الإسكندرية المدينة الحالمة ذات الحكايات المخفية بين ثنايا الجدران والمباني تتعرض لحملة شرسة لمحو تاريخها وتراثها وذاكرتها, ولو كانت جدران المباني تنطق لصرخت مما تتعرض له من تدمير, ومع شمس كل نهار تتهاوي فيلا ويسقط قصر كان جزءا من ماضي المدينة وشاهدا علي ذكرياتها أيام كانت ممتلئة بالحيوية والإبداع والتمازج الفكري والإنساني بين سكانها المصريين والأرمن والأتراك واليونانيين والإيطاليين. وتقول المهندسة دينا طه مدرس العمارة بهندسة الإسكندرية إن مسلسل هدم الفيلات الآثرية تزايد بشكل مخيف في السنوات الأخيرة مما ينذر بمحو كل التراث المعماري الذي يرجع لعقود مضت والذي قدم فيه البناءون الايطاليون والفرنسيون أروع إبداعاتهم, وشيئا فشيئا يمكن أن تتحول المدينة الي غابة قبيحة من الكتل الأسمنتية, والفاعل في هذه الحالة ليس مجهولا بل معلوما وهو الطمع وانعدام الضمير وغياب الرقابة والقانون. وقد انتبه المشرع لهذا التدمير فصدر القانون رقم144 لسنة2006 بشأن الحفاظ علي التراث المعماري للمدينة وتم حصر المباني النادرة في قوائم واعتمادها في مجلد التراث. وتؤكد المهندسة دينا أنه رغم ان القانون قد نص علي أنه يعاقب كل من هدم كليا أو جزئيا مبني أو منشأة بالحبس والغرامة لمدد متفاوتة ومبالغ قد تصل الي أرقام كبيرة, الا أن ذلك لم يردع المخربين ولذا أطلقنا مبادرة باسمSaveAlexandria أو انقذوا الإسكندرية من المثقفين والمهندسين لمتابعة المباني النادرة والتصدي لمحاولات هدمها من خلال تسليط الضوء عليها وعمل وقفات احتجاجية وإبلاغ المسئولين وقد نجحنا في وقف بعض محاولات التخريب وفشلنا في البعض الآخر. ويقول الدكتور محمد عادل دسوقي أستاذ الهندسة المعمارية بالأكاديمية العربية للنقل البحري والذي أمدنا بكثير من صور الفيلات- إن التخريب طال أماكن كثيرة مثل طريق الحرية الذي يعد أقدم شارع في العالم( طريق كانوب) الذي فقد الكثير من مبانيه المتميزة, بالإضافة الي سينما ريالتو التي كانت جزءا من ذاكرة الإسكندرية السينمائية و صدر لها أمر قرار ترميم فإذا بالشركة تهدمها بحجة سوء حالتها, الي فيلا النقيب التي تم رفعها من قوائم التراث بناء علي حكم محكمة القضاء الإداري وهدمها وهي التي كانت تسرق عيون الفضوليين حيث كانت تقيم بداخلها ناريمان ملكة مصر السابقة بعد زواجها من الدكتور النقيب. وكذلك الفيلا الشهيرة ب(89 شارع عبد السلام عارف) وقد تم هدمها رغم كونها مسجلة بقائمة التراث, وصولا لمحاولة هدم فيلا أجيون من تصميم الفرنسي أوجوست بيريه رائد استخدام الخرسانة المسلحة في العالم, ثم محاولة هدم فيلا الثري الإيطالي شيكوريل التي أمكن إنقاذها في آخر لحظة وان كانت مازالت تتعرض للتهديد ثم محاولة هدم فيلا لورانس داريل المشيدة علي الطراز الإيطالي عام1920, وكانت ملكا لعائلة الإيطالي إمبرون, ويعد البرج الأثري والحديقة أروع ما يميزها, وقد سكنها الكاتب البريطاني لوارنس داريل وشهدت ميلاد رباعية الاسكندرية. ثم سرعان ما انشغل الشارع السكندري بالتدمير الذي لحق بفندق ماجستيك بالمنشية ومحاولة ملاكه تعلية دورين بدون ترخيص مما أضر بالمبني الأثري الذي يسمي الفندق الملوكي لفخامته والذي صممه المعماري هنري غرة بك بتأثير فرنسي في بداية العقد الثاني من القرن العشرين, وقد قضي فيه الروائي الانجليزي الشهيرفورستر عدة أشهر عام1915. وتؤكد المهندسة دينا طه أن حصيلة ما تم تخريبه هو35 عقارا تم هدمهما( حتي نوفمبر2013) و تشويه8 عقارات وبناء14 عقارا مخالفا في مناطق حفظ تراثي وخروج4 عقارات من المجلد بسبب أحكام قضائية وبهذا يمكن القول إن النتيجة ستكون لا محالة أن أغلب الفيلات والمباني الآثرية إما ستسقط بفعل معاول الهدم, أوستبقي في حالة يرثي لها وفي كلتا الحالتين لابد من نجدة سريعة قبل أن تنهار أو تتحول الي كتل خرسانية تضيع معها معالم المدينة النبيلة.