أكد علماء الدين وخبراء الاجتماع, أن ما نراه اليوم في المجتمع من انفلات أخلاقي وعنف وانحراف سلوكي يرجع إلي سوء التربية وغياب القدوة الحسنة داخل مؤسسة الأسرة مشددين علي أهمية أن يكون الآباء نموذجا يحتذي لأبنائهم في الاستقامة والتدين وحسن الخلق, ذلك أن فاقد الشيء لا يعطيه. وأوضح العلماء أن قطاعا كبيرا من الأبناء المنحرفين هم ضحايا لآبائهم الذين فشلوا في أن يكونوا قدوة صالحة لهم في تربيتهم و توجيههم, وأن صلاح الآباء هو البداية لصلاح الأبناء. وطالبوا بتفعيل برامج التوجيه الأسري التي يجب توجيهها إلي الآباء لتربية أولادهم علي الاستقامة. وأكد الدكتور نبيل السمالوطي أستاذ علم الاجتماع وعميد كلية الدراسات الإنسانية السابق, أن مؤسسة الأسرة هي أهم مؤسسة تربوية في حياة الإنسان لأنها هي التي تتلقاه وليدا وتقدم له كل النماذج الأخلاقية والقيمية والسلوكية التي يربي الطفل عليها ويقتدي بها ويقلدها في حياته خاصة أن السنوات الست الأولي في حياة الطفل هي أخطر وأهم مرحلة في بناء الشخصية, ففيها توضع بذور التدين والتقوي والصلاح والاستقامة, كذلك فإن فيها توضع بذور الانحراف والإجرام والعنف والتطرف, ولهذا قال تعالي موجها خطابه للآباء' يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون' فكيف نقي أبناءنا النار؟ لاشك أن هذا يكون من خلال كون الآباء قدوة صالحة لأبنائهم في مكارم الأخلاق وفي الالتزام بالقيم والسلوك القويم. وأضاف: أن الدارس لواقع الأسرة المصرية اليوم ومن يرصد وجود أكثر من مليونين من أطفال الشوارع, وما نلاحظه من انتشار الإضرابات المسلحة التي تحدث داخل الجامعات, وفي الشارع والتي يصل العنف فيها إلي الاعتداء علي المدرسين والأساتذة والعمداء, وتخريب المنشآت والاعتداء علي أفراد الشرطة والجيش فمن يشاهد كل هذا يدرك فورا فشل قطاع كبير من الآباء في تربية أبنائهم, وقد يعود ذلك إلي انشغال الآباء بلقمة العيش خارج المنزل, وخروج المرأة إلي العمل علي حساب تربية ومراقبة أبنائهم أو الانشغال بأعمال المنزل عن تربية أبنائهم, وقد يرجع أيضا إلي الأمية الدينية لدي الآباء, وممارسة البعض منهم الانحراف كشرب الخمور وتعاطي المخدرات والجلوس علي المقاهي بعد العمل وعدم الاهتمام بحماية ورعاية وتوجيه أبنائهم. ويؤكد الدكتور نبيل السمالوطي, أننا يجب أن نهتم بتوجيه الآباء ليتعلموا كيف يربون أولادهم علي الدين الصحيح وعلي تقوي الله ذلك لأن صلاح الآباء يعود بلا شك علي الأبناء ليس فقط في بناء شخصيتهم القويمة ولكن حتي بعد موت الآباء فالله يرعاهم ويحفظهم لأن أباهما كان صالحا ويؤكد هذا ما ورد في سورة الكهف حيث قال تعالي:' وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك' وهذا يعني أن صلاح الآباء يستمر نفعه وتأثيره علي الأبناء في حياتهم وبعد مماتهم. وشدد الدكتور نبيل السمالوطي علي ضرورة تفعيل برامج التوجيه الأسري التي يجب توجيهها إلي الآباء لتربية أولادهم, والتي تتمثل في خطب الجمعة والدروس الدينية في المساجد, كذلك إعداد برامج تليفزيونية وإذاعية لتوجيه الآباء علي كيفية تربية أبنائهم, وأيضا من خلال مجالس الآباء والمعلمين في المدارس, وأيضا مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية التي يجب أن تركز علي تعليم الآباء والأمهات كيفية التعامل السليم مع أبنائهم, ومن خلال مكاتب التوجيه الأسري التي يجب العمل علي انتشارها في المجتمع بجهود حكومية وأهلية. حق الأبناء علي الآباء من جانبه يؤكد الدكتور محمد الدسوقي, أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة, أن حق الأبناء ثابت علي الآباء وحق الآباء علي الأبناء حق ثابت أيضا بالنص القرآني والنص النبوي, ويحضرني في هذا كلمة قالها ابو الأسود الدؤلي حيث قال لأولاده( لقد أحسنت إليكم كبارا وصغارا وقبل أن تولدوا فقالوا كيف أحسنت إلينا قبل أن نولد؟ فقال اخترت لكم من الأمهات من لا تسبون بها) وفي هذا القول أشار إلي أن رعاية الأبناء وتربيتهم تربية شاملة تبدأ بحسن اختيار الأم أو الزوجة لأنها هي التي تتعامل مع الطفل كثيرا خاصة في المراحل الأولي من حياته, ومن أهم حقوق الأبناء الواجبة علي الآباء اختيار الاسم الحسن, ومعاملة الأبناء جميعا علي درجة سواء من العدل في كل شيء, وأن يكون الوالدان قدوة حسنة لأبنائهما في سلوكياتهما, وأن يكونا عينا ساهرة علي رعاية الأبناء وبخاصة في مرحلة المراهقة, وأن تكون الأسرة بوجه عام بيئة مستقرة لا نزاع فيها ولا خلاف حتي يسود لدي الأبناء مفاهيم طيبة عن حياة الأسرة وينعكس ذلك علي سلوكهم وأخلاقهم فالنبي صلي الله عليه وسلم حين قال' رحم الله والدا أعان ولده علي بره' وهذا يعني أن حسن التربية للأولاد وتوجيههم ينعكس علي الأبناء في المستقبل فيحسنون إلي آبائهم.