذا الواقع ,بدلا من تغيير الواقع بل يميل غالبا للإستسلام له والتسليم به إلى درجة الخضوع , ولهذا عرف عن المصريين ميلهم للإستقرار وعدم التغيير , وخوفهم من الجديد , وابتعادهم عن المغامرة أو المخاطرة , ورضاهم بما هو كائن , وصبرهم السلبى على ظروف تستحق المواجهة أو التغيير أو الثورة . ويبدو أن هذه السمات مرتبطة بالطبيعة الزراعية التى ترى أن دورها فى الإنتاج الزراعى محدود ببذر البذرة وانتظار نموها دون تدخلات جذرية فى هذا النمو سوى الرعاية والإنتظار , وهذا يختلف عن المجتمع الصناعى الذى يشعر فيه الفرد ( والمجتمع ) بقدرته الكبيرة على التغيير والتوجيه والنمو . وقد أدت محاولات التكيف المتكررة أو المستمرة مع ظروف ضاغطة وسيئة فى فترات متعاقبة إلى حدوث تشوهات فى سمات الشخصية المصرية ولكى يتمكن المصرى من مواصلة التكيف وتحمل ثقل الأمر الواقع فإنه يستعين بالنكتة والقفشة والسخرية لمواجهة من فرض عليه هذه الظروف , وتفريغ طاقة الغضب , ولهذا نجد الحكام , أو على الأقل بعضهم , لا يضيقون بما يصدره الشعب من نكات سياسية تمسهم , لأنهم يعرفون أن فى ذلك تفريغ لطاقة الغضب الشعبى , وتأجيل لأى محاولة للتغيير . لمزيد من مقالات عادل زغلول