تجربة مثيرة ومهمة تقدمها مدينة كفر البطيخ التابعة لمحافظة دمياط في حل مشاكل التمويل الذاتي والتكافل الاجتماعي الذي يعكس عبقرية المصريين في التشارك والإبداع وبما يحفظ كرامة الناس ويهون عليهم جميعا صعاب الحياة . التجربة المبتكرة ليست جديدة ولكنها هذه الأيام تشهد تحديثا موسميا وفقا لمقتضيات حصاد المحاصيل الزراعية والفواكه وتقوم على إعلانات ويافطات تعلق في الشوارع العامة تحت عنوان زواج الأبناء والبنات أو « فرح الأنجال « وحفلات الطهور وهي بالطبع لا علاقة لها بختان الأطفال مطلقا ولكنها إعلانات عن حاجة صاحب الدعوة إلى تمويل مالي من أبناء مدينته سواء لتزويج أولاده أو تنفيذ مشاريع يحتاجها مثل شراء سيارة أو بضاعة أو حتى أرض زراعية فيما يعرف بالنقوط الدوارة . والمدهش في العملية أنها تتم بمفهوم وتقاليد العرف الاجتماعي وتحل مشاكل التمويل والحصول على القروض من الحكومة أو البنوك بفوائد وما تستلزمه من ضمانات وأوراق وأختام ومعاملات طويلة ، أو الحصول عليها بالربا من الأشخاص كما يجري في بعض القرى . وفى أثناء تجول « الأهرام « داخل مدينة كفر البطيخ كانت اللافتات والإعلانات تغطي شوارعها وميدانها الرئيسي عن حفلات فرح أنجال أو زواج شباب وهي كلها لحفلات تغطي شهر مارس وإبريل ومايو وحتى نهاية يونيو والسبب كما فهمنا يتعلق بقرب حصاد الجوافة والبلح والطماطم ويعني ذلك توفير الأموال اللازمة مع أغلب الناس ولضمان نجاح الحفلات ثم تتوقف الترتيبات في شهر رمضان ويتم استئنافها بعد العيد بأيام . ويقول ياسر بسيوني عامل في مقهى بكفر البطيخ ان العملية برمتها تشبه الجمعية التعاونية التي يساهم في تمويلها أغلب أبناء المدينة بمبالغ تسمى النقوط ، حيث يتم الإعلان في الشوارع قبل المناسبة بوقت كاف وتتم إقامة صوان أو خيمة بها مشروبات وأحيانا طعام وإذاعة محلية ، ثم يتم تسجيل النقوط في كشوفات مخصصة وتعطى لصاحب الدعوة . ولكثرة الأفراح وتبادل النقوط بين الأهالى خرجت مهنة جديدة لتساير هذه العادة وهى مهنة متعهد جمع النقوط، الذى يتولى جمع الأموال فى دفتر ويتم تسليمه إلى أهل العروسة وأهل العريس بعد انتهاء الفرح أو صاحب الدعوة عموما، ويقوم أيضا هذا المتعهد بأعمال المحاسبة بتصفية الحسابات بين الأهالى من خلال هذا الدفتر ويصبح كل شخص من الأهالى على علم بما له وما عليه. أما الحاج فتحي أبو سالم من أبناء المدينة فيؤكد أن الشخص قد يحصل على مبالغ متفاوتة من الدعوة ما بين 30 ألفا و50 ألف جنيه وأحيانا ترتفع إلى 200 ألف جنيه وفقا لإسهاماته السابقة في حفلات الغير، حيث يحتفظ كل شخص بكشفين الأول «دائن» لتسجيل أمواله لدى الغير والثاني « مدين « لتسجيل أموال الغير لديه ويتم رصد كل المبالغ والتواريخ والأحداث بدقة متناهية ، وفي حالة عدم السداد من قبل أشخاص في الحفل وهي مسألة نادرة يتم إرسال المتعهد إليهم في الأيام التالية لجمع الأموال المتأخرة أو التفاهم على ترحيلها إلى حفلات أخرى دون أي إحراج . ويضيف الحاج سالم أن المبلغ الإجمالي المتجمع من الحفل يظل سرا ولا يعلن عنه كما لا يسأل صاحب الدعوة عن أسباب وتفاصيل احتياجه . ويؤكد حسن رضوان فلاح من أبناء المدينة أن هذه العادات لا توجد إلا في كفر البطيخ والقرى المحيطة بها وينظم المرء حفلة واحدة في السنة على الأقل ، وهناك من لا ينضم أصلا إلى هذه العملية لأن أحواله المادية جيدة ولا يرغب في المشاركة لكنهم يمثلون قلة . أما عماد صدقي بائع أسماك فيرجع الفضل لزواجه قبل 7 سنوات إلى هذه الطريقة التي ضمنت له أن يشتري كل لوازمه واحتياجاته مثل الأجهزة وتشطيب عش الزوجية والأثاث دون إذلال الديون ، بل وفر مبلغا استطاع أن يستفيد منه في العمل . وبهذه الطريقة الفريدة حلت كفر البطيخ مشاكلها التمويلية بشكل تكافلي راق يمكن أن يصبح نموذجا جيدا لتعميمه في أرجاء المحروسة .