منذ شبابه الباكر – وفى رحلة التعلّم الثانوى – كان أخى صبحى الشارونى شديد الطموح بينما مواهبه المبكرة تتفتح ولا أدل على طموحه من أنه كان معجباً بالممثلة الأمريكية الشهيرة والشابة وقتئذ مارجريت أوبراين – فى منتصف الخمسينيات من القرن الماضى – ولم يكن إعجابه سلبياً بل عبَّر عنه من خلال موهبته التى كانت تتكشف طريقها أو تتضح رويداً والتى أصبحت فيما بعد تخصصه وهو فن النحت فالتصوير – أذكر أنه شكَّل لها رأساً من الجص اتضحت فيه بدايات موهبته المبكرة والتى ستتبلور فيما بعد حين التحق بكلية الفنون الجميلة. وأذكر أنه بعد تخرجه أحضر فرناً كهربائياً صغيراً لتسوية الفخار والخزف وذلك فى غرفة ببدروم منزلنا الذى كان يملكه والدنا بمصر القديمة ، واستغرقت تلك المرحلة حوالى ثلاث سنوات. ثم أنشأ دار نشر – فلم تكن الكتابة بعيدة عن موهبته كما اتضح فيما بعد – كان عنوانها "كتابات معاصرة" نشر فيها 42 عنواناً على مدى خمس سنوات بين عاميْ 68 إلى 73 إشترك فيها معظم أدباء ذلك العصر ، بعضهم كان معروفاً وبعضهم قدّمته سلسلته لأول مرة منهم: الفريد فرج ، ثروت أباظه ، عبد الحميد جودة السحار ، محمود البدوى ، نجيب محفوظ ، نعيم عطيه ، يحيى حقى ، غالى شكرى ، أبو المعاطى أبو النجا ، إدوارد الخراط ، جمال الغيطانى ، جميل عطيه إبراهيم ، حسن محسب ، رأفت سليم ، عبد العال الحمامصى ، عبد الغفار مكاوى ، لطفى الخولى ، محفوظ عبد الرحمن ، محمد عبد الحليم عبد الله ، يوسف إدريس ، جلال العشرى ، إقبال بركة. كما نشر أول كتاب نقدى عنى بعنوان "الخوف والشجاعة" إفتتحه بقصتين من قصصى . بعدها انتقل صبحى الشارونى إلى مرحلة التصوير الفوتوغرافى للوحات بالمتاحف والمعارض. ثم حصل على تصريح فى السبعينيات لتصوير أهم معروضات متاحف الفن الإسلامى بباب الخلق والقبطى بمصر القديمة والفن الحديث – حالياً بالأوبرا– ومحمد محمود خليل وحرمه واليونانى والرومانى بالإسكندرية. وفى مرحلة تالية اهتم صبحى الشارونى بتصوير المبانى الطينية فى معظم أنحاء الصعيد والوجه البحرى ، متعاملاً معها باعتبارها أعمالاً نحتية يتغير شكلها وتتكشف تضاريسها وجمالياتها بتغير مصدر سقوط الضوء عليها ، لهذا أقام أكثر من معرض عن البناء بالطين والتبن أو الطين كما فى مبانى الواحات مثل سيوه التى يختلط فيها الطين بالملح ويكون متماسكاً كالحديد لكنه لا يصمد أمام المطر وهو نادر فى الواحات . وُلد صبحى الشارونى عام 1933 ويعمل صحفياً بدار الجمهورية للصحافة، وحصل على درجة الماجستير فى الفنون الجميلة "تخصص نحت" من جامعة حلوان عام 1971، ثم درجة دكتوراه الفلسفة فى الفنون الجميلة من جامعة حلوان أيضاً عام 1994. وقد أقام عدة معارض داخل مصر وخارجها من بينها : روائع الفن القبطى بأكاديمية الفنون الجميلة المصرية فى روما من 30 مارس حتى 15 أبريل 1987 ، ثم انتقل إلى المركز الثقافى المصرى بباريس فى السنة نفسها من 16 حتى 26 يوليو ، كما أقام معرضه الرابع عن البناء بالطين فى واحة سيوه القديمة فى مقهى ومطعم "لى فيربلاي" ضمن مهرجان الفن الشعبى المصرى الذى نظمه بيت ثقافات العالم بباريس طوال فبراير 1988. وقد تجاوزت مؤلفاته الخمسة والعشرين كتاباً عن الفنانين التشكيليين : عبد الهادى الجزار ، رمسيس يونان ، صلاح عبد الكريم ، صلاح طاهر ، الإخوان سيف وأدهم وانلى ، حسين بيكار ، تحية حليم ، مصطفى أحمد ، السيد القماش ، بجانب مؤلفاته فى التاريخ فى الفنون التشكيلية مثل : الفنون التشكيلية 1981 ، الفن التأثرى 1982 ، 77 عاماً مع الفنون الجميلة فى مصر 1985 ، هؤلاء الفنانون العظماء ولوحاتهم الرائعة 1986 ، 80 سنة من الفن بالاشتراك مع رشدى إسكندر وكمال الملاخ 1991 ، موسوعة "الفنانون الشباب فى مصر من خلال معارض الصالون السنوى الخمسة الأولى ، المركز القومى للفنون التشكيلية 1994" ، فنون الحضارات الكبرى 1995 ، متحف فى كتاب 1998 ، النحت فى مائة عام مع آخرين 2005 . لهذا فلا عجب أن يشهد له كوكبة من نقاد الفن التشكيلى وعاشقيه وفى مقدمتهم الدكتور ثروت عكاشه الذى كتب مقدمة كتاب صبحى "فن النحت فى مصر القديمة وبلاد ما بين النهرين". فإذا نحينا جانباً ما لقيه صبحى الشارونى من عقبات كان يذللها واحدة بعد الأخري، أدركنا أن فوزه بجائزة التفوق عام 2006 من المجلس الأعلى للثقافة ليس إلا اعترافاً متواضعاً بمشواره الثرى الدؤوب المتواصل. وختاماً لا ننسى أن نشير إلى أن أهم إبداعات صبحى الشارونى هو ابنه الشاب الفنان تامر الشارونى رسام كتب الأطفال الذى تخرج أيضاً من كلية الفنون الجميلة لكنه من جيل جديد يستعين بالحاسوب "الكمبيوتر" فى تنفيذ إبداعاته. وأتوجه إلى أ.د سعيد توفيق أمين عام المجلس الأعلى للثقافة لنشر مخطوط الدكتور صبحى الشارونى الذى يتلكأ فى إدارة النشر بالمجلس منذ سنوات وكان يود أن يراه منشورا, كما يتلكأ مخطوط آخر لي. وختاما كنت أقول لإخواتى دائما إننى – بحكم العمر – سأغادر قبلكم, لكن المنطق الإنسانى لا علاقة له بمنطق – أولا منطق – الحياة والموت.