صدر عن الدار المصرية "اللبنانية" الجزء الأول من موسوعة "الفنون الجميلة المصرية في القرن العشرين – فنانو الجيلين الأول والثاني في مصر" للناقد د. صبحي الشاروني. تناول د. الشاروني في هذا الجزء نحو 144 فنانًا من مؤسسي الفنون في مصر، كما ألقى الضوء على فنانين مجهولين في تاريخ مصر الفني. ومن مميزات هذه الموسوعة أنها كتبت بطريقة تناسب المتخصصين والقارئ العام. وقد صدر الجزء الأول من هذه الموسوعة بمناسبة معرض الكتاب، وهي تقع في 140صفحة من القطع الكبير، تتضمن لوحات متعددة لكل فنان ممن شملتهم الموسوعة؛ حيث اختص الجزء الأول بفناني الجيلين الأول والثاني في مصر. والموسوعة كما يقول المؤلف خلاصة جهد متواصل لتوثيق حركة الفنون الجميلة المصرية، استمر على مدى أكثر من ثلاثة عقود، وهذا الجهد المتواصل أتاح إصدارها بهذا الشمول والموسوعية، برغم ما واجه المؤلف من صعوبات، فقد كان التوثيق وجمع المعلومات عن الفنانين والرواد صعبًا ليس فقط بالنسبة لتاريخ نشاطهم، ولكنه امتد إلى لوحاتهم أيضًا وتماثيلهم. وحول إصدار الموسوعة في هذا التوقيت تحديدًا يقول د. الشاروني: لمواجهة موجة خبيثة رفعت محاول الهدم لإنجازات جيل الروّاد، بدأت عام 1997، واستطاعت أن تنشر سمومها في مطبوعات تحمل اسم وزارة الثقافة المصرية، ومثل هذه الموجات الخبيثة لا تنجح إلاَّ في ظل غياب المعلومات الموثقة عن إنجازات هؤلاء الأسلاف، ونحن نبدأ بتقديمهم لأننا نفخر بهم، ونعتز بدورهم الرائد البطولي ونأسف لما يتعرضون له من المغرضين. يبدأ الجزء الأول من موسوعة "الفنون الجميلة المصرية في القرن العشرين" بفهرس المحتويات حيث تم ترتيب الفنانين طبقًا لتاريخ الميلاد، وينتهي بفهرس أبجدي بأسماء الفنانين الواردين فيه؛ حتى يسهل على الباحث التوصل إلى الصفحة التي بها اسم الفنان الذي يُطْلَبُ التعرف على بياناته الرئيسية، ويتضمن الفهرس الأبجدي بالإضافة إلى اسم الفنان تخصصه وتاريخ مولده. ونظرًا للظروف التي تمر بها مصر الآن، من هيمنة للتيارات الدينية التي يعادي بعضها الفنون والآداب، خصوصًا الفنون التشكيلية بأنواعها المختلفة كالنحت والخزف والرسم، فإن المؤلف حرص في بداية الجزء الأول من هذه الموسوعة المهمة على وضع آراء أشهر علماء الدين في الفنون معتمدًا على أراء الأستاذ الإمام محمد عبده في هذا المجال، وهي خطوة استباقية تثبت للمعترضين من هذه التيارات أنهم يميلون إلى التشدد، ويغادرون وسطية الإسلام الجميلة، وأوضح المؤلف كل ذلك في فصل بعنوان "رأى الشريعة الإسلامية حول فوائد الفنون الجميلة"؛ حيث أوضح الإمام الشيخ محمد عبده في فتواه حول ضرورة الفنون الجميلة من رسم ونحت للناس المعاصرين، كيف أن الإيطاليين يحرصون على حفظ الصور المرسومة على الورق والنسيج، وتحدث عن احتفاظ الأمم الكبرى بمثل هذه الآثار في متاحفهم، وعلى تنافس الأوروبيين على اقتنائها. حتى إن القطعة الواحدة من رسم رافائيل مثلاً ربما تساوى مائتين من الآلاف وكذلك الحال في التماثيل. ويقول الإمام الشيخ في حكم الشريعة الإسلامية عن الصور والتماثيل ، مفسرًا ما جاء بالحديث الشريف عن عذاب المصورين يوم القيامة ما يلي : "يغلب على ظني أن هذا الحديث جاء عن أيام الوثنية، وكانت الصور تتخذ في ذلك العهد الأول للهو، والثاني للتبرك بمثال من ترسم صورته من الصالحين، والأول مما ينقضه الدين، والثاني مما جاء الإسلام لمحوه، والمصور في الحالين شاغل عن الله أو ممهد للشرك به، فإذا زال هذان العارضان وقصدت الفائدة كان تصوير الأشخاص بمنزلة تصوير النبات والشجر في المصنوعات كما في حواشي المصاحف وأوائل السور، ولم يمنعه أحد من العلماء، من أن الفائدة في نقش المصاحف موضع النزاع، أما فائدة الصور، فمما لا نزاع فيه على الوجه الذي ذكره”. ثم يستطرد الشيخ الإمام قائًلا: "يغلب على ظني أن الشريعة الإسلامية أبعد من أن تحرم وسيلة من أفضل وسائل العلم، بعد تحقيق أنه لا خطر فيها على الدين لا من جهة العقيدة ولا من جهة العمل". أما الفنانون الذين شملتهم الموسوعة فكان على رأس هؤلاء الأمير يوسف كمال راعي الفنون، والذي أنشأ مدرسة الفنون الجميلة عام 1908، وأنفق عليها حتى عام 1927، وهو الذي أرسل المثَّال الموهوب محمود مختار عام 1911 إلى باريس للدراسة على نفقته، وقد أوقف الأمير يوسف كمال أوقافًا وعقارات وأموالاً للإنفاق من ريعها على مدرسة "الفنون الجميلة" وبعثات الموهوبين. وتضئ هذه الموسوعة الفنية جانبًا غاية في الأهمية من تاريخ مصر الاجتماعي والفني، وكيف كان الأثرياء في القرن العشرين يشجعون الفنون والآداب. كما تكتسب الموسوعة أهميتها من اكتشافها لفنانين مجهولين في تاريخ مصر الفني، وتكتسب أهمية مضاعفة كون من قام بتأليفها أحد كبار المتخصصين في الفن التشكيلي وهو صبحي الشاروني المولود في القاهرة عام 1933 ، والصحفي بدار الجمهورية، والمتخصص في نقد الفنون الجميلة والمؤرخ للحركة الفنية المصرية. وللشاروني العديد من المؤلفات في مجال الفن التشكيلي منها: "عبد الهادي الجزار - فنان الأساطير وعالم الفضاء" عن الدار القومية عام 196، "الفنان صلاح عبد الكريم" عن دار كتابات معاصرة 197، "أحلى الكلام" عن دار كتابات معاصرة 1972، "الفنون التشكيلية" عن دار كتابات معاصرة 1981، "الفن التأثري" عن دار المعارف 1982، "الفنان صلاح طاهر" عن الهيئة العامة للاستعلامات 1983، "الأخوين سيف وأدهم وانلي" بالاشتراك مع كمال الملاخ عن الهيئة العامة للكتاب 198، "77عامًا مع الفنون الجميلة في مصر" عن الهيئة العامة للاستعلامات 1985. وقامت "الثقافة الجماهيرية" بإصدار الطبعة الثانية في "مكتبة الشباب" من كتاب "الفنون التشكيلية" عام 1985، "هؤلاء الفنانون العظماء ولوحاتهم الرائعة" عن الهيئة العامة للكتاب 1986، "عبد الهادي الجزار" بالاشتراك مع آخرين عن دار المستقبل العربي 1990، "80 سنة من الفن" بالاشتراك مع رشدي إسكندر وكمال الملاخ عن الهيئة العامة للكتاب 1991، "المثقف المتمرد رمسيس يونان" في سلسلة "دراسات في نقد الفنون الجميلة" عن الهيئة العامة للكتاب1992، "فن النحت في مصر القديمة وبلاد ما بين النهرين" عن الدار المصرية اللبنانية 1993. وكتاب الفنان "بيكار" بالاشتراك مع آخرين في سلسلة دراسات في نقد الفنون الجميلة عن الهيئة العامة للكتاب بالتعاون مع الجمعية المصرية للنقاد 199، "مدارس ومذاهب الفن الحديث" سلسلة دراسات في نقد الفنون الجميلة عن الهيئة العامة للكتاب 1994، "موسوعة الفنانون الشباب في مصر من خلال معارض الصالون السنوي الخمسة الأولى" عن المركز القومي للفنون التشكيلية 1994، "فنون الحضارات الكبرى" عن مكتبة الأنجلو المصرية 1995، "روائع متحف الفن الإسلامي بالقاهرة" عن الدار المصرية اللبنانية عام 2008 ( بالعربية والإنجليزية )، "صلاح طاهر" عن قطاع الفنون التشكيلية عام 2008 (للتوزيع المجاني). وكتاب "حامد ندا نجم الفن المعاصر" عن الدار المصرية اللبنانية (بالعربية والإنجليزية) عام 2010، "أشهر السرقات من المتاحف" عن الدار المصرية اللبنانية عام 2011، و"روائع متحف محمود خليل" عن الدار المصرية اللبنانية عام 2012. وحصل د. صبحي الشاروني على العديد من التكريمات من بينها جائزة الدولة التشجيعية لعام 1986 عن تسجيل ودراسة الفنون التشكيلية والشعبية. وجائزة الدولة للتفوق في الفنون عام 2006.