في الوقت الذي تتصاعد فيه صرخات المواطنين من عدم اهتمام البائعين والمنتجين بالأسعار الاسترشادية التي تعلنها وزارة التموين فإن الأجهزة الرقابية وعلي رأسها جهاز حماية المستهلك خارج الخدمة ليس له أي وجود في ضبط الأسواق لمواجهة العشوائية وحالة الفوضي التي يعاني منها المواطن في حياته اليومية ضد التعامل مع هؤلاء البائعين. فالأمر يحتاج إلي وقفة جادة من المسئولين لإعادة هيكلة هذه الأجهزة الرقابية وضخ دماء جديدة في شرايينها قادرة علي عودة الروح إليها بعدما فشلت الحكومة في ضبط الأسعار التي لسعت جيوب الغلابة وتركتهم نهبا لهؤلاء التجار الجشعين. في جولة بين المواطنين في عدد من الأسواق رصدت تحقيقات الأهرام بالكلمات حجم هذه الفوضي والعشوائية نتيجة غياب الأجهزة الرقابية فقالوا: السخرية والضحكات الهيستيرية يؤكد فهمي فوزي موظف بالمعاش أن أسعار السلع من الخضراوات والفاكهة في أسواق مصر الجديدة تفوق الأسعار الاسترشادية التي تعلنها وزارة التموين, بل إن الباعة اعتادوا علي بيع سلع رديئة: وبأسعار مرتفعة وعندما نطلب منهم الالتزام بالأسعار الاسترشادية يكون رد الفعل.. الضحكات والسخرية من هذه الأسعار مؤكدين أنه لاقيود عليهم في البيع والشراء. ويضيف: انه لم يسمع أو يعرف شيئا عن مكاتب أو جمعيات حماية المستهلك, مشيرا إلي انه زار عدة دول أوروبية وكان يري نشاطا بارزا لهذه الجمعيات في ضبط الأسواق وحماية المواطنين. السلع الفاسدة تقول تهاني عبدالجواد ربة منزل: إنها تتوجه إلي سوق المطرية لشراء احتياجات أسرتها من السلع والبضائع ولم تسمع عن مكاتب حماية المستهلك أو وجود لرجال التموين أو الشرطة لحمايتها عندما تشتري بضائع فاسدة مثل اللحوم والأسماك وترغب في ارجاعها إلي البائع وتكتشف انها مضروبة يرفض ارجاعها. الأسواق الشعبية أما علي محسن موظف بوزارة العدل فيؤكد.. انه لم يسمع عن أي من الأجهزة الرقابية في الأسواق الشعبية لحماية المشترين, مشيرا إلي أن السلاسل التجارية الكبري يكون عندها التزام بسياسة الاستبدال وارجاع البضائع لكن البائعين في الأسواق الشعبية لايلتزمون بالأسعار الاسترشادية التي تعلنها وزارة التموين, مؤكدا أن الأجهزة الرقابية مثل مباحث التموين وحماية المستهلك غائبة تماما وليس لها أي وجود. مكاتب دائمة يؤكد ابراهيم صابر ابراهيم مصرفي بأحد البنوك الحكومية أن سياسة الاستبدال والاسترجاع للبضائع المخالفة لايطبقها الغالبية من البائعين لكنهم يجبرون الزبون علي استبدالها ببضائع مغايرة تماما لرغبة الزبون, بل بأسعار مرتفعة فيضطر المشتري للرضوخ لشطحات وتهديدات البائع لأنه لايجد من يحميه أو يشكو إليه. ويضيف أن وزارة التموين تعلن عن أرقام تليفونات في برامج التليفزيون للابلاغ عن المخالفات, وعند الاتصال بهذه الأرقام لاتجد من يرد علي مكالماتك. ويقترح إنشاء مكاتب دائمة في كل تجمع تجاري أو سوق شعبية مع ضرورة تغير المسئولين العاملين بهذه المكاتب بصفة دورية حتي لايتحالفون مع التجار ضد المستهلكين. غياب الآليات يعقب خبراء الاقتصاد علي ظاهرة غياب الأجهزة الرقابية بقولهم إنها امتداد طبيعي لحالة الانفلات الأمني التي تمر بها مصر, كما تؤكد الدكتورة أمنية حلمي مدير المركز المصري للدراسات الاقتصادية, أن40 ألف جمعية أهلية تمارس العمل الأهلي ليس من بينها من يعمل لحماية المستهلك وهذا مرجعه غياب الآليات وندرة العائد المادي الذي سيعود علي هذه الجمعيات فيما لو عملت في مجال الرقابة علي الأسواق, إضافة إلي أن أعضاء هذه الجمعيات يتعرضون لأعمال البلطجة والأذي من قبل الباعة وأنصارهم. وتطالب المسئولين في وزارة التموين بالتعددية في اقامة المنافذ لتسويق البضائع والسلع التي يتزايد طلب المستهلكين عليها لتشجيع المنافسة في الأسواق واختصار حلقات الوساطة في نقل وبيع السلعة لضمان وصولها الي المستهلك بأسعار مناسبة وبجودة عالية. تقول.. إن الغاء التسعيرة الجبرية لا يعني انتهاء دور وزارة التموين في الرقابة علي الأسواق وضبط الأداء فيها لكن هناك واجبا اساسيا لها يتمثل في الرقابة علي الجودة وزيادة منافذ التسويق سواء في الجمعيات الاستهلاكية او المنافذ المتنقلة, حتي تهدأ الأسعار وتصبح السلعة في متناول المواطن العادي بسعر مناسب. المسئول يرد ينفي أحمد عبد التواب رئيس المجلس الأعلي لجمعيات حماية المستهلك بوزارة التموين هذه الادعادات ويلقي بالمسئولية علي أغلب المواطنين الذين غابت عنهم ثقافة حماية المستهلك علي حد قوله ويقرر أن المواطن تكون امامه فرصة كبيرة للاختيار عند الشراء وكذلك وسائل عديدة للشكاوي أبسطها ارسال الشكوي عبر البريد الي مكاتب التموين. ويلقي باللوم علي المستهلك الذي يشتري سلعا مضروبة, مشيرا الي أن التاجر بطبيعته يميل الي تحقيق المكسب السريع والمرتفع عند بيع بضائعه ويطالب بنشر ثقافة حماية المستهلك وعنصر المنافسة الشريفة والالتزام بميثاق الشرف التجاري, لكن المستهلك هو الذي يشجع التاجر علي الجشع علي حد قوله من خلال الفصال وشراء البضائع دون فواتير صحيحة في الوقت الذي لا يعلن التاجر عن اسعار السلع التي يبيعها. قبضة الحكومة لكن الدكتور علي عبد الرحمن المستشار الاقتصادي الأسبق لوزير التموين يشخص الداء والعلاج قائلا: إن فشل جمعيات حماية المستهلك الأهلية سببها عدم توفير التمويل اللازم لاداء دورها خاصة أن وزير التموين يجب عليه إن يوفر لها الآليات الفنية والتمويلية لمساعدتها في توفير الحماية للمستهلك والرقابة علي الأسواق, مشيرا الي أن الدكتور أحمد جويلي وزير التموين الأسبق قد ادرك هذا الدور وسعي إلي توفير منظومة مستقلة لهذه الجمعيات وأيضا جهاز لحماية المستهلك التابع لوزارة التموين حاليا لكن هذه المنظومة تغيرت ولم يتحقق لها الاستدامة, وأصبح مثل هذا الجهاز خاضعا للوزارة وليس له استقلالية في ادائه. 3 فقط من68 جمعية وعن الوضع بالنسبة للجمعيات الأهلية التي تعمل في مجال حماية المستهلك.. تري المهندسة عنان هلال رئيسة إحدي الجمعيات الأهلية: أن الجمعية تعتمد في تمويلها علي اشتراكات الأعضاء لدرجة أنه يتم تدبير نفقات ايجار الشقة مقر الجمعية ومرتب موظفة واشتراكات التليفون شهريا ويالكاد من تبرعات الأعضاء, مشيرا الي أن مثل هذه الجمعيات التي تعمل في مجال حماية المستهلك لاتتلقي تبرعات من الشركات ورجال الأعمال كما تفعل الجمعيات الأهلية التي تعمل في مجالات مغايرة لحماية المستهلك لأن القانون يمنعها من ذلك. وتوضح أن وزارة التموين منحت الضبطية القضائية للعاملين في جهاز حماية المستهلك لكنها منعتها عن العاملين في الجمعيات الأهلية مشيرة الي أن هذه الجمعيات تصارع الموت والاختضار بعد أن كان عددها68 جمعية اختصرت الي ثلاث جمعيات فقط تعاني من انيميا مالية حادة تهدد بزوال ما تبقي منها.