فى وصف أخطاء الكبار، يقول أديب الانجليز الأشهر، ويليام شكسبير، إن أسوأ الفساد هو فساد الأفضل. ماذا لو كان هذا الأفضل هو بحجم وسمعة جهاز معروف عالميا كالشرطة البريطانية، «سكوتلانديارد»؟. شُوهت صورة الجهاز العريق بممارسات عنصرية وسوء سلوك وشبهات بالانفلات والفساد، حتى غرق فى فضيحة دمرت، باعتراف قيادته، ثقة الناس فيه، فقد كشفت لجنة المراجعة القضائية مؤخرا عن أن اسكوتلنديارد تعمدت التغطية على الفساد وسوء التصرف خلال التحقيق فى قضية مقتل ستيفن لورانس قبل حوالى 20 عاما. ففى أبريل عام 1993، قُتل الشاب الأسود المسالم ستيفن لورانس، البالغ من العمر 18 عاما، طعنا بسكاكين اثنين من الشبان البيض العنصريين. ولم تتحقق العدالة إلا فى عام 2012، أى بعد حوالى 20 عاما. وسجن القاتلان. وكما أصبح ستيفن أيقونة الحرب على العنصرية فى سكوتلانديارد، أصبحت أمه درين (التى عينت بارونة فى مجلس اللوردات تكريما لها) وأبوه نيفيل رمزين للنضال من أجل العدالة وتطهير الجهاز من الفساد المخفى فى أدراجه. بفضل هذا النضال، اجبر الأبوان الحكومة فى شهر يوليو عام 1997، بعد ست سنوات من مقتل ابنهما وفشل الشرطة فى جمع الأدلة لإدانة قاتليه، على إجراء تحقيق قضائى مستفيض ومستقل فى القضية أجراه ويليام مكفرسون، القاضى السابق بالمحكمة العليا. وبعد عامين انتهى إلى نتائج هزت سكوتلانديارد ووزارة الداخلية بعنف، كان أهمها أن الجهاز يعانى "عنصرية مؤسسية"، الأمر الذى يستلزم تدخلا تشريعيا وهيكليا عاجلا. ولولا حرية الإعلام المسئول، لما أجرى التحقيق القضائى وانكشف الغطاء عن هذه العنصرية. ففى شهر فبراير 1997، نشرت صحيفة "ديلى ميل" فى صفحتها الأولى اسمى الشابين (اللذين أدينا لاحقا) وقالت إنهما قاتلا ستيفين، وتحدتهما أن يرفعا قضية عليها لو كانا بريئين. ومع ذلك، رأت الشرطة، وبالتالى النيابة، أنه لا توجد أدلة كافية ترجح إمكانية إدانة الشابين المشتبه بهما لو أحيلا للقضاء. وفى يوليو 2006، أثار فيلم وثائقى تليفزيونى بثته هيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سي" تساؤلات خطيرة بشأن سلوك وسجل الشخصين المشتبه بهما. فاضطر"سكوتلانديارد" لإجراء ما وصفه بمراجعة للأدلة فى القضية، ثم أجرت اللجنة المستقلة لشكاوى الشرطة تحقيقا آخر انتهى إلى عدم وجود ادلة على فساد أو تقصير فى التحقيق. استفزت النتائج أسرة لورانس وكثيرا من المنظمات والشخصيات الحقوقية التى التفت حولها، وبلغ الغضب مداه فى عام 2008 بعد اعتداء وصف بالعنصرى على نصب لتخليد ذكرى ستيفن أقامته الأسرة بتبرعات المؤمنين بقضيتها العادلة، بلغت 10 ملايين جنيه استرليني. وفى العام التالى قالت الأم ، بمناسبة ذكرى مرور 10 سنوات على قتل ابنها إن الشرطة لا تزال عنصرية تجاه السود، خاصة أسر ضحايا جرائم القتل. وظلت الأم المكلومة المؤمنة بتقصير الشرطة تواصل حملتها الشرسة، بعد القبض على الشخصين المشتبه فى أنهما قتلا ابنها، فى جرائم مخدرات وعنف. وأخيرا أعادت الشرطة فحص الأدلة لتعثر على الحمض النووى لستيفن على ملابس المشتبه بهما، ليقدما لمحكمة الجنايات التى أدانتهما بقتل ستيفن. أراح مشهد القاتلين وراء القضبان أسرة لورانس, لكنها لم توقف الحملة، واستجاب رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، تحت ضغط أعضاء البرلمان وأمام الأدلة الدامغة، إلى تكليف المحامى المستقل مارك أيلسون بإجراء تحقيق شامل جديد لكشف ما خفى من ممارسات وسلوك وحدة التجسس، التى هى واحدة من أكثر الأجهزة سرية وحصانة فى سكوتلانديارد. وكشفت نتائج تحقيق لجنة أيلسون ما هو أسوأ وصادم للبريطانيين على كل المستويات: الشرطة أتلفت عمدا الكثير من الوثائق والسجلات الخاصة بقضية ستيفن. الشرطة لجأت إلى حيل يشتبه أنها تهدف إلى ستر الفساد. ووصفت الصحف هذه الحيل بأنها قذرة. هناك ضباط رئيسيون شاركوا فى القضية من المحتمل أنهم فاسدون. وبناء على هذه النتائج أضاف محامو أسرة لورانس اتهاما جديدا للشرطة البريطانية هو: "الفساد المؤسسي". واستشاطت لجنة الشئون الداخلية فى البرلمان غضبا بعد كشف الفضيحة المدوية . وطالبت فى خطاب رسمى سير بيرنارد هوجان- هاو بتحديد عدد الضباط الذين أفلتوا من العقاب بسبب الممارسات الفاسدة والعنصرية فى قضية ستيفن. وردت الحكومة ووزارة الداخلية والشرطة باستدعاء كل وسائل الدفاع عن سمعة سكوتلانديارد وإعلان الحرب على الفساد والعنصرية فيه. وبالفعل، بدأت كل من وزارة الداخلية والشرطة تحقيقين موسعين منفصلين جديدين. وأحالت الشرطة نفسها إلى لجنة شكاوى الشرطة المستقلة كى تجرى تحقيقا خاصا ... على أمل إقناع البريطانيين بالجدية فى التطهير ومكافحة الفساد والعنصرية فى أحد أعرق أجهزة الشرطة فى العالم الغربى.