الرئيس السيسي يتفقد الأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية| فيديو    وزير الصحة يهنئ الدكتور إيهاب هيكل ومجلس نقابة أطباء الأسنان للفوز في انتخابات النقابة    السيسي يتفقد الصالات الرياضية المجهزة بالأكاديمية العسكرية في العاصمة الإدارية.. فيديو    تعليم الإسكندرية تستقبل وفد المنظمة الأوروبية للتدريب    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    محافظة القاهرة تكثف حملات إزالة الإشغالات والتعديات على حرم الطريق    السيسي يتفقد الأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية الجديدة - فيديو    التنمية المحلية: تدريب 2034 قيادة علي منظومة التصالح في مخالفات البناء بالمحافظات    من اليوم.. مطار مرسى علم الدولي يستقبل 32 ألف سائح خلال أسبوع    بعد فتح التصدير.. «بصل سوهاج» يغزو الأسواق العربية والأوروبية    شركات الصرافة التابعة للبنوك الحكومية تجمع حصيلة من العملات تعادل 18.4 مليار جنيه    رئيس مياه سوهاج يتسلم شهادات 6 محطات حاصلة على اعتماد خطط السلامة    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    وزير التعليم العالي يتفقد الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا    رئيس جهاز العاصمة الإدارية يتابع معدلات تنفيذ حي جاردن سيتي الجديدة    هل ينتهي قطع الكهرباء؟.. الوزارة توضح حقيقة وقف تخفيف الأحمال في منتصف مايو 2024    سفير مصر بالدنمارك يطالب المجتمع الدولي بتنفيذ القرارات الأممية بشأن فلسطين    هيئة شئون الأسرى الفلسطينيين: الوضع في سجون الاحتلال كارثي ومأساوي    حان وقت الصفقة.. تحرك جديد لعائلات الرهائن الإسرائيليين في تل أبيب    وسط اعتقال أكثر من 550.. الاحتجاجات الطلابية المناهضة لإسرائيل بالجامعات الأمريكية ترفض التراجع    كوريا الشمالية: الولايات المتحدة تقوم ب«تشهير خبيث» عبر نشر تقارير مغلوطة عن حقوق الإنسان    مستشار الرئيس الفلسطيني: عواقب اجتياح رفح الفلسطينية ستكون كارثية    رئيس البرلمان العربي يكرم نائب رئيس الوزراء البحريني    تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة الزمالك ودريمز بالكونفدرالية    بيريرا يكشف حقيقة رفع قضية ضد الحكم الدولي محمود عاشور    كرة اليد، موعد مباراة الزمالك والترجي في نهائي بطولة أفريقيا    مديرية الشباب بالشرقية تنفذ دورات لطرق التعامل مع المصابين    خالد بيبو: لست ناظر مدرسة «غرفة ملابس الأهلي محكومة لوحدها»    «شريف ضد رونالدو».. موعد مباراة الخليج والنصر في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    حسن الخاتمة، وفاة مواطن خلال احتفاله مع الأيتام بالإسكندرية (صور)    سياحة أسوان: استقرار الملاحة النيلية وبرامج الزيارات بعد العاصفة الحمراء | خاص    لضبط الأسعار.. الداخلية تتوعّد المتلاعبين في الخبر وتضبط 39 طن دقيق    موعد إعلان أرقام جلوس طلاب الثانوية العامة 2024    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    خبير تكنولوجيا: 70% من جرائم الإنترنت سببها الألعاب الإلكترونية    المؤبد والمشدد للمتهمين في محاولة اغتيال أحمد موسى.. تفاصيل    4 أفلام مصرية ضمن عروض اليوم التاني من الإسكندرية للفيلم القصير    بسبب البث المباشر.. ميار الببلاوي تتصدر التريند    وزيرة التضامن توجه تحية لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير بسبب برنامج المكفوفين    خبيرة: يوم رائع لمواليد الأبراج النارية    20 صورة من حفل عمرو دياب في البحرين    علي الطيب يكشف سبب اعتذاره عن مسلسل «صلة رحم» ويوجه رسالة لابطاله (فيديو)    الليلة.. أحمد سعد يحيي حفلا غنائيا في كندا    بيان عاجل لهيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة ويأثم فاعله    معنى كلمة ربض الجنة.. «أزهري» يوضح دلالتها في حديث النبي    «بيت الزكاة» يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة ضمن حملة إغاثة غزة    متصلة تشكو من زوجها بسبب الكتب الخارجية.. وداعية يرد    إحالة 12 طبيبًا بمستشفى أخميم بسوهاج للتحقيق لغيابهم عن العمل    هل يوجد تعارض بين تناول التطعيم وارتفاع حرارة الجسم للأطفال؟ هيئة الدواء تجيب    الكشف على 165 مواطنًا خلال قافلة طبية بالزعفرانة وعرب عايش برأس غارب    طلب إحاطة يحذر من تزايد معدلات الولادة القيصرية    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    قبل 3 جولات من النهاية.. ماهي فرص "نانت مصطفى محمد" في البقاء بالدوري الفرنسي؟    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دستور مصر الجديد أنهي أسطورة الرئيس الفرعون
الرئيس عدلي منصور في حوار مع الأهرام:دماء شهداء يناير تملي علينا مسئوليات جساما..المشير السيسي غامر بحياته من أجل بلاده
نشر في الأهرام اليومي يوم 04 - 02 - 2014

من اليوم الأول في' مقر الحكم' بدا جليا أن الرئيس عدلي منصور يمارس مهام المنصب كما لو كان' جنديا في مهمة وطنية' خالصة.. يؤمن الرئيس أن30 يونيو نجحت في تصحيح مسار ثورة25 يناير الذي اختطفه تجار الدين لبعض الوقت قبل أن ينتفض الشعب كالمارد ضدهم.
ويصر عدلي منصور القاضي الجليل علي أن دستورنا الجديد يرسي دعائم دولة القانون وينهي أسطورة' الرئيس الفرعون'.. ويحدد للرئيس القادم روشتة نجاحه المتمثلة في شيئين: الإيمان بمفهوم الوطن والاقتراب من نبض البسطاء.. ويمتلك عدلي منصور بعد تجربته في قصر الرئاسة رؤية واقعية للأوضاع في البلاد, ويري أنه لن تكون هناك' عصا سحرية' تنجز متطلبات متراكمة من عقود طويلة ويعول علي أداء البرلمان القادم لخروج قوانين تليق بالدستور الجديد.
ولأن حدود مفهوم الوطن, هي التي تحكمه, يري الرئيس عدلي منصور أن المصالحة مع جماعة الإخوان الإرهابية لم تعد مطروحة بعد سلسة جرائمها الأخيرة ضد المصريين.
ولأنه قاض جليل وقر في ضميره احترام إرادة الشعب قرر الدعوة لإجراء الانتخابات الرئاسية أولا تنفيذا لرغبته, ولما اتفقت عليه قواه السياسية والشبابية, بينما الرجل كان يستطيع أن يطيل فترة جلوسه علي كرسي الرئاسة بإجراء الانتخابات البرلمانية أولا.
شخصية عدلي منصور القاضي المثقف تبدو جلية في حديثه عن هواياته وقراءاته, وحتي مفهوم الصحافة' المحايدة' لديه ودور الصحافة القومية في تلك المرحلة الدقيقة من عمر الوطن, وضرورة أن تظل تلعب دورها إلي جانب الصحافة الخاصة.
'الأهرام' ذهبت إلي الرئيس عدلي منصور حاملة أسئلة كثيرة عن تلك المرحلة الدقيقة, فكانت تلك إجاباته في حوار شامل:
العلاقة بين ثورة25 يناير و30 يونيو.. أثارت جدلا كبيرا في الأوساط السياسية والإعلامية المصرية.. كيف يقيم الرئيس هذه العلاقة؟
طالما حرصت في كافة خطاباتي التي وجهتها إلي الشعب المصري, علي أن أؤكد أن ثورة30 يونيو هي مد ثوري لثورة الخامس والعشرين من يناير, استهدفت تصحيح مسارها وإعادتها إلي نصابها الصحيح, بعد أن حاول المتاجرون باسم الدين اختطاف ثورة25 يناير, والاستيلاء علي مكتسباتها, وهو ذات الرأي الذي حرصت علي نقله لشباب الثورة أثناء لقائي بهم في قصر الاتحادية, حيث كانت جلسة مكاشفة ومصارحة ممتدة.. وكما تعلم فلولا ثورة25 يناير ما كان لثورة30 يونيو, ثورتنا الثانية, أن تقدم تصحيحا لمسار الأولي.
كيف ترون الطريق إلي الرئاسة, ولماذا اخترتم تعديل خريطة المستقبل لتقديم الانتخابات الرئاسية علي البرلمانية... وهل التحديات الأمنية وخطر الإرهاب فقط هما السببان الرئيسان للإقدام علي تلك الخطوة؟
الطريق إلي رئاسة مصر في هذه المرحلة طريق مليء بالتحديات يحتاج إلي عزم وتصميم, وثقة في الله سبحانه وتعالي, وإيمان بإرادة هذا الشعب العظيم.. وأقدر أهمية تمتع الرئيس المقبل بتأييد شعبي قوي يسمح له باتخاذ ما يلزم من قرارات قد تبدو صعبة, ولكنها ضرورية لتنمية مجتمعنا واقتصادنا, وتحقيق طموحات وتطلعات المصريين, أما بالنسبة لتعديل أسبقية انعقاد استحقاقات خارطة المستقبل فقد لمست رغبة حقيقية لدي قطاع كبير من المجتمع المصري في ذلك, ومن منطلق حرصي علي الاستماع إلي أكبر قدر من الآراء, في هذا الشأن, أو فيما يتعلق بالنظام الانتخابي, فقد قررت أن أعقد حوارا مجتمعيا ليكون أحد محددات قراري حرصا مني علي أن يأتي قراري في مسألة بمثل هذه الأهمية مصحوبا بقدر كبير من التشاور مع ممثلي الشعب, وكذا بقدر كبير من الشفافية حول ما اقترحوه وما انتهي اليه حواري معهم من نتائج.
ومن ثم فهذا القرار هو ببساطة استجابة للإرادة الشعبية.. ولا دخل للتحديات الأمنية, أو خطر الإرهاب في اتخاذه, وإذا كانت الإرادة الشعبية قد اتجهت إلي عقد الانتخابات البرلمانية أولا, لاتخذت قراري بذلك.
من التأني الشديد في دراسة إصدار الأحكام القضائية إلي سرعة الحسم في ملفات السياسة الداخلية, والخارجية, كيف تعاملت سيادتكم مع هذا الاختلاف.. وكيف رأيت مطبخ صناعة القرار في الرئاسة؟ وكيف اختلفت التصورات المسبقة عن المهمة الثقيلة التي أوكلت إليكم بعد ثورة6/30 ؟
بالتأكيد يختلف إيقاع السياسة عن القضاء, ولقد أدركت منذ اللحظة الأولي لتولي منصبي أن دقة هذه المرحلة تحتاج إلي الجمع بين أمرين لا بد منهما, السرعة والدقة; فنحن نمر بظروف صعبة, سواء علي المستوي الاقتصادي أو الأمني.. وأعني الانخراط في مكافحة الارهاب. أما عن تصوري لهذه المهمة فقد كانت في ذهني مسئولية جسيمة تقبلتها بدافع من واجب وطني, وكنت مدركا أنها ستكون صعبة ومليئة بالتحديات, ولكن ممارسات الواقع العملي قد كشفت وأثبتت لي أن هذه المسئولية أكثر جسامة وخطورة وصعوبة مما كانت تحمله صورتها المسبقة في ذهني, أخذا في الاعتبار خصوصية المرحلة التي تمر بها البلاد, وما يرتبط بها من طموحات وتطلعات جنبا إلي جنب مع إرث ثقيل.
من تجربتكم في الرئاسة, ما هي توقعاتكم لموقع' الرئيس القادم' في النظام السياسي المصري بعد إقرار الدستور الجديد؟
سيظل' الرئيس القادم' هو رأس السلطة التنفيذية ورمز الدولة المصرية, طالما كان مؤمنا بمفهوم الوطن, وقريبا من نبض بسطاء هذا الشعب, كما أن الدستور الجديد وضع حدا لأسطورة' الرئيس الفرعون'.. فهو من جانب يصون لرئيس الدولة صلاحياته اللازمة لإدارة شئون البلاد, ولكنه في الوقت ذاته منح الصلاحيات المناسبة للمجلس النيابي المنتخب التي تتيح إمكانية عزل هذا الرئيس وفقا لحالات محددة نص عليها الدستور, وأعتقد أن الشعب المصري قد وعي الدرس جيدا بعد عام من المعاناة مع نظام لم يع مفهوم الوطن, ومن ثم فإنه بات يخشي تكرار هذه التجربة, وكان لزاما أن يحصن الوطن من أية مخاطر مستقبلية.
في واحد من تصريحاتكم: قلت إن' مصر تمر بمرحلة تغيير فكري واجتماعي واقتصادي', هل تري أن هذا التغيير يبدأ مع' خريطة المستقبل' أم هو يحتاج إلي منظومة أكبر في المستقبل وزعامة سياسية قوية تضمن استمرارية التغيير؟
إن تغيير هذه المنظومة بما تحويه من فكر واجتماع واقتصاد قد بدأ بالفعل مع خارطة الطريق أولي خطواته نحو عملية ديناميكية مستمرة من التغير الايجابي والنوعي علي كل الأصعدة.. وما أعنيه هنا أن التطور عملية مستمرة, وقد بات لدينا دستور يوفر الأرضية المناسبة لذلك, وأتطلع لأن يعجل مجلسنا النيابي المستقبلي بإعداد منظومات التشريعات الكفيلة ببلورة أهداف ومبادئ وحقوق دستورنا الجديد.. وأعتقد أنه من المهم أن تكون هناك زعامة سياسية قوية وكاريزمية, إلا أن ذلك في حد ذاته لا يكفي.. وينبغي ألا يرتبط مصير دولة أو حياة شعب بشخص بعينه, وإنما يتعين أن تعمل هذه الزعامة السياسية علي إرساء قواعد دولة المؤسسات; أخذا في الاعتبار أن الدستور المصري لا يتيح لرئيس الدولة إلا أن يترشح لفترتين رئاسيتين فقط أي ثماني سنوات, والدولة يجب أن تكمل مسيرتها المستمرة بمؤسساتها.
ما هي انطباعاتكم عن المشير عبد الفتاح السيسي في الفترة السابقة؟ وكيف ترون مستقبل الحكم في مصر ؟
ما من شك أن للمشير السيسي رصيدا هائلا وإسهاما جوهريا ارتباطا بثورة30 يونيو, لقد غامر الرجل بحياته, وواجه العالم أجمع حفاظا علي هذا الوطن وصونا لمقدراته, وصحح مسار ثورة25 يناير, وكان طبيعيا أن يكون نتاج ذلك منزلة كبيرة في قلوب وعقول غالبية الشعب المصري, بمن فيهم عدلي منصور. وفضلا عما تقدم, فهو علي رأس مؤسسة وطنية طالما كان لها دورها المهم في حياة المصريين.. وهو الدور الذي نتج عنه هذا التقدير الجم, والحب العميق من الشعب لجيشه.
إنني متفائل للغاية بالنسبة لمستقبل مصر علي جميع الأصعدة سواء السياسي والاقتصادي منها, أو الاجتماعي والثقافي, وقد كفل الدستور الجديد فصلا وتوازنا بين السلطات, فضلا عن تكريسه للحريات وكفالته للحقوق بشكل غير مسبوق, وإنني علي يقين من أن أي رئيس لمصر ستظل ماثلة في ذهنه حقيقة واضحة مؤداها أن هذا الشعب العظيم أسقط رئيسين خلال عامين فقط, ومن ثم إذا أراد تحقيق النجاح, وكسب تأييد واحترام الجماهير, فإنما عليه الاستجابة لإرادة الشعب الذي هو مصدر السلطات.
' الدولة الحديثة' مصطلح يتردد في خطاباتكم منذ توليك المنصب, كيف تري الطريق لبناء الدولة الحديثة في مصر بعد التخبط الذي ساد لعقود وأدي لتراجع مكانة الوطن وعدم اعتلاء مصر موقعها في الساحة الدولية؟
مصر دولة محورية رائدة في إقليمها وقوة لا يستهان بها استراتيجيا وعسكريا وسياسيا, فهي محور اتزان المنطقة, وإذا كانت نظم سابقة قد فرطت في مكانة مصر فإنها تستعيد تدريجيا مكانتها اللائقة.. الدولة المصرية, بعد أن راجعت علاقاتها الدولية, أرست لذاتها بعد ثورة الثلاثين من يونيو أسسا لإدارة علاقاتها الخارجية, تتمثل في استقلالية القرار الوطني المصري, وتغليب المصلحة الوطنية المصرية علي أي اعتبارات أخري, واستعادة مصر مكانتها الريادية ودورها الاقليمي مرتكزة في ذلك علي بعدها القومي; فمصر لها بعد عربي وآخر إفريقي وثالث إسلامي ورابع متوسطي فهي متعددة الدوائر ومحورية, وأود أن أؤكد أهمية' سيادة القانون' وسن التشريعات اللازمة لتفعيل الدستور الجديد, بغية النهوض بكل مناحي الحياة المصرية, وعلي رأسها التعليم بكل مراحله وأنواعه: المدرسي والجامعي, والعام والفني, وأيضا الصحة والصناعة والزراعة, فضلا عن إقرار الأمن والنظام لتوفير المناخ الملائم, سواء لجذب السياحة الوافدة إلي مصر أو الاستثمارات الأجنبية المباشرة, وأعتقد أن إرهاصات إيجابية بدأت تلوح في الأفق, ولعل أبرزها مشروعي تنمية محور قناة السويس, ومحطة الضبعة للاستخدامات السلمية للطاقة النووية, وهنا تبرز أهمية تبني مشروعات قومية ضخمة تثري بيئة العمل والاستثمار في مصر, وتحقق النمو والازدهار.
برأيكم كم تحتاج مصر من وقت ومناقشات لإخراج قوانين تليق بالحقوق المنصوص عليها في دستورها الجديد؟
إن التشريع يعد إحدي مهمتي المجلس النيابي الرئيسيتين بالإضافة إلي الرقابة علي الحكومة, ومن ثم فإن سن التشريعات اللازمة لتحويل هذا الدستور سيعد إحدي المهام الأساسية التي سيناط بها مجلس النواب المنتخب المقبل, والذي سيتعاون مع الحكومة لتحديد الأولويات والموضوعات الملحة التي يحتاج تنظيمها إلي سن قوانين جديدة, ثم سيتعين علي الوزارات المختلفة, كل في اختصاصه, أن تلتزم بتطبيق, وتفعيل هذه القوانين لتلبي احتياجات وطموحات الشعب المصري, وأقدر أن المدي الزمني الذي سيستغرقه المجلس النيابي المقبل لتحقيق ذلك سيعتمد علي نمط وسرعة أداء أعضائه, فضلا عن المناخ السياسي والظروف التي سيعمل فيها المجلس, ولكن الواقع أن مصر في المرحلة المقبلة تحتاج منا جميعا ألا ندخر جهدا أو وقتا لتحقيق آمال شعبها.
بمناسبة الدستور, هل يتخوف القاضي الجليل عدلي منصور من أن تكون هناك' آمال عظمي' في الدستور الجديد يمكن أن تقع فريسة الواقع الصعب؟
بعد ثورتين شعبيتين متتاليتين, أتفهم تماما دوافع أي مواطن مصري في أن يكون سقف طموحاته مرتفعا, وأن يكون حريصا علي تحقيق الآمال الواردة في الدستور, وتحويلها إلي واقع ملموس, ماذا تنتظر من مواطن أهدرت معظم حقوقه في كافة المجالات.. لا حياة حزبية حقيقية.. لا وظائف.. تفشي للبطالة.. لا عدالة اجتماعية.. وبالطبع تغييب كامل لتكافؤ الفرص.. طبيعي بل ومنطقي أن يكون هذا المواطن تواق ومتعطش لاستعادة كل حقوقه المسلوبة.. الحلم مباح ومطلوب لتحقيق الواقع.. ولكنني لا أريد أن يكون سقف أحلام مواطني الشعب المصري سببا في إحباطهم.. لن تكون هناك عصا سحرية تنجز متطلبات عقود طويلة.. المهم في المرحلة المقبلة أن نضع أقدامنا علي الطريق الصحيح في كافة المجالات.. نريد حياة سياسية صحية وسليمة.. مناخا اقتصاديا مواتيا.. أمنا وتعليما جيدا.. وإعلاما حرا, واعيا ومسئولا.. إبداع فكري.. يملأ عقول أبناء هذا الشعب بما هو نافع ومفيد.. إذا بدأنا هذه الخطوات فنحن علي الطريق الصحيح, الذي لن نستطيع مواصلته وأقولها بكل صراحة ' دون العمل'.. الذي اعتبره ديننا الحنيف' عبادة'.. نعم إلي هذا الحد يقدس الإسلام قيمة العمل.. دون العمل وبجدية لن تتحقق الآمال والطموحات.. ووطننا يزخر بالثروات والإمكانات التي إذا أحسنا استثمارها وتوظيفها فسوف نساهم بلا شك في التخلص رويدا رويدا من الإرث الثقيل من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها عقود سابقة, ولكن علينا جميعا أن نتذكر دائما أننا إذا ما أردنا النجاح, فليس علينا فقط أن نعمل, وإنما أيضا أن نتقن العمل.
كيف تري العبء الملقي علي عاتق المحكمة الدستورية في إنفاذ الدستور الجديد؟
بداية أود أن أنوه إلي أن مصر قطعت رحلة دستورية طويلة منذ عام1923 إلي الآن, مما أكسب الفكر الدستوري المصري نضوجا ووعيا ملحوظا, ووضوحا كاملا في الرؤي الفقهية لمسئوليات السلطتين التشريعية والتنفيذية, ولدقة الحدود والفواصل التي تقوم عليها العلاقات بين السلطات الثلاث وبعضها, وهو الأمر الذي من شأنه أن ييسر مهمة المحكمة في إنفاذ الدستور الجديد.. كما أن تاريخ المحكمة الدستورية المصرية- التي أسس دستور1971 لإنشائها- حافل برصيد مشرف من الرقابة القضائية علي دستورية القوانين واللوائح, منذ أن صدر قانون إنشائها في عام1979 علي يد أول رئيس لها المستشار/ ممدوح عطية, رحمه الله.. ثم بعد ذلك عهد المستشار/ عوض المر رحمه الله, ذلك القاضي الدستوري والفقيه الفذ الذي تعلمت علي يديه ماهية الرقابة القضائية علي دستورية القوانين.. وإن ثقتي كاملة في أن هذا الصرح العظيم سيظل حارسا' للدستورية' ولدستورنا الجديد كقلعة شامخة تذود عنهما, وتدفع أي خروج عليهما.
أما دور المحكمة في إنفاذ الدستور الجديد, فلا أريد أن أسمي هذا الأمر' عبئا' وإنما' واجب أو مهمة وطنية', وأثق تماما في أن المحكمة ستستمر في أداء دورها الوطني ومسئوليتها الواجبة, وستباشر كافة اختصاصاتها, كما كانت دائما بحيادية ونزاهة, تامة سواء من حيث الرقابة علي دستورية القوانين واللوائح, وتفسير النصوص التشريعية التي تثير خلافا في التطبيق أو الفصل في تنازع الاختصاص بين جهات القضاء, أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي, والفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين.
ملف' المصالحة' من الملفات الشائكة, سواء كانت مصالحة مع بقايا الجماعة الإرهابية, أو رجال الأعمال الهاربين.. ما هي رؤيتكم لتفعيل خطوات المصالحة في مرحلة الرئيس الجديد في السلطة؟ وهل المصالحة بالضرورة تعني أن هناك ما تريد السلطة التستر عليه أو التحايل عليه, مثلما يسعي البعض إلي الترويج لذلك في الخارج؟
إذا كنت تتحدث عن المصالحة مع جماعة' الإخوان المسلمين'; فبعد أن استعاد الشعب المصري وعيه السياسي, وقال كلمته في ثورتين مجيدتين, هل يمكن اتخاذ أي قرار في هذا الشأن دون موافقته ورضاه, أشك في ذلك, لقد ولي زمن الانفراد بالقرارات المصيرية, وتجاهل إرادة الشعب المصري; فالمعطيات تتغير وكذلك المطروح والمقبول شعبيا يتغير; فقبل تفشي أعمال العنف كأحداث الجامعات المصرية, وتفجير مديريتي أمن الدقهلية والقاهرة ومتحف الفن الإسلامي, وأحداث كرداسة وقرية' دلجا' واغتيال قيادات جهاز الشرطة وغيرها, كان من الممكن الحديث عن المصالحة, وأظن أن هذا الأمر لم يعد مطروحا أو مقبولا شعبيا.
وأما بالنسبة لمشاركة عناصر هذه الجماعة ممن قطعوا صلتهم بها وتبرأوا من أفعالها, ولم يسبق لهم الاشتراك في إراقة الدماء المصرية, وتخريب المصالح والمنشآت العامة والخاصة في الحياة السياسية, فهو أمر معقود بإرادة الناخبين, وليس بقرار حكومي, علي أن يسبقها تصحيح للمسار ومراجعات صادقة للمواقف, واعتراف بثورة30 يونيو ومبادئها, وفي كل الأحوال طالما كانت دماء تسيل فمن المؤكد أن هذا الرفض الشعبي سيستمر.. إن تلك الدماء خلقت جراحا كثيرة وغائرة, والحديث عن المصالحة له متطلبات كثيرة, بما فيها فترة زمنية دون جراح جديدة تندمل خلالها الجراح القديمة. أود أيضا أن أؤكد أن مصر بعد إقرار الدستور' دولة قانون'; ووفقا لذلك سيتم تصحيح الأوضاع وإنهاء مثل هذه الملفات, بما فيها ملفات رجال الأعمال الهاربين.
هل تتخوف من اتخاذ العنف من جانب الجماعات الإرهابية منحي جديدا يؤدي إلي قرارات وإجراءات استثنائية في الفترة المقبلة, وهو ما ورد في خطابكم الأخير إلي الشعب المصري... وماهي الإجراءات الاستثنائية التي يمكن أن تتخذها سيادتكم في هذا الاتجاه؟
الإرهاب والعنف كما قلت سابقا هو وسيلة الضعفاء ممن لا حيلة لهم, وإذا كان علو الصوت في حد ذاته يعد دليلا علي ضعف الحجة وغياب المنطق, فما بالك بأعمال القتل وترويع الأبرياء, وأود أن أحيلك إلي كلمتي التي وجهتها للأمة في السادس والعشرين من يناير2014, فقد قلت إنني لن أتردد في اتخاذ إجراءات استثنائية' إن تطلب الأمر ذلك', وأردت أن أؤكد من خلال كلماتي أن الدولة مضطلعة بمسئولياتها إزاء حفظ أمن الوطن والمواطنين, وتدرك حجم التحديات الأمنية التي تواجهها البلاد, ونحن ماضون في تنفيذ استحقاقات خريطة المستقبل, وفقا للجدول الزمني المعلن, وآمل أن تسفر الجهود الأمنية عن انحسار ودحر موجة الإرهاب التي تشهدها البلاد في مستقبل قريب.. إلا أنني حرصت علي أن أؤكد أنه إذا ما لزم الأمر سنقوم بذلك, استجابة لما قد تطلبه مؤسسات الدولة المعنية من إجراءات استثنائية.. لكنني بالقطع أتمني ألا تضطرنا الظروف والتطورات إلي فرض إجراءات استثنائية لازمة لحفظ الأمن والنظام, ودعنا لا نستبق الأحداث فلكل حادث حديث.
طالبتم في خطابكم الأخير بإعادة النظر في قضايا بعض المقبوض عليهم خاصة طلاب الجامعات.. هل تعتزم تصفية هذا الملف قبل إجراء انتخابات الرئاسة؟ وما هي حدود التعامل مع تلك الحالات التي اخترق بعضها النظام العام وهدد السلم الاجتماعي بممارسة العنف في الشارع؟
مخاطبتي للقضاء في كلمتي المشار إليها كانت' مناشدة' وليست' مطالبة' فنحن في دولة قانون, وهناك دستور يكفل الفصل بين السلطات, ومن ثم فإن الأمر معقود بإرادة القانون, وفي يد القضاء, وكل ما ناشدت به القضاء هو التعجيل باستكمال التحقيقات, ومراجعة حالات من تم إلقاء القبض عليهم, للوقوف علي التهم الموجهة إليهم ودراسة حالاتهم من وجهة النظر القانونية, بحيث يتم الإفراج عمن لم يرتكبوا أية جرائم, أما من سيثبت بحقهم الاتهامات الموجهة إليهم فسيكفل القانون عقابهم, جراء تهديدهم السلم الأهلي, وتكديرهم الصفو العام, وقد تفضل السيد النائب العام بالاستجابة لمناشدتي حيث وجه بسرعة انجاز هذه الحالات, كما زيدت عدد الدوائر القضائية لنظر القضايا المتهم فيها هؤلاء.
ما هو تقييم الدولة بعد الثورة لدور وأداء جهاز الشرطة؟
كل الدعم والتقدير من الدولة لجهاز الشرطة في أداء واجباته ومهامه الثقيلة والجسيمة التي يتحملها بعد ثورة30 يونيو, هذا الجهاز قد برهن علي وطنية صادقة في30 يونيو, بانحيازه جنبا إلي جنب مع القوات المسلحة للإرادة الشعبية, ولم يضن علي الوطن بخيرة أبنائه شهداء في سبيل الوطن, ولكنني أود أن أنوه أيضا إلي أن الدعم المادي الذي تقدمه الدولة لجهاز الشرطة, والدعم المعنوي الذي أصبح يتلقاه من الشعب بعد ثورة30 يونيو, إنما يصب في صالح أداء دوره علي الوجه الأكمل دون تجاوزات, فكافة الصلاحيات التي يتمتع بها أعضاء جهاز الشرطة إنما منحت لهم من أجل خدمة هذا الشعب, وصون أمن الوطن والمواطنين, دون تجاوزات ستعرض من يرتكبها للمساءلة القانونية, فنحن نؤسس لدولة' سيادة القانون' التي تساوي بين أبنائها في الحقوق والواجبات.
بضمير القاضي, كيف تري الجدل حول' التسريبات' التي لحقت بأشخاص يعملون بالسياسة؟ وما هو رأيكم في التعامل القانوني مع تلك' التسجيلات'؟
هناك بلاغات مقدمة اتصالا بهذا الموضوع, وقد كلف النائب العام بالتحقيق فيها, ولا يجوز لي التعليق علي موضوعات ما زالت قيد التحقيق.
كنتم أول رئيس دولة يزور الكاتدرائية المرقسية بالعباسية لتقديم التهنئة بمناسبة عيد الميلاد المجيد.. وقالت أوساط الكنيسة إنهم طلبوا من سيادتكم إقرار قانون دور العبادة.. كيف تري هذا المطلب؟
إن زيارتي لتقديم التهنئة للإخوة المسيحيين نابعة من إيماني بأننا أبناء وطن واحد, و الدستور يساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات, ولا يميز بين أبنائه لأي سبب بما في ذلك الدين, وهذا المطلب مشروع; فمن حق كل مواطن أن تكفل له الدولة حرية ممارسة عقيدته السماوية.. وكما تعلمون; فإن هذا الأمر له ضوابط ومعايير, تتعين مناقشتها في المجلس النيابي المقبل, الذي أثق في أنه سيعجل بإصدار هذا القانون, تماشيا مع نصوص دستورنا الجديد.
نحن أمام واقع أن الرئيس عدلي منصور في طريقه للخروج من المنصب الرفيع خلال أسابيع بعد مهمة عظيمة وتاريخية, كيف تخطط للمرحلة المقبلة؟.. هل تعتزم التقاعد أم أن هناك دورا جديدا يمكن أن تخدم فيه مصر في تلك المرحلة الصعبة؟
دائما أري نفسي علي منصة القضاء, وأعتبر أن مسيرة الإنسان المهنية تعد جزءا لا يتجزأ من تكوينه العقلي والنفسي والوجداني, ومن ثم فإن اتخاذ القرار بعد أن مارست مهام منصبي هذا, يعد أمرا بالغ الصعوبة والتعقيد, وتتنازعه أمور كثيرة, وأرجو الله أن يوفقني في اتخاذ هذا القرار الذي يرضي عنه سبحانه.
صورة مصر في العالم الخارجي عاينتها في جولات قليلة آخرها زيارتكم لليونان هل تري أن جسور مصر مع العالم سوف تتحسن كثيرا بإجراء انتخابات الرئاسة, أم أن تأثير الحملات الإعلامية والسياسية التي تخدم أغراض أطراف إقليمية ودولية يمكن أن يستمر لفترة من الوقت؟
لقد تجاوزنا مرحلة توصيف ما حدث في الثلاثين من يونيو, وما تلاها من أحداث مهمة في تاريخ مصر, ولن نتوقف عنده طويلا. لدينا قناعاتنا التي قد يتفق البعض معنا فيها أو يختلف, ودورنا ليس في أن نجبر الآخرين علي اعتناق آرائنا.. وإنما التعبير عنها بصورة سليمة وحقيقية, وتفنيد ودحض وكشف أية أكاذيب, أو أي فهم مغلوط; ليتمكن الآخر من تقييم الموقف بشكل أوضح.
ولقد حرصت علي أن تكون أولي زياراتي عقب إقرار الدستور إلي دولة اليونان الصديقة, التي دعمت ثورة الشعب المصري في الثلاثين من يونيو, وبرهنت علي صداقة حقيقية علي المستويين الرسمي والشعبي, كما أنها تولت الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي اعتبارا من الأول من يناير2014 لمدة ستة أشهر, وما أود تأكيده في هذا الصدد أن مصر بعد ثورة30 يونيو مستقلة القرار, وأن مؤسسات الدولة لا تتخذ قراراتها إلا بناء علي مصلحة الوطن والمواطن المصري, التي تعد منذ قيام هذه الثورة المجيدة المحرك الأول والباعث الأساسي لإدارة علاقاتنا مع العالم الخارجي, ومما لاشك فيه أنه كلما أنجزنا استحقاقا من استحقاقات خريطة الطريق واجتزناه بنجاح فإن ذلك ينعكس إيجابيا علي صورة مصر في الخارج, حيث يؤكد التزامنا بمسار خريطة المستقبل, وعملية التحول الديمقراطي في مصر, وأود في هذا الصدد أن أنوه إلي الدور الوطني الذي تلعبه وزارة الخارجية.. مؤسسة الدبلوماسية المصرية العريقة, التي أسهمت بلا شك في إيضاح حقائق ما يجري في مصر إلي مختلف دوائر عمل السياسة الخارجية المصرية, وكانت خير معين للدولة المصرية في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ أمتنا, كما نقلت رسالة' مصر ما بعد الثورة' إلي العالم والتي تلخصت في أننا منفتحون علي العالم أجمع, وحريصون علي علاقاتنا بكل الدول مادامت شاركتنا هذا الحرص, وكانت علاقاتنا بطرف ليست علي حساب علاقاتنا بطرف آخر.
قابلت في الأشهر الأخيرة مسئولين رفيعي المستوي من الإدارة الأمريكية. هل تشعر بأن المواقف الأمريكية الجديدة تنبع من تغيير حقيقي وتقييم أفضل لنتائج الثورة الشعبية, أم أن السياسة' البراجماتية' تغلب علي موقف واشنطن؟
دعني أبدأ بمعاودة تأكيد علي أن مصر ما بعد30 يونيو' مستقلة القرار' وأن أولوية رئيسها وحكومتها هي شعبها وإرادته, ولا يعنينا كائن من كان إذا ما جاءت مواقفه متعارضة مع مصالح مصر, كما أود تأكيد أننا حريصون علي علاقاتنا بالولايات المتحدة بقدر حرصها علي علاقتها معنا. وهناك نقطة تحول تدريجي بدأت منذ عدة شهور- في الموقف الأمريكي تجاه ثورة يونيو فقد اعترفت الولايات المتحدة صراحة في سبتمبر الماضي بأنه' من الواضح أن الشعب المصري لم يكن مرتاحا لمن يحكمون البلاد'.. كما أكد وزير الخارجية الأمريكي أثناء زيارته الأخيرة لمصر أن ما يعني الأمريكيين هو تنفيذ خريطة الطريق, والمضي قدما في العملية الديمقراطية, وإن كان لم ينف الجدل المستمر داخل الأوساط السياسية الأمريكية حول ما حدث في مصر بين مؤيد ومعارض وهو ملف لم يغلق حتي الآن.. كما أكدت الولايات المتحدة منذ أيام أن الشعب المصري هو صاحب القرار الوحيد في اختيار من سيتولي رئاسة البلاد. إن الرسالة التي وصلت إلي الولايات المتحدة كانت موجهة أساسا من الشعب المصري الذي أكد في أكثر من مناسبة منذ30 يونيو أنه لن يقبل بأي تدخل خارجي في شئونه الداخلية, وأخيرا لعلك تابعت الموقف الأمريكي الذي تم التعبير عنه مؤخرا بشأن رغبة واشنطن في تعظيم الدعم الاقتصادي لمصر من خلال جهد مشترك مع الأشقاء في الخليج, كذلك قرار مجلس النواب الأمريكي الأخير بشأن استئناف المساعدات الاقتصادية المقدمة إلي مصر.. وما صدر عن وفد الكونجرس الذي التقيته أخيرا من تصريحات داعمة لخريطة المستقبل تضمنت تقديم التهنئة علي إقرار الدستور والإشادة بالتزامنا بالجدول الزمني لخريطة المستقبل علي الرغم من عبء مكافحة الإرهاب الذي تواجهه مصر, و علي أية حال, فإن ردي علي السؤال سيكون بالإيجاب علي كلا السببين.. فمن ناحية, هناك فهم وإدراك متزايد لحقيقة ما جري في مصر منذ30 يونيو والارادة الشعبية المصرية, كما أنه من ناحية أخري فبطبيعة الحال هناك مصالح مشتركة لها أهميتها, فرضت وتفرض نفسها علي العلاقات بين الدول, وليس مشاعر الحب أو الكراهية.
التقارب المصري الروسي أخذ في التبلور في الآونة الأخيرة, باعتباركم تعلم دقائق الأمور, هل تعتقد أن تطوير العلاقة مكتوب له النجاح, وما هي فوائده علي مصر من وجهة نظركم؟
لقد بدأت مصر تستعيد دورها الريادي, سواء علي المستوي الاقليمي, أو الدولي, وهو دور تفرضه حقائق التاريخ والجغرافيا وثوابت القومية العربية.. تلك المكانة التي ترسخت عبر عقود طويلة, والتي ستستعيدها مصر كاملة بل وأكثر فور الانتهاء من إنجاز استحقاقات خريطة المستقبل, وأؤكد في هذا الصدد أننا حريصون علي أن يكون المجتمع الدولي أكثر ديمقراطية, وأقل ازدواجية في معاييره علي أرض الواقع.
وأما بالنسبة للعلاقات المصرية الروسية, فكما تدري أن الاتحاد السوفييتي السابق كان قد ترك موروثا إيجابيا ملموسا يمكن البناء عليه لتفعيل علاقاتنا مع روسيا الاتحادية; فالمجتمع المصري لا ينسي الإسهام الروسي في بناء السد العالي, وتدشين الصناعات الثقيلة, فضلا عن دعم موسكو لمصر تدريبا وعتادا في حرب أكتوبر1973, ومن ثم كان من الأهمية بمكان أن نعيد صياغة علاقاتنا مع موسكو لنعيد توازنا افتقدناه في علاقاتنا الدولية, ولقد تجلت أول ملامح دفع العلاقات الثنائية في الزيارة التي أجراها في نوفمبر2013 وزيرا الخارجية والدفاع الروسيان إلي القاهرة, حيث أكد وزير الخارجية الروسي لافروف اهتمام روسيا الاتحادية باستقرار مصر, وأن يكون لديها اقتصاد متطور يساند هذا الاستقرار, وهو ما أكده لي في اتصال هاتفي لاحق الرئيس الروسي' فلاديمير بوتين' معربا عن استعداد بلاده للإسهام في تحقيق تطلعات الشعب المصري في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه, وهو الأمر الذي نثمنه غاليا, وقد وجهت الأجهزة المصرية المعنية باتخاذ اللازم نحو الإعداد الجيد لتحقيق ما يتطلع إليه الجانبان من انعقاد اللجنة العليا المشتركة بين البلدين خلال الربع الأول من العام الحالي; لبدء الخطوات التنفيذية اللازمة لتفعيل كل جوانب العلاقات بين البلدين, بما في ذلك المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والسياحية والعسكرية.
وفي ضوء توافر الإرادة السياسية لدي البلدين فإن هذه العلاقات يمكن توثيقها وتفعيلها, لاسيما أن آفاق التعاون ومجالاته رحبة ومتعددة, ولاسيما في الشق الاقتصادي والعسكري, فضلا عن توافق الرؤي بين القاهرة وموسكو في العديد من القضايا الإقليمية والدولية, وأود أن أنوه إلي أننا, وإن كنا نرحب بعودة روسيا إلي المنطقة, وتفعيل علاقاتنا الثنائية معها, إلا أننا لا نراها بديلا لأحد.
هل ملف نهر النيل قابل للتفاوض الدبلوماسي أم أنكم تسلمتم المهمة بعد أن قطع الجانب الإثيوبي شوطا في بناء سد النهضة; وبالتالي الضغوط السياسية هي الحل الأول اليوم؟
موضوعات الأمن القومي المصري, وفي القلب منها موضوع مياه النيل والأمن المائي لمصر, خط أحمر, لم ولن تتهاون الدولة المصرية في أن تصونه وتضمنه, فمصر هبة النيل.. ويجب أن يدرك الجميع أن النيل, وما يحمله من مياه يمثل الحياة في مصر, وتفريطنا في مياهه يعني تفريطنا في حياتنا وإضاعتنا لها, ومن ثم لن تفرط الدولة المصرية في قطرة واحدة من حصتنا المائية من إيراد النهر, بل إن واجبنا مع تزايد عدد السكان في مصر أن نعمل جادين علي زيادة حصتنا المائية من مياه النيل. أما بالنسبة لسبل التعاطي مع موضوع بمثل هذه الأهمية لأمننا القومي, فأعتقد أن هناك محافل أخري مناسبة لمناقشته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.