الإسكندرية تعيش حالة من الصراع بين الأصالة والثقافة التراث من جانب والعشوائية والتخبط والجشع من جانب آخر ، ولم تكن فيلا » جوستاف أجيون » الأولى ولن تكون الأخيرة فى سلسلة هدم التاريخ العمرانى لمدينة الإسكندرية. الحكاية ترجع لسنوات مضت كما يقول الأثرى أحمد عبد الفتاح حينما بدأت المبانى التراثية للإسكندرية تتساقط بفعل معاول الهدم دون أن يتدخل أحد لمنعها، ففى غضون سنوات قليلة فقدت المدينة كثيراً من معالمها الرئيسية وملامحها العمرانية مما ينذر بمحو كل التراث المعمارى المميز الذى شارك فيه البناءون الايطاليون والفرنسيون . ولهذا السبب صدر القانون رقم144 لسنة2006 بشأن الحفاظ على التراث المعمارى للمدينة . مشيرا إلى أنه على الرغم من أن القانون نص صراحة على معاقبة كل من هدم كليا أو جزئيا مبنى أو منشأة بالحبس والغرامة لمدد متفاوتة ومبالغ قد تصل الى أرقام كبيرة، فإن ذلك لم يردع المخربين ولم يقدم أحدهم للمحاكمة . ويقول الدكتور مهندس محمد أبو الخير عضو مبادرة «انقذوا الإسكندرية» إن المبادرة تقوم حاليا على متابعة المبانى التراثية وعددها 1135 مبنى والتصدى لمحاولات هدمها منها فيلا «أجيون» و«أمبرون» و«غرة» و «شيكوريل» و«سباهى» ويضيف المهندس أحمد حسن عضو المبادرة إن التخريب طال «سينما ريالتو» التى كانت جزءا من ذاكرة المدينة السينمائية و صدر لها أمر قرار ترميم فإذا بالشركة تهدمها بحجة سوء حالتها، وفيلا » النقيب » التى تم رفعها من قوائم التراث بناء على حكم محكمة القضاء الإدارى وتم هدمها وهى التى كانت تقيم بداخلها ناريمان ملكة مصر السابقة بعد زواجها بالدكتور أدهم النقيب. وكذلك الفيلا الشهيرة ب(89 شارع عبد السلام عارف) وقد تم هدمها رغم كونها مسجلة بقائمة التراث فى ساعات معدودة قبل أن ينتبه المسئولون , وصولا لمحاولة هدم فيلا «أجيون» التى أثارت ضجة شديدة على مستوى العالم لكونها من تصميم الفرنسى «أوجوست بيريه» رائد استخدام الخرسانة المسلحة الذى شيد الكثير من المبانى الشهيرة والتى يتم الإحتفاء بها على مستوى العالم بينما مصر تهدم مبناه، ثم محاولة هدم فيلا الثرى الإيطالى شيكوريل التى أمكن إنقاذها فى آخر لحظة وان كانت لاتزال تتعرض للتهديد ثم محاولة هدم فيلا لورانس داريل « أمبرون » المشيدة على الطراز الإيطالى عام1920، وكانت ملكا لعائلة الإيطالى أمبرون, وقد سكنها الكاتب البريطانى لوارنس داريل وشهدت ميلاد رباعية الاسكندرية. ثم وصل قطار التخريب الى فندق ماجستيك بالمنشية وقام ملاكه بتعلية دورين بدون ترخيص مما أضر بالمبنى الأثرى الذى يسمى الفندق الملوكى لفخامته والذى صممه المعمارى هنرى غرة بك بتأثير فرنسى فى بداية العقد الثانى من القرن العشرين, وقد قضى فيه الروائى الانجليزى الشهير فورستر عدة أشهر عام1915... بالإضافة لهدم LA VILLA وهى الفيلا الرائعة البناء التى تم تحويلها الى فندق صغير فى منطقة كفر عبده ولكن بعد قيام ثورة 25 يناير وأثناء الإنفلات الأمنى تم هدمها فى ليلة واحدة. ويقول الدكتور محمد عوض رئيس اللجنة الفنية للحفاظ على التراث المعمارى إن الفترة الأخيرة شهدت هدم عشر مبان تراثية ، كما تم إخراج 36 مبنى مؤخراً هى فى طريقها للهدم ، كما يجب أيضا ً تنشيط العلاقة بين وزارة الثقافة والمحليات من ناحية وهيئة قضايا الدولة وهى الجهة المنوط بها الدفاع عن هذا النوع من القضايا لإطلاعها على أهمية هذا التراث المعمارى لمصر حتى يتم حل المشكلة من جذورها . ويضيف أن القضايا المرفوعة فى هيئة قضايا الدولة لا تصل إلينا فى لجنة حماية التراث ولا نعرفها إلا بعد مرور مدة الطعن وبالتالى يسقط الحق فى ايقاف الهدم، أما بخصوص فيلا » أجيون » التى أثارت الازمة فيمكن وقف الهدم على حسب كلام عوض لوجود قرار نزع ملكية وهو ما ينفيه أصحابها ، ولكن الأمر لا يقتصر على حالة واحدة بل لابد من عمل قائمة حديثة بالمبانى التراثية لإيقاف قرارات الهدم ومتابعة المخالفات بطريقة رسمية وتفعيل قانون التراث ودفع التعويضات والنظر فى موضوع الإيجارات الضئيلة لهذه المبانى الهامة مما يغرى أصحابها بهدمها ، وأكد عوض أن ثقافة الحكم لا تحافظ على التراث وأننا فى ورطة بسبب الفساد والاستهتار. ويعود الدكتور أبو الخير ليقول إن طابور المبانى التراثية النادرة التى تنتظر الهدم طويل وعلى رأسها فيلا« أمبرون » بك والتى شيدت على الطراز الإيطالى عام 1920. أما بخصوص » أجيون » فهى مسجلة على قائمة المبانى التراثية بالإسكندرية برقم 631 الا انها تتعرض للاغتيال والتدمير منذ أكثر من 5 سنوات وهى المحاولة التى تم إجهاضها بقيام وزارة الثقافة بإرسال لجنة لدراسة إمكانية نزع ملكية الفيلا للصالح العام كما قامت المحافظة بتعيين حارس عليها ولكن بعد مرور الوقت حصل صاحب العقار على قرار هدم وشرع فى الهدم ولكن الوقت مازال يسمح بالحفاظ عليها وتعويض ملاكها واستخدامها والمنطقة المحيطة بها فى مشروع استثمارى أسوة بتجربة قصر عمر الخيام بالقاهرة والذى تحول الى فندق مع احتفاظه بطابعه. ويضيف أبو الخير أنه قد تم رصد إخراج أكثر من 28 مبنى من قائمة الحفاظ على المبانى التراثية بالإسكندرية تمهيداً لهدمهما مما يشى بكارثة على وشك الحدوث فى المدينة التى تضم ما يقرب من 1135 مبنى مسجلا بخلاف المناطق والشوارع التراثية مما يعجل بضرورة وضع آلية حقيقية وواضحة للحفاظ عليها وفى الوفت نفسه تعويض ملاكها. وعن فيلا » أجيون » تقول السيدة شيرين الوكيل «إحدى الملاك القدامى للفيلا : عشت فى هذه الفيلا أكثر من ثلاثين عاماً» ، وقد اشترى والدى الفيلا عندما شاهدها لأول مرة ولم يستطع مقاومة تميزها المعمارى وقمنا ببيعها فى منتصف التسعينيات لشخص قام بدوره ببيعها لشخص آخر يحاول هدمها الآن لإقامة أبراج سكنية . ومنذ يومين استيقظت الإسكندرية على البلدوزر يحطم » أجيون » فتعالت الصرخات والاحتجاجات من المثقفين والمهندسين وبعض أعضاء السفارة الفرنسية مما دعا اللواء طارق مهدى محافظ الإسكندرية بإصدار أوامره بإيقاف جميع أعمال الهدم فورا بشكل مؤقت لحين إتمام التأكد من جميع الإجراءات القانونية ولإعطاء كل الفرص للسفارة و القنصلية الفرنسية ولجنة التراث لايجاد وسيلة بديلة دون التعرض لاحكام قضائية . ويؤكد المحافظ أنه سوف يتحمل المسئولية برغم وجود قرار وزارى بخصوص حذف مجموعة من العقارات بنطاق محافظة الإسكندرية من سجل المبانى ذات الطراز المعمارى المميز وذلك تنفيذا للأحكام القضائية الصادرة من محكمة القضاء الإدارى ولهذا قام بمعاينة الفيلاعلى الطبيعة وتبين هدم ربعها ولكنه يؤكد أن المحافظة قامت بتكرار ارسال خطاب لكل من رئاسة مجلس الوزراء ووزارة الاسكان والمجتمعات العمرانية لشرح ابعاد الموقف والافادة ما إذا كان سيتم تعويض المالك ماديا مقابل نزع الملكية من عدمه ولم يتم الرد حتى الآن وإن هذه الاجراءات ممتدة منذ 14 سنة وليست وليدة اليوم و لكن الجديد هو صدور حكم المحكمة على المداولات التى استمرت 14 سنة . والسؤال الذى يطرح نفسه حاليا: لماذا لا تتدخل الدولة لإنقاذ ما تبقى من تراث الإسكندرية الذى كان شاهداً على أيام الأرستقراطية والزمن الجميل؟