بعد اشتعال نار التنازع والتناحر في كثير من بلاد المسلمين، وبخاصة بعض الدول العربية، واشتداد وطأة التعذيب والقتل الوحشي للمسلمين في كثير من الدول غير المسلمة ، والتي يمثل المسلمون أقلية فيها، استغلالا لحالة الضعف العربي، والانشغال بالشأن الداخلي الملتهب في بلاد ينبغي أن تكون مطفئة للنار لا مذكية لاشتعالها، وبعد الفشل الكبير للكيانات الدولية الرسميّة وغير الرسميّة، في حل هذه الصراعات أو على الأقل إخماد الحرائق الناجمة عنها، بل زادت من وتيرة اشتعالها في كثير من الأحيان لتحيّزها الواضح إلى فريق أو فصيل من الفصائل المتناحرة، وحتى تلك الكيانات التي أنشأها علماء كبار، سرعان ما اكتشف الناس أنها أذرع سياسيّة تحول كبار رءوسها ومؤسسيها إلى ناطقين رسميين لبعض المتصارعين، وداعمين لأعمال العنف والإرهاب، فكان العجب العجاب، حيث تحول رجل الإطفاء إلى إرهابي كبير يصب وقود الفوضى من فوق منبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي يصعده بشق الأنفس، بعد أن بلغ من العمر عتيّا، وتعمد آخرون مساندة وسائل الفتنة في تشويه صور أنقياء العلماء وأتقيائهم المهمومين بقضايا أوطانهم، في حملة تضليل وتزييف لم يشهد التاريخ مثيلها، فاهتزت ثقة كثير من الناس في علمائهم بفضل هذا التضليل والتزييف والخداع، وتهاوت منظمات وتجمعات استبشر الناس بولادتها قبل أعوام خيرا، وأراد هؤلاء أخذ الأزهر معهم إلى الهاوية، واجتهدوا في البحث عن معاول الهدم، بداية من التضييق ومحاولة زرع قيادات تتبنى فكرهم المريض في أعلى مفاصله، ومرورا بتشويه رموزه واتهام المؤسسة برمتها بالتسييس، والارتماء في أحضان الحكام وذوي السلطان، وانتهاء بالانتقام ممن تصدى منفردا لكل هجماتهم، وحافظ على سفينة الأزهر المسلحة بسلامة الاعتقاد، والتمسك بثوابت الشريعة السمحة، واليقين في الله، حيث قيض الله - عز وجل - لهذه المؤسسة في هذه المرحلة الحرجة، التقي الورع الزاهد حتى عن مقابل عمله من أجر مستحق بالشريعة والقانون، الذي حاز من اسمه أكبر نصيب الطيب بن الطيب، الذي أحيا سنة علماء أفذاذ من شيوخ أزهرنا العتيق، مدوا أرجلهم في وجوه السلاطين لظلمهم، ولم يمدوا أيديهم طمعا لما في جيوبهم، فإذا أردت أن ترى واحدا من هؤلاء فبإمكانك أن تمتع ناظريك بآخر عقدهم، المتربع على ناصية مشيخة الأزهر الشريف إماما. وبعد أن أدرك من يهتمون لأمر المسلمين من صفوة علماء الكون هذه الحقائق، وانطلاقا من مسئولية يعلمون أنهم سيسألون عنها أمام الله عز وجل، قصدوا قبلة العلم الباقية إلى أن يرث الله أرضه ومن عليها، وشيخه الجليل، باحثين عن دور يقومون به ويبرئون الذمة قبل الوقوف بين يدي الله - عز وجل - فكان الاتفاق على عقد مؤتمر دولي بدولة الإمارات العربية الشقيقة، البلد الآمن الذي أسأل الله أن يديم عليه نعمة الأمان، وأن تكون جميع بلاد المسلمين مثله أمنا واستقرارا ورخاء، وذلك لمحاولة رأب الصدع تحت عنوان: (تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة) في الفترة من 9 - 10 مارس الجاري، وشارك فيه علماء من كافة أنحاء المعمورة، جمع بينهم حب الإسلام، ومرارة ما يلاقيه أتباعه، على أيدي إخوانهم الذين يخالفونهم التوجه السياسيّ، أو حكوماتهم التي تخالف مسلكهم العقدي أو الديني. وهدف المؤتمر إلى تبرئة الإسلام من تبعة العنف، ونبذ الآخر، مع التأصيل قبل التوصيل. وإطفاء الحرائق في المجتمعات المسلمة، قبل السؤال عن مشعلها. وآلية دائمة لعلاج أسباب الشقاق، وتعزيز السلم، بعيدا عن الحكومات والتجاذب السياسيّ. وكان من اهم مناقشات المؤتمر نشر ثقافة السلام، وانتهاج آلية الحوار بديلا عن الديمقراطية العدديّة التي أثبتت فشلها، في بسط الأمن والاستقرار. ودعا الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الى اطلاق مبادرة دولية للتعارف التي وردت في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات: 13 لتَعزِيزِ السلمِ في المُجتَمعات العربية والإسلامية، وفتحِ قَنَوات اتِّصالٍ مُباشِرٍ بينَ العُلَماءِ والحُكَماءِ وبينَ صُنَّاعِ القَرار من السياسيِّينَ في الشرقِ والغربِ، لترسيخِ قِيَمِ السلامِ والأمانِ والأُخوَّةِ والمحبَّةِ عبرَ برامجِ الحوارِ، وعبرَ برامجَ تعليميَّةٍ لتربيةِ النَّشءِ والأطفالِ واختيارِ المُمارَسات السلميَّة في الحياةِ اليوميَّةِ. ويحمد لهذا المؤتمر الذي اتفقنا في لقائه التحضيري في أبوظبي 13 - 14 فبراير، أنه بقى بعيدا عن الساسة والسياسيين - حتى من دعى إليه منهم بصفته العلميّة لا السياسية، كوزراء الأوقاف وجاء في وقت بالغ الدقة، ليواجه هجمة شرسة على الإسلام والمسلمين، في الشرق والغرب معا، وسعى نحو إيجاد آلية دائمة للتدخل السريع لمنع تفجر الأزمات، ونشر السلام في سائر المجتمعات، ولعلّ هذه الجهود تتلاقى مع سائر الجهود التي يقودها فضيلة الإمام الأكبر، والتي أسمعت رأي الأزهر وصوته القوي، لأتباع الديانات الأخرى وقادتها، في عقر دارهم بروما، وطالبت بابا الفاتيكان بإدانة واضحة وصريحة للأعمال الإجراميّة بأفريقيا الوسطى، ونيجيريا، وبورما، وطالب الأزهر الغرب وأوروبا بوقف كل صور التضييق على المسلمين والمسلمات المواطنين في هذه الدول ومنعهم من أبسط حقوق الإنسان التي يدعون حمايتها، كما طالب الأزهر الدول المسماة بالكبرى بوقف التحيز ضد المسلمين، والكف عن انتهاج سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع قضايا المنطقة العربية خاصة، كما طالب الدول الإسلاميّة ذات الأكثرية غير السنية بوقف اضطهاد السنة، واتخاذ التدابير العاجلة والكفيلة بمنع هذا مستقبلا لمزيد من مقالات د. عباس شومان